قضايا وآراء

كيف يمكن إفشال صفقة القرن فلسطينياً؟

ماجد عزام
1300x600
1300x600
نشرت مواقع وصحف عربية وأجنبية خلال الأسابيع الماضية؛ تقارير عدة عن صفقة القرن التي أصبحت أو تكاد أن تصبح حقيقة واقعة. التقارير رسمت الخطوط العريضة للصفقة الصفعة، أو خطة تصفية القضية الفلسطينية، حسب تعبير السيد صائب عريقات ومسؤولين فلسطينيين آخرين. كما أشارت إلى الضغوط العربية السعودية المصرية التي تتعرض لها قيادة السلطة، وحتى حركة حماس، لتأييد الخطة التعاطي الإيجابي والتساوق معها، أو على الأقل عدم ممانعتها وعرقلتها وانتظار مآلاتها النهائية.

الخطة، تنص على إعلان دولة فلسطينية وفق الواقع الحالي، لتضم غزة ونصف (أو 40 في المئة) من أراضي الضفة الغربية تشمل مناطق (أ) و(ب)، دون القدس الشرقية التي ستصبح مع الغربية عاصمة لإسرائيل، بينما يتم اختراع قدس ما كعاصمة للدولة الفلسطينية خارج الحرم القدسي والمدينة القديمة، أي المنطقة التي تم احتلالها في نكبة حزيران/ يونيو 67، مع سيطرة إسرائيل الأمنية الدائمة على منطقة الأغوار والتلال الغربية للضفة وحدود وأجواء، وحتى موجات البث الكهرومغناطيسي في سماء الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وتنسيق أمني إقليمي عربي إسرائيلي دولي مع شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتوطينهم حيث هم، أو في دول أخرى، وضخ مساعدات هائلة ليست 10، وإنما 40 مليار دولار للسلطة؛ لقبول الخطة، وبناء مؤسسات الدولة الدويلة الكيان الفلسطيني الوليد.. ببساطة تتحدث الصفقة ذات المدى الزمني المفتوح عن تأبيد الواقع الحالي، وتحويل السلطة إلى دولة ولو بالاسم، دون أي سيادة أو سيطرة فعلية لها، بحيث نصبح أمام حكم ذاتي زائد أو دولة ناقص، أي شيء ما هجين بين الحكم الذاتي والدولة، كما يحلو لنتنياهو القول دائماً.

عضو اللجنة التنفيذية صائب عريقات؛ قال للمجلس الثوري في أوائل آذار/ مارس الحالي أإن الإدارة الأمريكية تتبع تكتيكا جديدا، فيما تعتبره مرحلة جديدة لعملية التسوية، وهي تمارس ضغوطا على الدول العربية، وحتى قوى إقليمية ودولية مركزية لقبول الخطة الصفقة باعتبارها الوحيدة على الطاولة والقادرة على حل الصراع في فلسطين، وطي صفحته، وإزالة العبء، ولو المعنوي، عن كاهل الدول العربية، وفي السياق تحريرها من الضغوط التي تحول دون إقامة علاقات علنية تطبيعية مع إسرائيل بحجة مواجهة الخطر الإيراني.

قيادة السلطة، وكما قال الرئيس محمود عباس أمام المجلس الثوري، ترفض الخطة وستواجهها حتى النهاية، ولن تسمح بتمريرها بأي حال من الأحوال، حتى لو جاعت، وما من قوة على وجه الأرض قادرة على إجبارها على قبولها، كما قال القيادي الفتحاوي عزام الأحمد، وهو بالمناسبة نفس الموقف الذي أعلنته حركة حماس التي وجهت بدورها رسالة خطية إلى الرئيس عباس تؤكد فيها على الاستعداد للاصطفاف معاً من أجل إفشال الخطة ومنع تمريرها.

مع ذلك يبقى السؤال الأهم هو كيف يمكن للفلسطينيين مواجهة وإفشال الخطة، على افتراض امتلاك الإرادة السياسية لفعل ذلك، كما يتضح من المواقف والمعطيات السابقة؟ مع الانتباه إلى أن الحديث عن تأجيل طرحها ليس نهائيا أو مؤكدا. وحتى لو حصل، فإن التحركات والمساعي لتهيئة الأرضية والبيئة أمامها تجري على قدم وساق، ودون علاقة بتوقيت أو أوان طرحها.

أولاً، لا بد من الاقتناع، وحتى اليقين، بأن الحشد الرسمي العربي والإقليمي والدولي كله غير قادر على فرض وتمرير الخطة، طالما يرفضها أصحاب الشأن، الفلسطينيون.. وهم وحدهم قادرون على إفشالها، كما قال عن حق السيد خالد مشعل 24 شباط/ فبراير الماضي، وكما تؤكد الوقائع التاريخية السابقة، حتى أن توقيع وتصالح مصر أكبر دولة عربية مع إسرائيل في كامب ديفيد؛ لم ينجح في جرّ دول عربية أخرى، أو تعميم الحالة إقليمياً في ظل العناد والرفض الفلسطيني وتسونامي.. الاتفاقيات وتبادل السفارات ومراكز التبادل التجاري مع إسرائيل؛ حصلت فقط بعد اتفاق أوسلو وبشكل جزئي، أيضاً في ظل الطابع المرحلي للاتفاق.

ثانياً، لا يمكن مواجهة الخطة وإفشال الخطة في ظل الواقع الفلسطيني الحالي. والأمر يقتضي بالضرورة إنهاء الانقسام، وتطبيق تفاهمات المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني وفق أسس وطنية ديمقراطية نزيهة شفافة، لا وفق ذهنية الخاتم في الأصبع، كما يفكر الرئيس محمود عباس.

وبالطبع، لا يمكن إنهاء الانقسام وترتيب البيت الوطني، ورصّ الصفوف للمواجهة دون الاحتكام للشعب عبر انتخابات حرة شفافة نزيهة للرئاسة والمجلس التشريعي، على أن يتولى أعضاؤه المنتخبون في الداخل التوافق على تعيين أعضائه بالخارج، والانتخابات ستفرز بالتأكيد قيادة أكثر شباباً ونزاهة، وستكون فرصة للشعب للمحاسبة على المرحلة السابقة، كما إعطاء التفويض لقيادة المرحلة الجديدة، مع اقتناعى طبعاً بأن من أوصلنا إلى الوضع الحالي لا يستحق (سياسياً وديمقراطياً) قيادة الشعب في مرحلة مختلفة كلياً.

المعطيات السابقة ستعني بالضرورة إعادة غزة إلى المشهد السياسي الوطني، إنهاء الحصار غير الأخلاقي وغير المبرر ضدها، وانطلاق سيرورة استشفائها أو عودتها إلى الحياة الطبيعية التي تحتاج عملياً لسنوات طويلة نفسياً ومادياً، ولا شك أنه لا يمكن تصور مواجهةأو إفشال خطة القرن وتصفية القضية دون أخذ غزة بالحسبان،أو في ظل واقعها المنهار الحالي ومعادلة سلطة واحدة سلاح واحد التى يتم طرحها كشرط للمصالحة هي بالتأكيد صحيحة، ولكن شرط أن تكون قيادة منتخبة ديموقراطية شفافة نزيهة خالية من الاستبداد والفساد.

لا بد أن تقتنع القيادة (ولا شك أن قيادة منتخبة ديموقراطياً ستقتنع)، وتعي بالضرورة أن المواجهة باتت جماهيرية شعبية سلمية، كما جرى عند إغلاق الحرم القدسي فى تموز/ يوليو الماضي.. لا مكان فيها للسلاح بمعناه التقليدي الضيق، ولكن باستخدام كل الأسلحة المقاومة المتوفرة لدى الشعب الفلسطيني، أي المقاومة بكافة أساليبها ووسائلها السياسية الدبلوماسية والقضائية والإعلامية، والجماهيرية الميدانية طبعاً، بما في ذلك السعي لرفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة، كما محاسبة إسرائيل على جرائمها المتعددة والمستمرة ضد الشعب الفلسطيني؛ وومنعه من ممارسة حقّه الطبيعي في تقرير مصيره وممارسة سيادته وسلطاته على أرضه في وطنه.

سياسياً؛ لا بد من التصميم على رفض الوساطة الأمريكية الحصرية، حيث أن واشنطن تحولت إلى طرف في الصراع، والخطة التي هي بصدد طرحها عبارة عن أفكار أوتصورات إسرائيلية يمينية متطرفة بغلاف أمريكي، مع التركيز وتسليط الضوء على خلفيات الخطة الفكرية والسياسية أمريكياً وإسرائيلياً، وفضح من يعمل عليها، أي كوشنير غرينبلات وفريدمان، وهم ثلاثة صهاينة متحيزين ومتطرفين، ناهيك عن عدم امتلاكهم الخبرة والقدرات الأزمة للوساطة وابتكار الخلول.

لا بد كذلك من المضي قدماً في مساعي توسيع الإطار الراعي لعملية التسوية،مع اختصار الطرق والعودة إلى الأمم المتحدة لرعاية الملف بشكل مباشر من خلال مجلس الأمن أو الجمعية العامة، والمضى قدماً في مسيرة الانضمام إلى المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الثقل والاعتبار.

القيادة المنتخبة ستمتلك بالتأكيد (أو يفترض أن تمتلك) الشجاعة لفضح، أو على الأقل إحراج العرب المتساوقين والمتواطئين مع صفقة القرن، وخطة تصفية القضية الفلسطينية، والضغط عليهم سياسياً وإعلامياً للإعلان صراحة ودون تذاكي أو تحايل عن حقيقة موقفهم من الخطة الصفقة.

القيادة الديمقراطية المنتخبة، الخالية من الاستبداد والفساد، والأكثر شباباً وحيوية، ستكون حتماً أكثر تماساً مع الناس ومشاكلهم، وهي ستكون الأقدر كذلك على الإجابة عن الأسئلة الصعبة والشائكة، وحتى الاستراتيجية المتعلقة بأساليب المواجهة وإدارة الصراع وإمكانية الذهاب إلى خيار الدولة الواحدة، في ظل انسداد أفق عملية التسوية التي انطلقت منذ أوسلو، بل منذ النكبة الثانية في حزيران/ يونيو 1967، مع قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي وضع الأساس لما بات يعرف بحل الدولتين الميت سريرياً على كل حال، وربما يكون من حسنات خطة ترامب-كوشنر أنها قد تطلق رصاصة الرحمة عليه.
التعليقات (0)