قضايا وآراء

لماذا هذا الهجوم على تركيا؟

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

ما أن انطلقت العملية العسكرية لـ"الجيش الحر" والجيش التركي في عفرين، حتى بدأت وسائل إعلام عربية وكتاب عرب وسوريين بشن هجوم على التدخل التركي، مرة تحت عنوان رفض أي تدخل خارجي في سورية، ومرة أخرى تحت عنوان أيديولوجي دوغماتي "استعادة أمجاد الدولة العثمانية".

وما لبث الهجوم على تركيا أن تضاعف مع بدء معركة الغوطة الشرقية، ومحاولة وسائل إعلام معينة ربط المعركتين قسرا مع بعضهما البعض، في محاولة للاستنتاج أن سقوط الغوطة دفع ثمنه مسبقا في عفرين، أي أن تركيا هي السبب في سقوط الغوطة، كما كانت السبب في سقوط مدينة حلب.

وإذا كان مفهوما أن تتبنى بعض وسائل الإعلام هذا التوجه بسبب ارتباطها بسياسات دول معينة، فإن الغريب أن يُقدم على ذلك كتاب عرب وسوريين لهم اسمهم ومكانتهم بتبني هذا التوجه عبر كتابة مقالات تهاجم السياسة التركية بقسوة.

ليس هذا المقال دفاعا عن تركيا، وإنما محاولة لتقديم قراءة موضوعية للسياسة التركية في سورية بشكل عام، ولما يجري عسكريا بشكل خاص.

لم تقم تركيا بخفض منسوب خطابها وسلوكها السياسي/ العسكري تجاه النظام السوري نتيجة لانعطافة أيديولوجية أو سياسية، وإنما فرض عليها ذلك فرضا بسبب حصول ثلاث تطورات هامة خلال السنوات الأربع الماضية:

ـ اختلاف القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة فيما بينها، الأمر الذي منع تشكل كتلة عسكرية/ سياسية وازنة ذات بنية متماسكة قادرة على إحداث الفرق.

ـ الفيتو الأمريكي المضمر الذي وضع حدا لتسلح المعارضة، ووضع حدا أيضا للتحالفات بين الفصائل المسلحة، بعبارة أخرى رفضت الولايات المتحدة إسقاط النظام عسكريا، وتم إبلاغ ذلك مباشرة للحلفاء الإقليميين.

ـ ظهور "وحدات الحماية الكردية" وسيطرتها بشكل سريع على معظم الحدود السورية ـ التركية، ترافقت بخطوات عملياتية لإنشاء كيان كردي له طابع الديمومة.

أمام هذا الواقع الذي لا يسمح بإسقاط النظام عسكريا، ولا يسمح بتبني مسار سياسي واضح المعالم ينتهي ولو بعد حين إلى إقامة نظام ديمقراطي من جهة، ونشوء قوى معادية على حدودها الجنوبية تهدد مصالحها القومية العليا من جهة ثانية، اضطرت تركيا إلى التحول نحو الشرق والتفاهم مع روسيا لإعادة ترتيب المشهد العسكري في مدينة حلب وريفها الشمالي.

لقد جاءت معركة عفرين استكمالا لـ "درع الفرات" في أهدافها الاستراتيجية، وهي حصيلة تفاهمات تركية ـ روسية وتركية ـ أمريكية بخصوص المسألة الكردية، وليس لها علاقة إطلاقا بالصراع الدائر بين النظام والمعارضة، فهي أصلا معركة خارج تفاهمات أستانا.

وإذا كان البعض قد برر مهاجمته عملية عفرين بحجة أنها نوع من الاحتلال الأجنبي لأراض سورية، فإن هذا المبرر سرعان ما ينهار في ضوء امتلاء الساحة السورية بقوات عسكرية من كل حدب وصوب، بعضهم لهم أجندات تتجاوز الجغرافية السورية وبعضهم دخل لتمكين النظام وقتل المعارضة.

كما أن الهجوم على العملية العسكرية التركية يساوي بقصد أو من غير قصد الحضور العسكري التركي بالحضور العسكري الروسي والإيراني، وهذه مساواة لا تستقيم، فإيران وروسيا لهما أهداف عميقة داخل سورية، ولديهما رغبة في الهيمنة على صناعة القرار بدمشق، وعلى ثروات البلاد، وعلى موقعها الاستراتيجي، في حين ليس لدى تركيا هذه الأهداف، وجل ما تهتم به هو منع قيام كيان كردي يهدد مصالحها، في وقت تشكل الاستثناء الوحيد في المنطقة في حجم الدعم المقدم للسوريين، سواء داخل أراضيها، أو في مناطق سيطرتها داخل سورية، حيث منطقة "درع الفرات" هي المنطقة الوحيدة الآمنة، فلا يحصل فيها اختطاف قسري ولا اغتيالات ولا اعتقالات.

أما بخصوص ربط معركة الغوطة بمعركة عفرين، فهذا تجني كبير ورعونة سياسية تتجاوز الجغرافيا ولعبة الأمم في سورية.

لا تمتلك تركيا بحكم البعد الجغرافي أي حضور في الغوطة، ففصائل الغوطة لا تلقى دعما من تركيا ولا ترتبط بأجندتها السياسية والعسكرية.

وقد جاءت معركة عفرين قبل تسعة أيام من مؤتمر سوتشي، ضمن محاولة روسية لإرضاء تركيا من جهة ومواجهة المشروع الأمريكي بتشكيل قوة حدود كردية من جهة ثانية، أما معركة الغوطة فقد جاءت انتقاما من المعارضة التي رفضت حضور سوتشي بطلب غربي وليس بطلب تركي، كما جاءت ضمن محاولة روسية لتوسيع مناطق نفوذ محورها، وعند هذه النقطة يمكن ربط المعركتين ضمن التنافس الأمريكي الروسي المعقد.

وإذا كان ثمة جديد في معركتي الغوطة وعفرين، فهو أن المعركة الأولى تشكل عنوانا لإخراج القوى العربية من المشهد العسكري السوري، في حين تشكل معركة عفرين عنوانا لتزايد الحضور التركي في المشهد السوري بسبب حاجة موسكو وواشنطن لها بحكم موقعها الجغرافي.

1
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
السبت، 31-03-2018 11:12 ص
جوابي على سؤال الأستاذ "حسين عبد العزيز" المحترم: تركيا بلد فيه مسلمون يحبون الإسلام بشغف لا مثيل له حتى عند العرب. من المعلوم أن تركيا قد جرى فيها فرض نظام علماني متوحش في عام 1924 كان أولاً و أخيراً حرباً على الإسلام و على الإرث العثماني و أراد تغيير هوية المسلمين الأتراك إلى هوية ارتداد. لكن هذا الشعب قاوم ذلك رغم القمع و القهر . نتيجة للصراع الغربي على تركيا ، كان لا بد أن يتبنى "عدنان مندريس" برنامجاً انتخابياً تضمن أمراً جاذباً للأتراك و هو "إعادة الأذان باللغة العربية" إذا نجح و قام فعلاً بتطبيق ذلك . عندما صدحت المساجد بنداء "الله أكبر" بدلاً من "الله بيوكتر بحسب اللغة التركية" ترقرقت أعين غالبية أهالي تركيا بالدموع و بكوا على أيام المجد الذي كان. لكن العسكر العلمانيين تحت قيادة عميل أمريكا "جمال غورسال" أعدموا مندريس. استمرت تركيا في صراعات بين اليمين و اليسار و تحت رعاية العسكر "حماة العلمانية المتوحشة" حتى قيَض الله لتركيا رجالاً مثل المرحوم "نجم الدين أربكان" لكي يعيدوا لتركيا الحد الأدنى من هويتها. فنتج عن ذلك قيام نظام علماني "يتعايش مع الإسلام و لا يضمر له العداء" . لم يعلن أحد (من ساسة الأتراك ، في العهد الجديد، منذ أربكان و أوزال و انتهاءً بجول و إردوغان) قيام خلافة عثمانية إطلاقاً. في عهد إردوغان تحققت لتركيا نقلة نوعية في الاقتصاد و التصنيع ، و هذا ما أقض مضاجع الغرب الحاقد على المسلمين لذلك تآمروا على تركيا و مكروا لها مكراً كباراً . زيادة جرعات القتل و التدمير و التهجير للمسلمين العرب و التركمان في سوريا ، قصدت منها أمريكا توريط تركيا في سوريا بورطة شديدة لكن يقظة حكام تركيا الحاليين حالت دون ذلك و أرجو الله أن يستمر تنبههم. ما فعلت تركيا تجاه سوريا هو ما تستطيع فعله بحسب المعطيات و المعادلات السياسية الدولية القائمة حالياً و لا يمكن للمحلل السياسي المنصف أن يلومها على تقصير. لقد كانت تركيا و لا تزال أفضل لشعب سوريا من كل أشقاءهم العرب و فيها ما يزيد عن 3 ملايين و نصف مهجر سوري. صحيح أن تركيا عضو في حلف الناتو و فيها قاعدة انجرليك ، لكن من جلب هذا لتركيا هم الحكام العلمانيون المتوحشون أما طاقم الحكم الحالي فلا يستطيع الفكاك من هذه القيود بسهولة حسب ما يظن السذج في السياسة و على رأسهم حركات علمانية و متأسلمة. لم تعقد تركيا مع أحد صفقة ثمنها سقوط "حلب" أو "الغوطة" ، و ما يعنيها بالأساس اجتثاث الإرهاب على حدودها المباشرة من حركات كردية ، للأسف، باعتها أمريكا "وهم" إقامة دولة كبرى غالبية مساحتها في الأناضول مع العلم أن أوروبا و أمريكا متفقتان على أن نقس البقعة مخصصة لدولة أرمينيا الكبرى المسيحية مع جائزة للروس الأرثوذكس تتمثل بمحافظة اسطنبول إذا تحقق للغرب تفتيت تركيا و تدميرها لا سمح الله.