قضايا وآراء

ارحل ترامب وسنتدبر أمرنا بطريقة أفضل

غازي دحمان
1300x600
1300x600

أن يصل انحدار الرئيس الأمريكي إلى حد المطالبة علنا بدفع مقابل إذا أرادت دول المنطقة بقاء قواته في سورية، فهذا سقوط أخلاقي وقيمي ما بعده سقوط، والأفضل ألف مرّة أن لا يتم الرد عليه من قبل المعنيين وتركه يتصرف كما يشاء، وإذا كان هناك مقابل يجب أن يدفع فيجب أن يدفع من أجل الإسراع بخروجه، طالما أن القوّة الأمريكية أصبحت معروضة لمن يدفع فسيكون ضررها اكبر بكثير من نفعها.

ولكن مهلاً، هل نحن فعلاً نتحدث عن قوّة عظمى قادت العالم على مدار عقود وتحوّلت إلى نموذج حضاري يستقطب اهتمام سكان الكوكب لما ينطوي عليه من ديمقراطية وحرّية أبهرت في يوم فيلسوف أوروبا، اليكسي دو توكفيل، واعتبرها ديمقراطية فريدة ومختلفة عن كل التجارب في العالم، بما فيها ديمقراطيات أوروبا؟

ماذا عن الاستراتيجيات بعيدة المدى والتوازن الدولي، حتى لا نقول ماذا عن رسالة حقوق الإنسان، ثم إن هذه نهاية بشعة إذ لم يحصل أن انحدرت قوى عظمى في التاريخ إلى هذا المستوى، إلى مستوى أن يخرج رئيسها على العلن، يقطب حاجبيه ويغمز بعينيه ويؤشر بيده إشارة تدل على دفع الفلوس، تماماً كما يفعل، ليس أزعر الحارة، بل صبيانها، حينما يرغبون في تحصيل الأتاوة.

لكن هل بالفعل علينا أن نتفاجأ من هذا السلوك الأمريكي ونتفجع عليه تالياً؟ الواقع إن فعلنا ذلك نثبت أننا لم نقرأ الوقائع بدرجة تؤهلنا لفهم السياسة الدولية وألاعيبها، وتحديداً السياسة الأمريكية تجاه سورية والمنطقة والعالم، فمنذ أكثر من عام طالب وزير الخارجية الحالي، مايك بومبيو، عندما كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، والذي تفاءل الكثير باستلامه حقيبة الخارجية، طالب بوقف برنامج الوكالة لدعم الثوار المعارضين للأسد في سوريا!

 ويوصف جون بولتون، داعية الحرب الشهير، بـ"اليميني الواقعي" الذي لا يؤمن ببناء الدول أو استخدام الجيش الأميركي لأسباب إنسانية، وفي حادثة تاريخية مشهورة، قال بولتون في جلسة الاستماع المخصصة لتثبيته في منصبه عام 2005 كسفير للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إنه لا يعرف ما إن كان ممكناً لأميركا أن تحاول منع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994؟

وكان باراك أوباما قد أتخمنا بإرسال المؤشرات عن عدم اهتمامه لا بالثورة السورية ولا بتحالفاته العربية، بل وصل به الأمر إلى حد اعتباره أنه ليس من الحصافة بشيء دعم أطباء وصيادلة ضد نظام عسكري متماسك، "وبالمناسبة في ذلك الحين كان سقوط نظام الأسد يتوقف على السماح بتمرير عشر صواريخ مضادة للطائرات"، بل أن أوباما ذهب إلى حد مطالبة العرب بإيجاد صيغ مناسبة للتفاهم مع إيران، فهي لا تشكّل ذلك الخطر الذي يتوهمون منه، وأن شعوبهم هي الخطر الأكبر.

ولكن دع كل ذلك، ودع مزايدات الأمريكيين ومحاولة التهرب من الالتزامات أو تأجير قوتهم، هم يواجهون تحديا حقيقياً لدورهم ومكانتهم، وليس نحن الذين لم نغادر يوما أدنى درجات سلم القوّة والمكانة، ومصالحهم تتعرض للخطر، كما أن هيبتهم يتم قضمها صباح مساء في المنطقة، وبوتين قريباً سيصبح متحكماً بكل قطرة نفط يتم إنتاجها في آسيا الوسطى والبحر المتوسط، وبالتالي هم الذين يتوجب عليهم أن يدفعوا حتى يحافظوا على مصالحهم، ألم يثبت أن القوّة المستعدة لتوفير موارد للحرب في سورية هي التي تكسب على الأرض؟

ولو فرضنا جدلاً، أن مصالح أميركا لا تواجه تلك المستويات من الخطر التي نقدّرها، ألا يشكل استمرار مجرم، مثل بشار الأسد، قتل أكثر مما يتصوره العقل البشري، تحدياً لكل إرادة حرّة في العالم، هل يجوز في مثل هذه الحالة أن تعرض قوى عظمى، تدّعي قيادتها للعالم الحر، تأجير قوتها، لا من أجل إسقاطه، بل من أجل إرضاء خصومه وإسكاتهم إلى حين!

إن أفضل شيء يفعله ترامب هو أن يسحب قواته بأسرع وقت، بعد أن انكشفت ماهية تلك القوات وطبيعة أهدافها، على الأقل سيكون ذلك دافعاً للبحث عن بدائل ذاتية لمواجهة الأخطار المتأتية من التدخلات الإيرانية والروسية، وبدل دفع الأموال للأميركي، الذي لا يشبع حتى لو ابتلع كل أرصدة العرب، أن يتم بأقل من ذلك بكثير بناء قوّة عربية ذاتية، وهي موجودة ومعروضة، وهناك مئات آلاف الشباب العرب الجاهز للتصدي لهذه المهمة.
التعليقات (3)
خالد
السبت، 07-04-2018 02:38 ص
لن يكن بوتين متحكما في اي نقطة نفط واحدة في المستقبل ودور روسيا ما هو الا تدميري للدول العربية والإسلامية وبالتنسيق مع الغرب وعلي رأسهم الولايات المتحدة .... ولَم ينسحب ترامب من سوريا وذلك ما هو الا زيادة المكاسب الامريكية من البلهاء العرب ..
أيمن عصمان ليبيا
السبت، 07-04-2018 01:19 ص
"وبدل دفع الأموال للأميركي، الذي لا يشبع حتى لو ابتلع كل أرصدة العرب، أن يتم بأقل من ذلك بكثير بناء قوّة عربية ذاتية، وهي موجودة ومعروضة، وهناك مئات آلاف الشباب العرب الجاهز للتصدي لهذه المهمة." سيدي الكاتب هذا يطلب من قادة انتخبتهم شعوبهم ويبحثون عن مصالح شعوبهم وليس من امعات خونة مجرمين سموا زورا وبهتانا قادة !
اينشتاين
الجمعة، 06-04-2018 07:04 م
يبدو أنك لم تراجع ما كتبت .