اقتصاد دولي

هل دفعت الليرة التركية ثمن التقارب مع روسيا وإيران؟

اقتصاديون: الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام التقارب التركي مع روسيا وإيران- جيتي
اقتصاديون: الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام التقارب التركي مع روسيا وإيران- جيتي

واصلت الليرة التركية هبوطها عند مستويات قياسية مقابل الدولار، وهبطت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، ظهر الجمعة، بعد أن سجلت مستوى قياسيا متدنيا عند 4.0615 ليرات للدولار، وقبل أن ترتفع قرشين بحلول المساء لتنهي اليوم عند مستوى 4.0400 ليرات للدولار.


وشهد سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية حالة من عدم الاستقرار، منذ بداية العام 2018، ما أدى إلى تزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية بشأن مستقبل سعر صرف الليرة وتوجهات السياسة النقدية التركية في ظل تصاعد الحديث عن وجود اختلاف في الرؤى الاقتصادية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والبنك المركزي التركي بشأن أسعار الفائدة.


وقال محللون وخبراء اقتصاد في تصريحات لـ "عربي21"، إن المشكلة الحقيقية ليست في انخفاض مستويات سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، وإنما في تذبذب سعر صرفها وعدم استقراره عند مستوى محدد صعودا أو هبوطا.


وأكدوا أن عدم استقرار سعر صرف الليرة يثير المخاوف في نفوس المستثمرين ورجال الأعمال، ويساهم في تآكل أرباح الشركات، وزيادة معدلات التضخم، خاصة في حالة اتجاه المواطنين الأتراك إلى عملية "الدولرة" (تحويل مدخراتهم بالعملية المحلية إلى الدولار) كسلوك اقتصادي طبيعي لحماية ودائعهم من التأكل.

 

اقرأ أيضا: مخاوف خفض الفائدة تدفع الليرة التركية إلى خسائر جديدة

 

أسوأ أداء


وانخفضت الليرة بنحو 6% مقابل الدولار منذ بداية العام الحالي لتسجل رابع أسوأ أداء بين 26 عملة في الأسواق الناشئة، وفقا لرويترز، حيث شعر المستثمرون بالقلق من التضخم الذي سجل معدلا في خانة العشرات والإجراءات التي يرونها غير كافية على صعيد السياسات والشكوك التي تكتنف مصير نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك أكبر مسؤول عن السياسات الاقتصادية.


وقال تقرير في صحيفة حريت التركية أمس الخميس إن أردوغان انتقد رفع سعر الفائدة في الآونة الأخيرة خلال اجتماع مغلق لحزبه العدالة والتنمية الحاكم في الأسبوع الحالي.


وذكرت الصحيفة أن هناك تكهنات في أنقرة بأن شيمشك قدم استقالته إلى رئيس الوزراء بن علي يلدريم الذي رفعها بدوره إلى أردوغان، لكن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قال إنها مجرد مزاعم وليس لديه معلومات عن هذا الموضوع، نافيا صحة وجود خلافات داخل الفريق الاقتصادي.


وأكد الخبير الاقتصادي أحمد مصبح أن الاقتصاد التركي لا يواجه أزمة حقيقية ولكنه يواجه تحديات سياسية واقتصادية، لافتا إلى أن محاولة تسويق وجود أزمة اقتصادية يساهم بشكل كبير في خلق الأزمة.


وقال مصبح في تصريحات لـ "عربي21"، إن "الحكومة التركية تحاول تسويق انخفاض الليرة التركية على أنه شيء إيجابي ويدعم زيادة الصادرات، وهذا صحيح في حالة وجود استقرار لسعر صرف الليرة، أما عدم استقرار سعر صرف الليرة صعودا وهبوطا يعمق المشكلة ويؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وتآكل أرياح الشركات".

 

اقرأ أيضا: اقتصاديون لـ"عربي21": هذه حقيقة تعرض تركيا لأزمة مالية بـ2018

خلافات داخلية 


وأشار مصبح إلى أن تصريحات الرئيس التركي السبت الماضي، حول ضرورة تخفيض سعر الفائدة في البنوك التركية للقضاء على التضخم وارتفاع الأسعار هي امتداد لتصريحات أخرى كان آخرها في نوفمبر الماضي عندما انتقد سياسة البنك المركزي التي تتبنى رفع أسعار الفائدة، وهو ما يدعم الحديث حول وجود خلاف في وجهات النظر بين فريق نهضة تركيا الاقتصادي.


وأضاف: "الرئيس التركي يرى أن رفع أسعار الفائدة يؤدي إلى حالة انكماش اقتصادي ويقلل من فرص الحصول على القروض الاستثمارية، ويرفع معدلات التضخم، الأمر الذي ينعكس سلبا على النمو الاقتصادي لتركيا، فضلا عن أنه يؤمن بأن الفائدة سبب كل بلاء في عالم الاقتصاد، فهي تزيد من فقر الفقير، وتغني الغني أكثر، أن المستفيد الأكبر هم مؤسسات التمويل، وليس المواطنين".


وتابع: "في المقابل، البنك المركزي التركي واللوبي المالي المناوئ لسياسات الرئيس التركي يرون ضرورة رفع نسب الفائدة حتى يتم السيطرة على معدلات التضخم التي وصلت إلى 13%، وهي أعلى نسبة منذ عشر سنوات، وهو ما يخدم مصالحهم في رفع حجم الودائع، وخلق فرص استثمارية أكبر في الأسواق الخارجية في الأصول المقومة بالدولار أو اليورو".


وأوضح مصبح أن العملية الاقتصادية التركية حاليا مركبة ومتداخلة بشكل كبير، وأن الرئيس التركي يتمسك برؤيته في ضرورة تخفيض سعر الفائدة نظرا لحساسية الوضع التركي الداخلي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2019، ويرفض تبني أي سياسة انكماشية قد تؤثر سلبا على تحقيق أهداف 2023.

 

اقرأ أيضا: دير شبيغل: كيف حققت تركيا طفرة اقتصادية في عهد أردوغان؟


وأردف: "أردوغان يدرك أن الورقة الاقتصادية هي الأهم في سبيل الوصول لتلك الأهداف، كما يدرك خصومه الداخليين والخارجيين بعد فشل كل محاولاتهم في إيقاف عجلة النمو التي صاحبت فترة حكم العدالة والتنمية أن الاقتصاد هو الملاذ الأخير للحد من نجاحات أردوغان ومحاولة زعزعة مكانته الشعبية قبل الاستحقاق الانتخابي القادم".


وأكد الخبير الاقتصادي خلال حديثه لـ "عربي21" أن التحدي الأكبر للحكومة التركية في الوقت الحالي هو تجنب توقف عجلة النمو الاقتصادي، خصوصا في ظل ارتفاع معدلات التضخم، واستمرار اختلاف وجهات النظر حول السياسات النقدية (الأمر الذي يؤثر على استقلالية البنك المركزي)، وزيادة عجز الحساب الجاري في ظل استمرار عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية، والاعتماد الكبير على التدفقات الرأسمالية قصيرة الأجل. 


واستطرد: "التحدي الآخر أمام حكومة أردوغان يكمن في قدرتهم على إيجاد الحلول والبدائل التي تخفف من وطأة السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة، مثل اعتماد العملات المحلية لتبادل التجاري بين الدول، وهذا ما يدعو إليه وبدأ تطبيقه بالفعل بين روسيا وإيران، وتأمل الحكومة التركية في انضمام دول أخرى.


التقارب الروسي الإيراني


ومن ناحيته، قال المحلل الاقتصادي، هيثم المنياوي، إن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام التقارب التركي مع روسيا وإيران وسيدفعون بمؤسساتهم المالية من بنوك وشركات للضغط على الاقتصاد التركي، عبر تغذية عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية من ناحية، وإنهاك الاحتياطي النقدي التركي عبر رفع معدلات الفائدة وما يترتب عليه من زيادة معدلات خدمة الديون المقومة بالعملات الأجنبية من ناحية أخرى.

 

اقرأ أيضا: هذا ما دفع موسكو وأنقرة وطهران لتناسي خلافاتهم السياسية

وأضاف المنياوي في تصريحات لـ "عربي21": "صحيح أن مؤشرات الاقتصاد التركي قوية، ويمكنها التغلب على التحديات التي تواجهها، لكن خصوم أردوغان في الداخل والخارج يلعبون على سياسة بث الخوف في نفوس المستثمرين في محاولة منهم لإنهاك أحد أبرز مصادر القوة التي يمتلكها الرئيس التركي".


وأشار المنياوي إلى أن حزب العدالة والتنمية نجح منذ وصوله إلى الحكم وحتى الآن في رفع الاحتياطي النقدي الأجنبي والذهب بمصرف تركيا المركزي، إلى أكثر من خمسة أضعاف، وهو ما يعني أن هبوط سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية يعود لأسباب سياسية وليست اقتصادية، لافتا إلى ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي والذهب من 23 مليار دولار عام 2002، إلى نحو 120 مليار دولار هذا العام، مع توقعات بوصوله إلى نحو 150 مليار دولار.


وقال كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس التركي جميل ارتيم قبل أيام إن انخفاض الليرة، لا يتماشى مع أساسيات الاقتصاد الكلي، وأضاف أن أي مستوى لليرة يقل عن 3.85 مقابل الدولار "مضاربة"، وأنه يعتقد أن سعر الصرف سيستقر حالما يصبح المناخ السياسي أكثر وضوحا.

التعليقات (0)