قضايا وآراء

عاصفة "البلوت"

أحمد عمر
1300x600
1300x600

كان مشهد الشيخ الكلباني وهو يلعب البلوت، و"يفتّ" الورق مفاجئاً حقاً، بل صاعقاً، ربما مضحكاً، وربما مؤسياً، ويرهص بالساعة.

 

وكنا نرى كثيراً من هذه المشاهد في الشام المباركة، وكنانة الله في أرضه، ثم رأيناه في الحرمين الشريفين!


 الكوتشينة، ويسميها السوريون الشدّة، والسكمبيل إحدى ألعابها، وهي لعبة قمار، وأقل اللاعبين قماراً يلعبون على "الناموس" كمكافأة ربح، وأتقاهم يلعبون على وجبة غداء، يأكلونها سوياً، فلا تحلو اللعبة إلا بجائزة الربح، وغرم الخسارة.


 ورموزها حسب جريدة اليوم السابع، رموز حربية، وإشارات غزو، وغلبة، فملك البستوني (أو القلب الأسود) يرمز لملك بني إسرائيل داوود. وفيه تجسيد لصورة نبي، أما ملك الديناري (الكومي)، فيجسد صورة الملك الروماني الطاغية يوليوس قيصر المغرور، أما ملك السباتي (عنقود بثلاث حبات)، فيرمز للإسكندر الأكبر ملك مقدونيا، وحاكم أحد أكبر وأوسع إمبراطوريات العالم القديم، وترمز ورقة هذا الملك للوفاء والولاء، وقوة السلطة.


يقول المقال عن رتبة الشاب أو الولد: بدأت قصته منذ العصر المملوكى، وكانت تخلع على الفارس، أو المنصب الذي يلي الملك، ولكن عندما نقلت الكوتشينة إلى أوروبا، أصبح اسمه جاك، وتعني "خادم الملك"، أما البنت، بقلب أحمر، فترمز إلى السيدة جوديت، التي يقال إنها خلصت العالم من يهوذا.


ترمز البنت الكومي، إلى السيدة سارة زوجة النبي إبراهيم، وأم النبى إسحاق، وهي مبجّلة عند المسلمين واليهود والمسيحيين، ورد ذكر "ساراي" تبشيراً لها بالسرور بعد عقم طويل. يتم تصوير ملكة بالاس بورق الكوتشينة ترميزاً إلى الآلهة أثينا، التي ترمز إلى الحكمة والقوة، وآلهة الحرب، وحامية المدينة، وبالاس هو لقب لصيق بالمعبودة الإغريقية أثينا، أما الملكة استرب ورمزها الشجرة، فتعني ملكة، باللغة اللاتينية.


مثّل كل شكل من الأشكال الأربعة المرسومة على ورق اللعب، أحد أعمدة الاقتصاد فى العصور الوسطى، فعلى سبيل المثال تمثل "الكبة" الكنيسة الكاثوليكية فى القرون الوسطى، أقوى مؤسسة فى أوروبا، ويمثل "البستوني" الجيش الذي كان يستخدم السيف كسلاحه الوحيد، أما "السباتي" فيمثل الزراعة، حيث كانت فرنسا تتميز بازدهار الزراعة، مما أدى إلى نمو حالة الاقتصاد الفرنسي وقتها، "الديناري" يمثل طبقة التجار. إذاً الرموز حتى في اللعب هي على التوالي: كنيسة، جيش، زراعة، تجارة؛ الكنيسة في المقدمة!


 لقد نقلت المقال المترجم ترجمة حرفية سيئة، ولخصته، ولم أقع فيه على سبب اختيار هذه الرموز، فلا يزال ناقصاً، وكنت أتمنى لو استطعت شرح لعبة البلوت، وأركانها، وآدابها، ونواقضها، فأنا أجهل جميع أنواع اللعب بالكوشتينة، لأنني لم أخدم خدمة العلم، فمعظم الشباب يتعلمون لعب الورق في التدريب العسكري والجيش! والسوريون بارعون في حرب الورق، ضعفاء في الحرب الفعلية. البرميل والسارين يقتلان من غير براعة، الكائنات كلها. أعرف صديقاً متفوقاً، خسر علامات في مسألة احتمالات رياضية، لأنه كان يجهل عدد أوراق اللعب.


الكوتشينة في أفلام الكاوبوي نمرة دائمة، تعني القتل والمعارك. فلم "خطيئة أصلية"، من بطولة أنطونيو بانديراس، وأنجلينا جولي، وتوماس جي، ينتهي بأن يخسر تاجر القهوة الغني لويس، كل إقطاعاته، بزواجه من جوليا روسل، ويتحول إلى ولد يلعب القمار ويغش فيه. عنوان الفلم يؤكد على مقولة دينية مسيحية وتوراتية، بأن الخطيئة أصلها أنثى. 


 كانت الكنيسة تندد باللعبة، وتعدّها إثماً وشؤماً، وكانت ألمانيا تفرض غرامات على اللعبة. ويروي التاريخ أن الملك هنري الثامن شعر أنّ ورق اللعب يلهي الرماة عن التدريب، وفي القرن الثامن عشر كانت الأمهات تترك نصف ورقة لعب مع ولدها كعلامة بنوّة، أما ترك ورقة كاملة معه، فهذا يعني أنها تخلت عنه للميتم. وكان ذلك يعني ضمناً أن الأب مجهول، ويقال إن أنواع ورق اللعب برموزها الأربع، ترمز لأيام السنة، وعدد أوراق اللعب يعادل عدد أسابيع السنة. 


البطل في فلم الكاوبوي سيلعب ويربح ويعارض الشرير، ثم يتصارعان بالأيدي أو بالنار، وكانت لاس فيغاس مدينة الخطيئة، فهي مدينة القمار والقوانين المرنة، ومدينة المتعة والترفيه، وقفزة السعودية من التقوى بالقوة إلى الترفيه، قفزة كبيرة، وصفقة القرن هي اللعبة، والأمر أبعد من صفقة قرن، فهي صفقة أربعة عشرة قرناً. 


الكلباني قال: إنه لا يعرف اللعبة، وهذا يعني أننا نخسر صفقة القرن، ونقامر بها. في اللعبة الإسلامية، البنت غير قوية، والولد كما ترون يطلق النار على قدمه والرأس، أما الشايب، فيعاني من النسيان، وإيفانكا أعادت تذكيرنا بالخطيئة الأصلية.

 

لن نربح في لعبة وافدة، وقد خسرنا المقدسات.
  لم تكن أمنيتي أن ينهض رسام موهوب، فيرسم لنا صورة القدس والكعبة على ورق البلوت، أو صلاح الدين وخالد بن الوليد، بدلاً من رموز روما، كتعويض، وحلّ وسط، فرسم الصالحين في كل المذاهب محرّم أو مكروه، وهي لعبة قوامها الحظ، وليست مثل كرة القدم، التي  تنفع اللاعب وتمده بالمرونة والنشاط، ولا مثل الشطرنج  التي تعلم الدقة، ونصب الخطط، كل ما أرجوه أن يكتب شيخ داعية دعاء جديداً للعبة "البلوط" نتلوه بعد صلاة الفجر!!
 اللهم انصرنا على من عادانا في البلوت
 وأجعل ثأرنا على من والانا في القنوت
واجعلنا من السابقين الأولين في الرالي
وارزقنا زيارة للبحر الأحمر
 وكحّل أبصارنا بالبكيني
  آمين.

0
التعليقات (0)