كتاب عربي 21

الإسلاميون والمسألة الاجتماعية: إعادة النظر بالأولويات والعودة إلى الداخل

قاسم قصير
1300x600
1300x600

المتابع لأداء الحركات الإسلامية أو التيارات الإسلامية التي وصلت إلى مواقع الحكم أو الحكومات والبرلمانات في عدد من الدول العربية والإسلامية ، يلحظ بوضوح في هذه المرحلة أن القضايا الاجتماعية والتنموية والاقتصادية بدأت تأخذ حيزا واضحا في برامجها السياسية والانتخابية وعلى صعيد دورها في السلطة سواء من موقع الحكم أو المعارضة.

وباستثناء عدد قليل من الأحزاب الإسلامية ( كحزب التحرير وبعض التيارات السلفية والجهادية) لم تعد الحركات الإسلامية تعطي الأولوية في هذه المراحل لقضية الحكم الإسلامي أو مشروع الدولة الإسلامية أو القضايا الأيديولوجية والعقائدية والفكرية ، فالأغلبية العظمى من هذه الأحزاب ، التاريخية منها أو تلك التي برزت في العقود الأخيرة ، بدأت تركز في أولوياتها على الأوضاع الداخلية في دولها وتهتم بشكل كبير بالقضايا الاقتصادية والبيئية والتنموية والاجتماعية ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مراقبة برامج وأداء معظم هذه الأحزاب ومنها : الإخوان المسلمون بتنوعاتهم المختلفة ، حزب الدعوة الإسلامية في العراق مع بعض امتداداته العربية ، حزب الله في لبنان ، حزب العدالة والتنمية في تركيا ، التيارات المختلفة في ايران ، الأحزاب الإسلامية في السودان وباكستان وإندونيسيا وماليزيا ، حركة النهضة في تونس ، حزب العدالة والتنمية في المغرب، إلى ما هنالك من أحزاب إسلامية.

ولا يعني الاهتمام بالقضايا الداخلية أو إعطاء الأولوية للأوضاع الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، ابتعاد هذه الأحزاب كلية عن القضايا الفكرية أو القضايا السياسية المركزية كقضية المقاومة أو القضية الفلسطينية أو حمل هموم المسلمين في العالم ، فهذه المسائل لا تزال حاضرة في أداء ومواقف التيارات والأحزاب الإسلامية على مختلف تنوعاتها لكن ليس بالمستوى الذي كان سابقا ،  فمن يدقق في برامج وأولويات هذه الأحزاب يستطيع أن يلاحظ أن الهم الاجتماعي أو التنموي أو الاقتصادي وصولا لقضايا البيئة ومحاربة الفساد أصبح يأخذ حيزا أكبر مما كان يأخذه سابقا، كما أن التفاعل مع القضايا المركزية والهموم الإسلامية العامة لم يعد بالمستوى الذي كان قائما قبل عدة عقود ، كما أن الهموم القطرية لكل حركة أو حزب أصبحت تطغى في معظم الأحيان على الهموم المركزية ، مع وجود بعض الاستثناءات في بعض الأحيان ، وخصوصا بشأن القضية الفلسطينية أو تجاوز بعض الأحزاب لأدوارها المحلية إلى أدوار إقليمية.

لكن كيف نفسر هذا التغير في أولويات الأحزاب والحركات الإسلامية من القضايا الخارجية إلى القضايا الداخلية؟ ومن الأولويات الفكرية والعقائدية والسياسية إلى القضايا التنموية والاجتماعية والاقتصادية؟ وهل هذا دليل تراجع عن الرؤية الإسلامية ؟ أو انه دليل ضعف وخلل في الأداء؟

أن هذا التغير في أداء ومواقف الأحزاب والتيارات الإسلامية ناتج بشكل أساسي عن وصول بعضها للحكم أو عن التفاعل الحاصل بين هذه الأحزاب والبيئات التي تعمل فيها أو بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي تنشط فيها ، مما يجعل هناك حاجة أساسية لدى هذه الحركات كي تعطي الاهتمام للشؤون الداخلية على حساب القضايا المركزية ، إضافة للضغوط التي تتعرض لها هذه الحركات من جماهيرها ومؤيديها.

كما أن فشل بعض الأحزاب الإسلامية في الحكم ، في مقابل نجاح بعضها الآخر ، يدفعنا للمقارنة في أسباب الفشل أو النجاح ، فلم يعد المقياس في الفشل أو النجاح التقدم على الصعيد الدعوي أو الفكري أو الدور السياسي ، بل أصبح الهم الاقتصادي والتنموي والاجتماعي هو المقياس في النجاح والفشل.

إذن نحن أمام تطور جديد في مسار الحركات والأحزاب الإسلامية ، وهذا تطور طبيعي ، لأن الهدف الأساسي للدين عامة ،و للإسلام بشكل خاص ، العمل من اجل الإنسان وكرامته وتأمين حاجاته وتوفير أفضل الظروف لحياته ، وليس فقط إقامة الصلوات والعبادات والإكثار من التسبيحات والمستحبات ،أو رفع الشعارات العامة أو الاهتمام بالقضايا المركزية .

وهذا التطور في أداء الأحزاب والحركات الإسلامية يحتاج لتقييم جديد على ضوء النتائج التي ستصل إليها ، فلم يعد المقياس كم هو عدد الذين يلبون نداء هذه الأحزاب أو يرفعون شعاراتها أو يحملون أفكارها ، بل المقياس هو حول ما قدمت هذه الأحزاب لدولها وأقطارها ومجتمعاتها وشعوبها من تقدم حقيقي في مختلف المجالات مع الحفاظ على الهوية الإسلامية ومواجهة التحديات المختلفة الداخلية والخارجية.

وبانتظار قراءة النتائج للمرحلة الجديدة لاتزال هذه الأحزاب والحركات هي الأكثر حضورا في الواقع السياسي والاجتماعي والفكري رغم كل ما تعانيه من تضييق أو حصار أو تحديات ، وهذا أمر جدير بالاهتمام والدراسة أيضا.
2
التعليقات (2)
اينشتاين
الجمعة، 13-04-2018 10:26 م
المشكلة بدأت من داخل عقولنا بسبب عدم رضانا ، عدم الرضا نابع من عدم الإدراك لأهمية مصدر السلامة التي تسعنا جميعا بين العالمين ، لم نتمكن من إدراك نعمة التوازن ونعمة السلامة التي لا تقدر بثمن ، فبدل الاستثمار في حدود رأس مالنا الذي هو إنسانيتنا ، رحنا نبحث لنا عن نمط إنساني مصطنع ، لكن من دون جدوى ، رسالة الشهادة سمتنا أمة وسطا وقبل ذلك سمتنا " مسلمين " ، عدم الرضاء تجسد في حركة "الإسلاميين " ، هؤلاء تسموا " إسلاميين " ، أيهما أفضل ، إسلاميين أم مسلمين ؟ محور عملية الشهادة هو الإنسان ، لذلك الخلل تسبب فيه الإنسان جيلا بعد جيل ، الأستاذ قاسم قصير عبر عن المشكلة " يإعادة النظر في الأولويات " أو " العودة إلى الداخل " مما يعني أن هناك انعطافة أو ما يشبه الخروج أو الانحراف مما يوحي بالحاجة إلى المراجعة أو تدارك الحال ، والحقيقة أن الحركة غير المحسوبة تسببت في ما يشبه الزلزال مما عجل بنوع من ردود الفعل لسبب وجيه وهو أن الجماعات الإسلامية لم تكن تتحرك في ساحة خاصة تتصرف فيها كما تشاء ، الساحة هي ساحة العالمين ، والمجتمع إنساني أكبر من أن يكون مجتمع الإسلاميين ، ودور المسلم هو دور الشاهد ، والشاهد يتحرك وفق مسار رسالة الشهادة في حدود المجتمع الإنساني ، الجماعات الإسلامية صنعت إنسانا داخل الإنسان ، ومجتمعا داخل المجتمع ، مما تسبب في ظاهرة غير متجانسة ، حالة مرضية بامتياز ، فلم نحصل على الإنسان المطلوب ، إنسانا مصطنعا ومجتمعا مصطنعا ، فأنى يتحقق دور الشهادة ، الحالة عبر عنها الأخ قاسم من خلال الإشارة إلى نوع البرامج السياسية والانتخابية ، وهي إشارة ضمنية ، خصوصا القول بالابتعاد عن القضايا العقدية والفكرية ، وهي حالة الجسم المريض الذي لم يعد يطمئن على سلامته ، فما بالك بسلامة عالم الشهادة ؟ والسؤال : هل الرسول صلى الله عليه وسلم فصل في حياته وهو قدوتنا جميعا ، بين ما هو سياسي واقتصادي وعقدي وفكري واجتماعي ؟ أكبر الجماعات أو التنظيمات الإسلامية من حيث أعداد المنتمين أو المتحزبين ، حملت من البداية أو تشبعت ببذور عدم الرضاء ، فبدلت راية براية ودور بدور ، اختارت دور الصراعات المصطنعة عن دور الشهادة في دنيا الناس واعلم أن السؤال لا يتعلق ببقاء الجماعة أو التنظيم خارج حدود السلطة الحاكمة أو وجوده داخلها ، السؤال هو سؤال الإنسان المتحضر ، الدور الرسالي يحتاج إلى الإنسان المسلم المتحضر .
مصري جدا
الأربعاء، 11-04-2018 07:54 م
تجربة الحركة الاسلامية وتفاعلها مع الفضاء العام ظلت في غالب وقتها في مربعات المعارضة ولم تتقدم لمقاعد السلطة الى في العقد الاخير ،،،، وبطبيعة الحال فمربع المعارضة يغلب على خطابه العام النظريات والمبادئ والقيم يغلب عليه الشعارات والافتراضات ،، يغلب عليه الطموح واحيانا الخيال ،، فضلا عن انه غير مسائل ولا محاسب ،، اما عندما ينتقل لمقاعد السلطة والحكم فهناك وضع اخر ،،، هناك طلبات واحتياجات وطموحات الشعوب ،، هناك الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره ،،، هناك المسؤلية والمسائلة ،،، هناك القبول والرفض ،، والتأييد والمعارضة ،، بل هناك التربص والمؤامرة ،،، وقبل كل ذلك هناك حقوق الاخر المختلف ،، حقوقه في التواجد والحركة والممارسة ،،، ان تكون مسؤل عن نفسك فهذا شئ ،،، وان تقدم بعض الخدمات تطوعا وفضلا فهذا شئ ثان ،،، وان تكون مسؤلا ومسائلا ومجبرا على تقديم الخدمات وبمستوى لائق فهذا هو الحكم والسلطة ،،، المهم ان نتعلم ونتغير ونتتقل بسلاسة بين المربعات المختلفة