أفكَار

الحضارة الإسلامية والنظرية السياسية الحديثة

تهامي: النظرية السياسية الحديثة إنتاج غربي في الأساس، والنظرية تكون تعبيرا عن السياق الذي ظهرت فيه
تهامي: النظرية السياسية الحديثة إنتاج غربي في الأساس، والنظرية تكون تعبيرا عن السياق الذي ظهرت فيه
تستند المبادئ السياسية الحديثة إلى كتابات الأوروبيين بشكل عام في القرن السادس عشر تقريبا وما بعده، ككتابات مونتسكيو وجان بودان وهوبز ولوك وروسو وغيرهم، لكن الملاحظ أن هذه النظريات الحديثة يغيب عنها تأثيرات الحضارة الشرقية، سواء كانت إسلامية أو فارسية أو هندية أو صينية، وما تم الاستناد إليه من الحضارات العريقة اقتصر على الثقافة الأثينية، مما يثير التساؤل حول الدافع لهذا النفور من كل الثقافات غير الأوروبية، وعلى الأخص نتاج الفكر الإسلامي الذي لامس أوروبا في الأندلس وتركيا، وهل النفور ناشئ عن استعلاء عِرْقي أم أن نتاج تلك الحضارات لا يرقى لتشكيل نظريات تُسهم في ضبط الممارسات الإنسانية؟

يرى د. مصطفى السيد أستاذ النظرية السياسية بجامعة القاهرة أن "هناك قضايا لم يهتم بها المفكرون الإسلاميون وهي موضوع النظرية السياسية الحديثة"، موضحا أن "موضوع الدولة مثلا غائب تقريبا عن النظرية السياسية الإسلامية، فالنظرية السياسية التي تتحدث عن الدولة تضع شروطا لمن يتولى (الخلافة) لكن مفهوم الدولة أوسع بكثير من الخلافة، وبالتالي عندما نتحدث عن الدولة لا نجد إسهامات للفكر الإسلامي سوى ما قدّمه ابن خلدون، ولابن خلدون مكانته في النظرية الاجتماعية وفي النظرية السياسية، والذين يهتمون بالدولة يرجعون إلى أعمال ابن خلدون".

وتابع السيد حديثه لـ"عربي21": "كذلك نرى أن أحد اهتمامات النظرية السياسية الحديثة العلاقة بين الحرية وبين المساواة، وهذه المناقشة لم تأتِ في النظرية السياسية الإسلامية التي ربما تتحدث عن الحرية والإرادة الإلهية" ويفسر السيد هذه العلاقة في إطار النظرية السياسية الإسلامية بأنها تنظر إلى "أي حد يكون سلوك الإنسان مكتوبا عليه".

كما يشير إلى فارق جوهري آخر بين النظرية السياسية في الفكر الإسلامي وبينها في الفكر الغربي، وهو أن "النظرية السياسية الحديثة هي في الغالب نظرية علمانية لا تأخذ في الاعتبار المسألة الدينية، وتناقشها من جهة أنها نظرية إنسانية لا من جهة تعلّقها بالإرادة الإلهية".

وعن غياب أثر الفكر السياسي الإسلامي حتى في الجوانب التطبيقية يقول السيد: "الجانب التطبيقي محله الإدارة العامة لا النظرية السياسية التي تتعلق بالمبادئ العامة للحياة السياسية، فهي إما تناقش موضوع الدولة أو موضوع القوة أو السلطة، وهذا النقاش ليس من وجهة نظر دينية بل من وجهة نظر واقعية، أو قد تناقش الطبيعة الإنسانية ليس من الجانب الديني بل من حيث ما هي عليه".

مضيفا، أن "الفكر السياسي ليس موضوعا أساسيا لاهتمام المفكرين الإسلاميين"، كما أن "التأمل في ظاهرة السلطة السياسية بالنسبة للحضارة الشرقية عموما غائب عنها، وهو موضوع مهم للنظرية السياسية الحديثة التي تعتبر الدولة إحدى المسَلَّمات، ولكنها تُخضعها للتفكير البشري والملاحظة والتأمل، لكن لا تستمد مفهوم الدولة من الجانب الديني".

من جهته يرى د. أحمد تهامي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأسكندرية: "أن النظرية السياسية الحديثة إنتاج غربي في الأساس، والنظرية تكون تعبيرا عن السياق الذي ظهرت فيه، وهي قوانين وتعميمات لتفسير واقع محدد"، مضيفا أن هذه القوانين والتعميمات "عادة ما تكون استقرائية بمعنى أنها تعميم عن حالات وعن وقائع معينة شهدها المُنَظّرون، ولهذا يكون السياق الذي ظهرت فيه مرتبطا بواقعها المعيش".

ويوضح تهامي لـ"عربي21" بأن "جزءا من المعارف والمعلومات المتاحة للمُنَظّر تكون مرتبطة بحدود البيئة والقراءات التي اطّلع عليها، وربما لم يحدث اطّلاع مباشر من المنظّرين المتأخرين على التراث العربي والإسلامي"، مستدركا "لكنهم أخذوا فكرهم السياسي من المفكرين الكبار الذين ظهروا في السياق الحضاري الغربي، وهؤلاء المفكرون الكبار ربما احتكوا بالتراث العربي والإسلامي بشكل مباشر دون أن يعبّروا عن ذلك في كتاباتهم".

وأضاف أستاذ النظم السياسية أن: "المقارنة بين الكتابات التأسيسية الأولى في الفكر السياسي -التي أصبحت فيما بعد مصدر النظريات- ربما نجدها متقاطعة أو متواصلة مع الأفكار الكبرى في التراث العربي والإسلامي في عصور ازدهارها".

وعن مدى تأثر أساتذة العلوم السياسية المسلمين بثقافتهم يقول تهامي:"لا بد من الملاحظة في البداية أن جزءا كبيرا من الفكر السياسي الحديث مستورد من الغرب وهو -كما ذكرت- منقطع الصلة بتراثنا"،إلا أنه استدرك بقوله: "ولكن هناك مدرسة تحاول إحياء الفكر السياسي الإسلامي كما يقوم المعهد العالمي للفكر الإسلامي ومركز الحضارة مثلا، فضلا عن وجود روّاد أبرزهم الدكتور حامد ربيع -رحمه الله- فهناك محاولات لإحياء هذا التراث، لكنها تظل محاولات تنظيرية تعيد إحياء المقولات والمعارف السياسية".

ويضف تهامي: "الواقع المعاصر فيه انقطاع بين الواقع الحالي والواقع الذي نُسجت فيه هذه الأفكار والنظريات، فالنظرية عبارة عن تفاعل بين النص والواقع المتغير، ومع وجود تغير جديد نحتاج لمراجعة مدى ملاءمة ما تم صوْغه مع التغيرات الحاصلة، ومدى احتياجه لتجديد أو إحياء، أيضا تحتاج لوضعها في سياق مقارن مع النظريات الغربية والمدارس الغربية التي تطورت في العقود الماضية" وتابع بقوله: "نحن كأننا نعمل على مثلث من التفاعلات: النظريات والإنتاج الفكري الغربي الحديث، والإنتاج المعرفي والسياسي الذي قدمته الحضارتان العربية والإسلامية، وأخيرا الواقع المتغيّر الذي يدخل فيه القديم مع الحديث وينفصل حتى عن السياق التأسيسي للفكر الإسلامي بشكل أو بآخر".
0
التعليقات (0)