قضايا وآراء

تونس تستكمل مسارها الديمقراطي بلبنة البلديات

نور الدين العويديدي
1300x600
1300x600
بخطوات ثابتة يمضي المسار الديمقراطي التونسي قدما، رغم كل الهزات والتوترات المرافقة له.. وكأن الهزات والتوترات صارت جزءا لا يتجزأ من هذا المسار، لا تؤثر بسلبية كبيرة على تقدمه، رغم اقترابه في مناسبات عديدة من حافة الهاوية.

فقد انطلقت السبت (14 نيسان/ أبريل) الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية المقرر إجراؤها يوم 6 أيار/ مايو القادم، وانطلق تنافس انتخابي بين الأحزاب، يزداد حيوية وسخونة مع تقدم الحملة، ليجد السياسيون، الذين لم يكونوا واثقين من وصول البلاد للانتخابات، في حاجة لتعديل ساعاتهم على زمن الانتخابات، التي تمضي مسرعة لإلقاء أثقالها في الصندوق مطلع الشهر القادم.

وقد تميزت الانتخابات البلدية التونسية، هذه المرة، وهي الأولى بعد الثورة، بمشاركة واسعة للنساء في الترشح ورئاسة قائمات الأحزاب والمستقلين. كما حضر الشباب بقوة. وسجل ذوو الاحتياجات الخاصة حضورا واضحا في مختلف القائمات ومختلف جهات البلاد.

مشاركة واسعة للنساء والشباب

لعب القانون الانتخابي دورا بارزا في المشاركة الواسعة للنساء في الترشح على القوائم البلدية. فنحو 48 في المئة من المرشحين في مختلف القوائم البلدية من النساء. ويفرض القانون الانتخابي على القوائم أن تكون موزعة عموديا بالتناصف بين النساء والرجال، امرأة ثم رجل ثم امرأة، وهكذا دواليك حتى نهاية القائمة الانتخابية.

كما أن القانون يفرض أيضا على الأحزاب أن يكون عدد رؤساء قوائمها مساو لعدد رئيسات القوائم المترشحة عن كل حزب.. وبالنظر لقلة النساء ذوات الخبرة السياسية والاجتماعية، لجأت بعض الأحزاب لترشيح قوائم مستقلة، حتى تتهرب من التناصف الأفقي القاضي بترشيح عدد من النساء مساو لعدد الرجال على رأس قائماتها. فالقانون يفرض تناصفا أفقيا وآخر عموديا في كل قائمة وبين القوائم، وهو ما لم تتمكن من تحقيقه الكثير من الأحزاب، فلجأت للقوائم المستقلة. وقد تفردت حركة النهضة وحدها بتغطية عدد الدوائر البلدية المقدرة بـ350 دائرة بلدية، يترأسها 175 سيدة و175 رجلا، ثم يأتي ثانيا حزب نداء تونس بـ345 قائمة.

ويخشى مراقبون من أن تكون للقانون الانتخابي المتشدد في تأكيد التناصف آثار سلبية على البلديات، التي قد تترأسها نساء أقل كفاءة من رجال حرم القانون التونسيين من الاستفادة من كفاءتهم لا لشيء إلا لأنهم رجال.. لكن المتفائلين والمدافعين عن القانون يرون أنه سيصنع نخبة نسائية مميزة في البلاد، يعمق حضورها من تميز حضور المرأة التونسية، عربيا، في العمل السياسي والاجتماعي.

أما بالنسبة للشباب ما دون 35 سنة فقد سجلوا حضورا كبيرا في كل القوائم الحزبية والمستقلة. وبلغت نسبتهم أكثر من 50 في المئة من جملة المرشحين، وهو ما يعطي شريحة الشباب التي قامت بالثورة، ورأت أنها حرمت من ثمارها السياسية، فرصة غير مسبوقة، من شأنها أن تخفف من غلواء سيطرة الكهول والشيوخ على السياسة في تونس ما بعد الثورة، ويكسب الشباب خبرة تنفعهم في مستقبلهم السياسي.

خوف كبير من ضعف نسب المشاركة

إشراك الشباب بكثرة قد يكون دافعه المباشر خوف الأحزاب من ضعف نسب الإقبال على التصويت، وخاصة من الشباب. إذ تقدر بعض الإحصائيات واستطلاعات الرأي أن نسبة الشباب التي قد تشارك في العملية الانتخابية يوم 6 أيار/ مايو القادم أقل من 20 في المئة من مجموع الشباب.

كما أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تلقي بظلالها على البلاد، واستشراء الغلاء والبطالة التي تعاني منها الشرائح الشعبية بشكل كبير، قد تدفع الكثيرين للزهد في العملية الانتخابية. وتعبر شرائح اجتماعية واسعة عن قلقها من سوء الأوضاع، ويدفعها ذلك للحكم بسلبية على السياسيين، كل السياسيين دون تمييز. ويغذي الإعلام مشاعر السلبية تجاه السياسة والسياسيين، وهو ما ينتظر أن تظهر آثاره في تراجع نسب الإقبال على صناديق الاقتراع.

تشويش يوتر الأجواء ولا يعرقل الانتخابات

الإضرابات والاحتجاجات ليست جديدة على التونسيين ما بعد ثورتهم. فقد حررت الثورة الألسن والإرادات، وكثرت الاحتجاجات والإضرابات حتى باتت خطرا على البلاد.

وقد استبقت نقابة التعليم الثانوي، (وهي أكبر النقابات العمالية ضمن الاتحاد العام التونسي للشغل)، انطلاق الحملة الانتخابية بيوم بإعلان الإضراب وتعليق الدروس في وقت حساس في نهاية سنة دراسية، عادة ما تكون مخصصة للامتحانات أو للاستعداد الجيد لها، وذلك ضمن سياسة لي ذراع حادة مستمرة منذ أشهر بين النقابة ووزارة التعليم حتى تستجيب لمطالبها.

وقد قسم قرار نقابة التعليم الثانوي التونسيين بين مؤيدين لها ومعارضين لسياستها، فمعظم المدرسين مؤيدون لمواقف نقابتهم. أما أولياء التلاميذ وكثير من التونسيين الآخرين، ممن صاروا يضيقون من كثرة الإضرابات، فقد باتوا مستائين جدا من تصرف النقابة، معتبرين أنها تتصرف مثل البلطجية، وأنها تتخذ من تلاميذ المدارس الأبرياء رهائن في يدها، تساوم بهم وزارة التعليم، وتضغط عليها حتى تستجيب لمطالب لا يرى الكثير من التونسيين أنها مشروعة أو الوقت مناسب لطرحها.

موقف نقابة التعليم الثانوي ليس جديدا.. فهو فرع عن موقف المركزية النقابية، التي يرى مراقبون أنها دخلت في معركة كسر عظم مع حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها يوسف الشاهد. فالأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، لمح مرارا ثم صرح جهارا بأنه لا يرى من داع لاستمرار الشاهد في إدارة دفة الحكم.

ويقول مراقبون إن التصعيد النقابي هدفه إقالة الشاهد وحكومته قبل إجراء الانتخابات البلدية، التي ستحتسب ضمن رصيد الحكومة السياسي، إن نجحت في إدارتها بشكل جيد، وهو أمر يحرص اتحاد الشغل على حرمانها منه. ويذهب البعض إلى أن اتحاد الشغل قد يكون نسق مواقفه مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، الذي يعتزم الترشح مرة ثانية للانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم، ويرغب في إبعاد يوسف الشاهد عن المشهد؛ لأنه سيكون منافسا قويا له. فالرجل يحظى في استطلاعات الرأي بشعبية كبيرة.

لكن لا يبدو أن مساعي اتحاد الشغل ستنجح في تغيير الحكومة. وكلما مر يوم إضافي وقوي الانشغال بالانتخابات البلدية أكثر فأكثر، كلما تغير المزاج الشعبي العام لصالح استمرار الحكومة وتأجيل التغيير إلى ما بعد الانتخابات، ما يعني أن ما يجري من اضطرابات واحتجاجات من شأنه أن يشوش على العملية الانتخابية، ولكن دون أن يبلغ حد تعطيلها أو التأثير الدرارماتيكي على سيرها.
التعليقات (0)