كتاب عربي 21

كتلة أكاذيب (3)

طارق أوشن
1300x600
1300x600

في فيلم (12 strong – 2018) للمخرج نيكولاي فوغلسيغ، وبعد تمكن فرقة من النخبة الأمريكية من السيطرة على مدينة مزار الشريف بمساعدة قوات الجنرال رشيد دوستم. يقف الجميع على مشارف المدينة.


دوستم: سأترك المدينة ل (آتا) اليوم. أما غدا فسنرى.


العقيد نيلسون: لقد اتخذت الخيار الصحيح.


دوستم: الخيار الصحيح؟ ما من خيارات صحيحة؟ نحن في أفغانستان مقبرة امبراطوريات عديدة. أنت اليوم صديقنا وغدا تغدو عدونا. لن تشكل حالة استثنائية. قريبا، لن تكون أمريكا غير قبيلة أخرى.. ستكونون جبناء لو رحلتم وأعداءنا إن بقيتم.


ليس هناك أبلغ من هذا المشهد تعبيرا عن واقع "الغزوات" الأمريكية التي تبدأ دوما تحت مسميات الدفاع عن الحرية ونشر الديمقراطية لتنتهي احتلالا مباشرا أو بالوكالة عبر تثبيت رجالها "حكاما" مستبدين بأمرها.


ترمب لخص الموضوع في لقائه الأخير بالرئيس الفرنسي وهو يوجه كلامه بجرأة ووقاحة قل نظيرهما في اتجاه دول الخليج: نحن نحميهم وعليهم الآن زيادة مساهماتهم.. سيدفعون ثمن ذلك وقد تحدثنا إليهم وسيدفعون.. الولايات المتحدة لن تواصل الدفع وهذه الدول سترسل أيضا جنودا على الأرض وسنعيد الكثير من الأمريكيين إلى بلدهم..


ولأن عروش الخليج ترتعد فرائسها من ترمب ومغامراته، لم يجد عادل الجبير في واحد من أخطر التصريحات على طول الأزمة الخليجية وبعد أن وصل سيل الإهانة الزبى، غير البحث عن "نصر وهمي" آخر عبر إدخال قطر في الموضوع. العالم كله رأى بأم عينيه كيف استعرض الرئيس الأمريكي لائحة مصاريف "الجزية" التي دفعتها السعودية لقاء مشتريات أسلحة تختفي أهميتها بمجرد تعرض المملكة لتهديد. الأنكى أن ذات الجبير أعلن عن تفكير بلاده ومعها دول عربية أخرى في إرسال قوات عسكرية إلى الداخل السوري بديلا عن الأمريكان.. هزلت.


عندما أعلن الرئيس الأمريكي منذ أسابيع عن تسريع وتيرة إعادة الجنود الأمريكان من سوريا، وهم بعدد الألفي جندي، سارع كثير من مرؤوسيه العسكريين للتذكير بخطورة الإقدام عل الخطوة لما تشكله من تهديد ل"الإنجازات" الأمريكية هناك في مواجهة المنظمات الإرهابية. إخراج القوات الأمريكية أو الإبقاء عليها في واقع الأمر تحكمه اعتبارات الأمن القومي الأمريكي. أما التهديد بهذا أو ذاك فمجرد بالونات اختبار وابتزاز علني للعروش المحمية وفق قاعدة عرض وطلب شعارها المال مقابلا للشرعية أو البقاء في الحكم.


(كتلة أكاذيب – 2008) للمخرج ريدلي سكوت..


إدوارد هوفمان، رجل استخبارات أمريكي مكلف بالشرق الأوسط في اجتماع مع رؤسائه في العمل.


ادوارد هوفمان: هل ننتمي إلى هناك أم لا؟ لا يهم حقا كيف تجيب على هذا السؤال لأننا هناك متعبون ولا يمكننا رؤية النهاية.. لا يمكننا حتى تعزية أنفسنا أن عدونا متعب مثلنا لأنهم ليسوا كذلك.. إنها مغالطة أن الحرب الطويلة سوف تضعف عدوا مشغولا بل إنها تجعل عدوك أقوى فهم يعتادون على الحرمان ويتكيفون ويردون وفقا لذلك، بينما هنا في الوطن، ومع كل تقرير عن موتانا هناك، يجب علينا التعامل مع الرأي العام الذي يتحول سريعا من مؤيد إلى معارض إلى معاد صريح. لقد سئم الناس وملوا من حالة السكون رغم حقيقة أننا زدنا من كثافة عملياتنا بشكل ملحوظ إلا أننا لا نرى أي تقدم. ما نتعامل معه هناك تكتل عالمي محتمل يتطلب جهدا مستمرا من أجل قمعه.. لو أبعدنا سيطرتنا على هذا العدو لحظة واحدة فسوف يتغير عالمنا بشكل كامل.


بين التخويف بالإرهاب والتلويح بالخطر الإيراني، تستمر القبضة الأمريكية على مقدرات المنطقة العربية وثرواتها. في هذه المنطقة لا يوجد من يستطيع الجهر، في مواجهة الكفيل الأمريكي، أن أنتم "جبناء لو رحلتم وأعداءنا إن بقيتم" كما قال دوستم للعقيد نيلسون في بداية المقال. لأجل ذلك تستمر الآلة الأمريكية في حصد الأرواح وجني الأموال على حد سواء. فالحروب الأمريكية لم تكن يوما لتحقيق الحرية وإرساء الديمقراطية بل لفرض الهيمنة والسيطرة على اقتصاديات العالم، والحرب على الطاقة سمة أساسية للقرن الواحد والعشرين. لأجل ذلك لا تتورع أمريكا في الدفع بالمنطقة إلى الدمار تنشيطا لصناعة الأسلحة عنها قبل البدء في عمليات "إعادة الأعمار" التي تتم بأموال محلية وخبرات أمريكية أو غربية. الربح في الاتجاهان مضمون حربا أو سلاما. ولتكريس النزيف أمرا واقعا ومستداما، يصبح السعي لتغذية الصراعات وخلق بؤر وحركات "إرهابية" مهما تعددت أساميها هدفا معلنا.


في فيلم (كتلة أكاذيب) يبدي العميل الاستخباراتي روجر فارس امتعاضه من الطريقة التي يتبعها رئيسه إدوارد هوفمان في تتبع (السليم)، زعيم أكبر منظمة إرهابية بالشرق الأوسط.
ادوارد: يمكن أن نحرق كل مسجد سلفي بالعالم دون أن نقترب منه حتى..
فارس: وتعتقد أن (السليم) لا يعرف ذلك، صحيح؟
ادوارد: ماذا؟


فارس: لا يعرف ذلك.. لا يعرف بمدى قربنا وبعدنا منه. لا يعرف ما هي الحقيقة وما ليس ذلك.. أعني أن أسامة قام بإطعام الزرقاوي للكلاب لأنه أصبح أقوى منه. أليس كذلك؟


ادوارد: صحيح.


فارس: ماذا لو غيرنا خطتنا.  بدل البحث عن السليم كما نفعل الآن دون نتيجة، نظهر وكأن ثمة منظمة إرهابية أخرى موجودة وفعالة مثل منظمته تماما.. أعني كيف سيستجيب السليم لمثل هذا التحدي لمركزه؟ ما الذي سيفعله؟


ادوارد: سيصاب بالارتياب، وقد يبتهج وربما كلا الأمرين.
فارس: بالضبط.. لكن في كلتا الحالتين سيحاول الاتصال بها، صحيح؟
ادوارد: صحيح.


فارس: أي أنه سيتصل بنا.


ادوارد: سيتصل بنا نحن. أنت مخادع حقير.


اتخذ القرار هكذا بكل بساطة، وقامت الأجهزة المعنية بعملها في اختلاق تفجيرات وتوريط أناس أبرياء لتحقيق الهدف الأسمى: القبض على السليم. بعدها لن تعدم أمريكا حيلة أخرى لضمان استمرار هدر الثروات والإساءة لمعتقدات الناس وتوريط الدول والأنظمة والأشخاص. ليس هناك في وقتنا الحاضر أجدى سياسيا واقتصاديا من صناعة الإرهاب.  والإرهاب ليس بالضرورة مقتصرا على المنظمات بل يشمل الدول أيضا. إيران لا تزال الهدف الأسمى بعد أن أعلنت المملكة السعودية وبقية دول الخليج توبتها عن "الإسلام" الوهابي العنيف. قبلها لابد من إنهاك الجميع على أرض سوريا وما السعي لإدخال قوات عربية لمواجهة الإرهاب هناك إلا مرحلة من مراحل القضاء النهائي على أية "قوة منظمة" عربية مفترضة يمكنها أن تشكل إحراجا للمخططات التي لا تعرف لها نهاية.


يتواصل النقاش في فيلم (W. – 2008) للمخرج أوليفر ستون، بحضور الرئيس جورج بوش الإبن ومساعديه، لا زال ديك تشيني يشرح رؤيته للأمور أمام خريطة العالم.


تشيني: أين ترون المكان حيث يغيب الحضور الأمريكي؟ إنه في قلب الأحداث تماما. إيران.. المعبر الأهم. إنها تمثل ثالث أكبر احتياطي للبترول في العالم. 40 بالمائة من بترول العالم يعبر من هنا عبر مضيق هرمز. نسيطر على إيران، نسيطر على أوراسيا، نسيطر على العالم. امبراطورية.. امبراطورية حقيقية. لن يعبث أحد معنا بعدها أبدا.


جزء كبير من شعوب المنطقة طبع مع الموت والمقاومة والرهان الأكبر عليها وهذا ما تخشاه القوى الغربية وتحتاط منه. وفي الفيلم العراقي القصير (ميسي بغداد – 2012) للمخرج سهيم عمر خليفة، كان الطفل حمودي، برجل واحدة، يحلم بمشاهدة مقابلات نجمه المفضل ميسي على التلفزيون. لأجل ذلك يغادر قريته بمعية الوالد لإصلاح الجهاز ببغداد حيث يتلقى الوالد رصاصة ترديه قتيلا. يعود الطفل لقريته وبينما يشاهد المباراة مع أصدقائه يخبر والدته بالحقيقة.


حمودي: ماما، ورا اللعبة (المباراة) لازم نروح نجيب جثة أبوي.


الأم: روح.. شوف اللعبة (ثم تبكي بحرقة وابنها يشاهد اللقاء بعيون دامعة وهو لا يقوى على إبداء الفرحة بهدف برشلوني) ... لقد انتهت مرحلة الطفولة بالنسبة إليها باكرا وهو بذلك وقود لعدم الاستقرار بالمنطقة لا ريب.


يقول محمود درويش:
ستنتهي الحرب،
ويتصافح القادة،
وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد،
وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب،
وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل،
لا أعلم من باع الوطن،
ولكني رأيت من دفع الثمن.
أما كلمات رشيد دوستم فلا تزال ترن في الآذان: ستكونون جبناء لو رحلتم وأعداءنا إن بقيتم.

0
التعليقات (0)