مقالات مختارة

حذف آيات من القرآن.. هذيان وزوبعة في فنجان

محمد أبو الروايح
1300x600
1300x600

الداعون إلى حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود -بزعمهم- دجالون وجاهلون بحقيقة النص القرآني، فالعارفون بحقيقة هذا النص الإلهي يقولون إن القرآن الكريم يميز بين فريقين من أهل الكتاب: فريق متبع وفريق مبتدع، فريق مهتد وفريق معتد، وذلك وفق قاعدته النورانية العادلة: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين".

القاعدة النورانية العادلة التي ينتظم حولها حشدٌ من الآيات القرآنية التي تتحدث عن فئة من اليهود عرفوا الحق فاتبعوه وأذعنوا له فخلدهم القرآن مع الداعين إلى الحق، القائمين بالقسط، كما في قوله تعالى: "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدِّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"، فمن الحق والمنطق ألا يعامل القاسط والمقسط، والمنيب والمذنب معاملة واحدة وإلا كان ذلك غاية الشطط وحاشا لله أن يقع منه هذا لأنه جل شأنه حينما حرَّم الظلم بدأ بنفسه ثم ثنى بخلقه كما في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

هناك حشدٌ من الآيات التي تتحدث عن الفئة اليهودية القاسطة المنيبة التي أنصفها القرآن الكريم ولم يبخسها حقها، فلو كان القرآن من شاكلة الكتب الجارحة القادحة في الآخر من غير تمييز برٍّ من فاجر، وصالحٍ من طالح لجمع اليهود في بوتقة واحدة ولأشبعهم سبا وذما ولأغرى أتباعه بالانتقام منهم جميعا كما هو شائع في الديانات والثقافات التي أسست على خطاب عنصري يمعن في إقصاء وإلغاء الآخر.

في التلمود معاداة للآخر لا تخفى حقيقتها، ومن ثم كان أحرى ببعض المفكرين المسيحيين الموقعين على وثيقة حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود –بزعمهم- لو كانوا حقا أوفياء لعقيدتهم أن يغضبوا ويقتصوا لها من ظلم نصوص تلمودية كثيرة تصف المسيح وأمه بأقبح الأوصاف التي ترفضها كل الأديان والأعراف، فالتلمود يطعن في شرف مريم العذراء ويصفها بوصفٍ غير أخلاقي، والمسيح "في لجج الجحيم"، والجماعة المسيحية "جماعة شاردة متمردة أرادت اختطاف التعاليم الموسوية تحت ذريعة العهد الجديد لتصنع لها مجدا، و ليس لها من مجدٌ إلا ما اختلسته من التعاليم اليهودية"!.

إن من بين أهم الموقعين على وثيقة حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود الصهيوني "برنارد هنري ليفي" والفرانكفوني الجزائري "بوعلام صنصال"، أما الأول فمعروف بنزعته الصهيونية الحالمة والمعادية لكل ما هو إسلامي للتنفيس عن العقدة التاريخية والهوس النفسي الذي يملك عليه أقطار نفسه، وهو الذي وُلد في بيئة جزائرية عربية إسلامية لم يرع لها حقها بل تحول إلى بوق يشهِّر بها في كل مكان ويحيك لها المكائد، وأما الثاني فمعروف بنزعته الفرانكفونية المتطرفة، الباحث عن الأضواء بأي ثمن ولو على حساب الوطن، المهووس بحب الظهور والمتطلع لجائزة "نوبل" للسلام من أقصر الطرق بمعانقة الحلم اليهودي والدفاع عما يسميه "شعب يهودي اجتمع عليه ظلم الزمان وظلم الإنسان"، وقد أشاد الإعلام العبري بشخصية "بوعلام صنصال" ووصفه بأنه "أنموذج المفكر العربي الرافض لفكرة الكراهية بين أتباع الأديان"، وهو في نظره "عنصر إيجابي من عناصر التطبيع خلافا للكثرة الكاثرة من العرب أسرى التراث الإسلامي الرافض للتطبيع بأي شكل من الأشكال".

إن الوثيقة الداعية إلى حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود ليست في حقيقة الأمر إلا حلقة من حلقات المؤامرة ضد الإسلام التي تظهر في تحركات هنري ليفي في العالم وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص، وهي بيقين تحركاتٌ غير بريئة تنذر بصدام عربي يهودي وشيك يتم التحضير له باستخدام كل الوسائل وفي مقدمتها القوة الفكرية الداعمة الموالية للفكرة الصهيونية أو على الأقل المتعاطفة معها تحت ذريعة بناء المشترَك الإنساني، وقد يستبعد بعض المفكرين والمحللين فكرة الصدام العربي اليهودي لتفاؤلهم الزائد عن اللزوم اتكاءً على ما تحقق في مجال التقارب بين المذاهب والأديان، ولكنهم لن يجدوا في النهاية بدا من الإقرار بهذه الحقيقة الصادمة حينما يدركون بأن اليهود وخاصة المتصهْينين منهم لم ولن يكونوا في يوم من الأيام عنصرا من عناصر بناء المشترَك الإنساني.

إن الموقِّعين على الوثيقة الداعية إلى حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود مطالبون باستدراك عوزهم الفكري إن كانوا يكيفون القضية تكييفا فكريا وذلك بإعادة قراءة النصوص القرآنية التي تتحدث عن اليهود ليعلموا أن القرآن الكريم لا ينظر إلى هؤلاء ولا إلى غيرهم من المخالفين انطلاقا من فكرة المعاداة ابتداءً، فهناك قاعدة ذهبية في القرآن الكريم تفسر نظرته إلى النوع البشري والتي يلخصها قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، إن معاداة القرآن الكريم لليهود هي بسبب أفعالهم المُنكِرة التي جعلت منهم جماعة عدوانية معادية للكتاب السماوي ولمبادئ الإخاء الإنساني، إن الشخصية اليهودية كما يصفها القرآن الكريم شخصية عنيفة ومتمردة، ومن ثم فإن ما يذكره عنها هو من بيان تقرير حال، وليس من باب العداوة المقررة ابتداء.

كان يجب على ليفي وصنصال والآخرين الموقِّعين على وثيقة حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود أن يأخذوا العبرة من تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي؛ فقد حاولت الصليبية العالمية قبل الصهيونية العالمية إحداث الفصام بين المسلمين والقرآن بإغرائهم باتِّباع الثقافات المسيحية والغربية الوافدة، فأصيبت بخيبة أمل كبيرة قذفت بأحلامها ومشاريعها في البحر، ودفعت بعض قادتها إلى الانتحار أو مغادرة الديار، بعد أن هالهم انتشار الإسلام والقرآن في كل الأقطار، فكانوا أشبه بـ"ناطح صخرة يوما ليُوهنها فلم يضرّها وأوهى قرنه الوعل".

كان يجب على ليفي وصنصال والآخرين الموقعين على الوثيقة الداعية إلى حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود –بزعمهم- أن يأخذوا العبرة من الهندي "سلمان رشدي" الذي انتهى وانتهت آياته الشيطانية وذهب إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه كما فعل بأسلافه ممن أرادوا مغالبة التعاليم الإلهية "فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين".

كان يجب على ليفي وصنصال والآخرين الموقعين على الوثيقة الداعية إلى حذف الآيات القرآنية المعادية لليهود –بزعمهم- أن يعودوا إلى كتاب "موسى والتوحيد" لسيغموند فرويد الذي ضمَّنه تحليلا عميقا للشخصية اليهودية، يُظهرها في صورتها الحقيقية العدوانية الوارثة بامتياز للقابيلية –نسبة لقابيل- لا كما يصورها المدافعون عنها والمتعصبون لها بأنها شخصية "هادئة ومسالمة".

كان يجب على ليفي وصنصال والآخرين الموقعين على الوثيقة الداعية إلى حذف الآيات المعادية لليهود –بزعمهم- أن يعودوا إلى كتاب "كفاحي" للزعيم النازي "أدولف هتلر" الذي دفعه التعصب للعرق الآري لسحق الأعراق الأخرى وفي مقدمتهم اليهود فيما يسمى في الأدبيات التاريخية "الهولوكوست" أو "المحرقة اليهودية"، ليُدركوا الفرق بين معاملة الإسلام لليهود -بالرغم من مؤامراتهم ودسائسهم وتحاملهم على عقيدة التوحيد- وبين معاملة غيره لهم، أو ليدركوا بصفة عامة الفرق بين عدل الإسلام وظلم الأديان المحرَّفة.

الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
المتوكل على ربه
الأحد، 11-10-2020 09:04 م
مقال طويل عريض ولكن ابو الروايح ينقصه الإحساس بالحق وبنقصه المعرفه الفقهي والحكمة ومعرفة السنه النبويه الشريفه فهو قالوا آيات من القرآن الكريم دون إدراك الحقيقة معانيها فالقرآن لا يميز بين يهودي وآخر بل يميز بين اهل الكتاب الذين دخلوا الإسلام وبين اهل الكتاب الذين بقوا على دينهم .. فالدين عند الله دين واحد وهو الإسلام.. ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) وقال تعالى (( ولتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا )) والذين آمنوا هم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. انا اليهود قبل فجر الإسلام كانوا على عدة فرق ومنهم من كان مؤمنا ومنهم غير ذلك ومن خلال كتابة الموضوع اجد أن الكاتب يداهن في كتاباته ..ويتملق أعداء الإسلام كما أن مقالات أخرى تؤكد ذلك....