قضايا وآراء

الجيش الحر إلى أين؟

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

مع تقليص النفوذ الاستراتيجي لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" وتحويل محافظة إدلب إلى ساحة تجمع لعدد من الفصائل من جهة، وانخراط عدد من فصائل "الجيش الحر" في الاستراتيجية التركية من جهة ثانية.

يضم الجيش الحر عشرات الفصائل المنتشرة في أماكن عدة بدءا من الشمال الغربي من البلاد إلى الشرق مع الأمريكيين ثم الجنوب.

وعلى الرغم من حاجة تركيا والولايات المتحدة لفصائل الحر كونه يمثل التيار الوطني، إلا أن العلاقة بينه وبين الأطراف الإقليمية والدولية أصبحت علاقة وظيفية متبادلة، يستفيد الحر بموجبها من الغطاء والدعم الخارجي في وقت تستفيد الأطراف الخارجية منه في ترتيب أجنداتها الداخلية.

وبسبب توقف المعارك بين المحور الأمريكي والمحور الروسي، تراجعت أهمية الجيش الحر، فقد شهد أواخر العام الماضي وبداية العام الجاري تراجعا في الدعم المالي من جانب الأطراف الإقليمية والدولية، فقد أعلنت إدارة ترامب وقف دعم الجيش الحر العام الماضي ضمن برنامج تسليح وتمويل المعارضة السورية الذي رعته ونفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كذلك قامت غرفة الموك في الجنوب بوقف الدعم عن "الجبهة الجنوبية" بسبب رفضها المشاركة في محادثات استانة.
 
ومن المشاكل الكبرى التي يعاني منها الحر عدم امتلاكه هيكل عسكري موحد ذو تراتبية مؤسساتية، فلا يمتلك قيادة عسكرية مركزية أو قيادة للأركان وليس هناك تسلسل هرمي أو رتبي يضمن الانضباط داخل هذه المؤسسة، وكل ما هنالك مجموعات مقاتلة ترغب في الدفاع عن مدنها وقراها من هجوم قوات النظام عليها.

تتحالف مع القوات الأمريكية في منطقة التنف ثلاث فصائل تابعة لـ الجيش الحر، هم "أسود الشرقية" بزعامة طلاس سلامة أبو فيصل، و "مغاوير الثورة" وهو تشكيل عسكري يعرف سابقا باسم جيش سورية الجديد بقيادة مهند الطلاع، تشكل أواخر عام 2016 بدعم من التحالف الدولي، وأهم أهدافه محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" وطرده من مناطق البادية ووادي الفرات.

 

ثم جيش العقيدات الجديد وهو فصيل مسلح شكله حديثا شيوخ آل الهفل من قبيلة العقيدات، ويضم أبناء عشائر العقيدات، وأخيرا قوات الشهيد أحمد عبدو المنتشرة في القلمون الشرقي وينتظر ترحيلها إلى الشمال السوري بعيد إنهاء ملف القلمون الشرقي.

تخضع هذه القوات للقيادة الأمريكية مباشرة، ومهمتها محصورة في محاربة "داعش"، ويبقى مستقبلها محصورا بالاستراتيجية الأمريكية، وليس معروفا إلى الآن مصير هذه القوى، خصوصا أن منطقة التنف ليس لها قيمة استراتيجية بحد ذاتها، وتنبع أهميتها في أنها بقعة جغرافية تتوسط بين الحضور الأمريكي في دير الزور والحضور في الجنوب السوري.

وفي جنوبي سوريا تضم الجبهة الجنوبية معظم فصائل الحر (درعا ـ القنيطرة) وتعتبر مظلة تضم حوالي 30000 مقاتل، وتشكل قيادة حقيقية تجمع مختلف الفصائل، سواء في قتال النظام أو في مواجهة لفصائل الإرهابية كالنصرة و "جيش خالد بن الوليد" و "حركة المثنى".

وفي نهاية 2016 أعلنت أربعة من أكبر الفصائل العسكرية التابعة للجيش الحر إقامة تحالف عسكري واحد باسم "جيش الثورة" (جيش اليرموك، المهاجرين والانصار، جيش المعتز بالله، الحسن بن علي).

من الصعوبة بمكان القضاء على هذه الفصائل عسكريا بسبب عديدها البشري وقدرتها على التحرك، حيث تسيطر على مساحات واسعة ومنفتحة على عكس الغوطة الشرقية

في الشهر الثاني من العام 2017 أعلنت ثمانية فصائل عسكرية تابعة لـ "الجيش السوري الحر" في محافظة درعا تشكيل قيادة عسكرية واحدة باسم "قوات الجنوب"، بقيادة العقيد الركن المنشق زياد الحريري.

توحي هذه الانشقاقات بوجود خلافات بين الفصائل مرتبطة بحسب بيانات التأسيس بالبعد السياسي / العسكري، أي الموقف من النظام، غير أن العامين الماضيين أثبتا التزاما كبيرا من فصائل الحر بالتعليمات الأمريكية ـ الأردنية.

ولم يمنع التراجع الحاد في الدعم المالي المقدم من واشنطن، الفصائل من الالتزام بالتعاون مع الولايات المتحدة والأردن، حيث تجد الأطراف الثلاثة نفسها مضطرة للتعاون فيما بينها كل لأسبابه.

ومن الصعب التكهن بمصير هذه الفصائل بمعزل عن مصير منطقة الجنوب، وتشير الرسالة الأمريكية للفصائل أثناء معركة الغوطة إلى أن واشنطن مستعدة لحمايتها إذا ما التزمت الفصائل بالتعليمات الأمريكية المتعلقة بعدم محاربة النظام.


لكن السؤال سيعاد ويطرح من جديد، ما مصير هذه الفصائل إذا ما شن المحور الروسي حربا في الجنوب؟

من الصعوبة بمكان القضاء على هذه الفصائل عسكريا بسبب عديدها البشري وقدرتها على التحرك، حيث تسيطر على مساحات واسعة ومنفتحة على عكس الغوطة الشرقية، ومهما كان مصير الجنوب، فإن فصائل الحر ستكون جزءا من المؤسسة العسكرية المعارضة التي بدأت معالمها في الشمال على يد الأتراك.

شهد الجيش الحر في مناطق الهيمنة التركية منذ العام الماضي مأسسة جديدة ستجعل منه ورقة عسكرية قوية يكون لها وزن في عملية التسوية المستقبلية.

في مناطق الهيمنة التركية (درع الفرات، غصن الزيتون، إدلب) يختلف الوضع، خصوصا عقب تشكيل "الجيش السوري الوطني" الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع التابعة للحكومة السورية المؤقتة عن تشكيله في 30 كانون الأول 2017، على إيرادات معابر ريف حلب الشمالي.

يتكون الجيش من نحو 30 مجموعة عسكرية من "الجيش الحر"، بعديد بشري يصل إلى نحو 22 ألف مقاتل يندرجون ضمن ثلاثة فيالق.

ويشكل "الجيش الوطني" إلى جانب "فيلق السلطان مراد" و "فيلق الجبهة الشامية" قيادة عسكرية موحدة تحت إشراف تركي، وكل فيلق من هذه الفيالق يضم ثلاث فرق، وثلاثة ألوية ضمن كل فرقة، إضافة إلى ضم كل لواء لثلاث كتائب من المقاتلين.

ومن شأن هذه الخطوة أن تنقل الجيش الحر والفصائل الإسلامية المعتدلة إلى مستوى أعلى من التنظيم، لكن عملية "غصن الزيتون" العسكرية كشفت المشاكل التي تعاني منها هذه القوى، إذ شاركت الفصائل في العملية العسكرية بأسمائها وليس تحت راية الفرق المنضوية تحتها.

بكل الأحوال، شهد الجيش الحر في مناطق الهيمنة التركية منذ العام الماضي مأسسة جديدة ستجعل منه ورقة عسكرية قوية يكون لها وزن في عملية التسوية المستقبلية.

 

وهذه خطوة تلقى تأييدا روسيا وأمريكيا مشتركا، حيث ترغب الدولتان بقاء الفصائل المسلحة تحت السيطرة التركية كل لأسبابه، بالنسبة لواشنطن لديها مشترك كبير مع التوجهات السياسية لتركيا والفصائل تجاه الحل السياسي، وبالنسبة لموسكو تفضل إبقاء الفصائل ضمن ترتيبات استانة.


                     

0
التعليقات (0)