قضايا وآراء

مهارات الهجرة في زمن الشتات

هاني بشر
1300x600
1300x600
تندلع حرب في هذا البلد أو ذاك في العالم العربي، بعدها تبدأ موجات الهجرة على استحياء قبل أن تصبح ظاهرة. طريق الهجرة وقت الأزمات ذو اتجاه واحد غالبا. يظل حلم العودة حاضرا، لكن الحقيقة أن السوريين - مثلا - الذين خرجوا بعد مذبحة حماة 1982 لم يعودوا إلى الآن، بعد أن دخلت سوريا في منعطفات أخرى. العراقيون أيضا الذين فروا بعد حرب الخليج 1990 كان يراودهم الحلم ذاته، ومعظمهم لم يستطع العودة لأسباب معروفة. الأمر ذاته ينطبق على اليمنيين، وربما المصريين والليبيين وغيرهم.

لا لوم على مشتاق يحن للعودة لأرضه، لكن الواقع يقول بأن كثيرا من خطط العودة قد لا تتحقق، على الأقل في المدى القصير. وهي حقيقة لا مجال لإنكارها ولكن هناك مجالا للتعامل معها. فالمهاجر العربي غالبا بين مطرقة شعور بالإنجاز، وربما الحسد؛ لأنه فر بجلده وسندان الاغتراب بكل ما يحمله من تحديات شخصية واجتماعية وثقافية، ويمنعه الحنين من الاستثمار الاجتماعي والسياسي، وأحيانا الاقتصادي، في البلد الذي يعيش فيه. وهي ثقافة تحتاج لأن ندركها كي نستطيع تغييرها؛ لأن لها انعكاسات شخصية وسياسية كبيرة.

في البداية، هناك خرافة روجتها الأنظمة السلطوية العربية بأن من ترك بلده وعاش في الخارج فهو منقوص الوطنية، وإذا تزوج بأجنبية فهو محروم من عدد من المناصب في قطاعات كثيرة في بلده، وهي خرافة سرت للعقل اللاواعي لدى الكثيرين، وأصبحوا يربطون بين حب الوطن وبين البقاء فيه. إنها معادلة غير موجودة في أي مكان محترم في العالم.

وأبسط مثال على ذلك أن المهاجرين العرب بشكل عام هم مصدر هام للدخل القومي لكثير من بلدانهم الأصلية، ولا يحصلون على أية محفزات أو مكافآت على دورهم الرائد في الاقتصاد القومي.

وبيت القصيد في حديثنا أن الأمر ليس متعلقا بالمساهمة الاقتصادية عن طريق التحويلات، ولكن بأمر آخر يتعلق بالدبلوماسية الناعمة والعلاقات الثقافية والحضارية. إن الهجرات العربية المتتابعة على مدار العقود الماضية لم تستطع أن تكون رافعة سياسية لكثير من مشاكل دولها. وهناك استثناء في هذا الأمر مع القضية الفلسطينية، إذ أن الفلسطينيين، مقارنة مع غيرهم من الجنسيات العربية، اكتسبوا خبرة في التعامل السياسي والاجتماعي في الدول المختلفة مكنتهم من تحقيق انتصارات للقضية الفلسطينية والتوعية بها في دول مختلفة.

حدثني صديق سوري قرر إنشاء منظمة للتوعية السياسية والاجتماعية للسوريين في بريطانيا؛ أنه يجد صعوبة كبيرة في جمع تبرعات لمنظمته. والسبب أن معظم رجال الأعمال العرب لديهم سخاء كبير حين يتعلق الأمر بإيصال مساعدات عينية وأدوية لسوريا، أما حين يتعلق الأمر بنشاط مثل هذه المنظمات، فإنهم لا يكونون متحمسين بما فيه الكفاية، مع العلم بأن لهذه المنظمات دور محوري ينعكس إيجابيا على حياة السوريين في الداخل والخارج بشكل أكبر من المساعدات العينية، وذلك عن طريق حشد الرأي العام الغربي والنواب والسياسيين لاستصدار قرارات في صالح السوريين. 

يكفي أن نعرف أن إيران تمتلك لوبي شعبيا من الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة مهمته الدفاع عن مصالح إيران، والأهم من ذلك، رعاية مصالح الأمريكيين من أصل إيراني. فمثلا، يعيش حول لوس أنجلوس عدد كبير من الإيرانيين استطاعوا أن يصلوا بإيراني أمريكي، هو جيمي دلشاد، إلى منصب عمدة بيفرلي هيلز في عام 2007، وقد أعيد انتخابه مرة أخرى في 2010.

إن مهارات العمل الاجتماعي عبر مؤسسات أهلية والعمل السياسي، من خلال أحزاب وجمعيات ضغط، شبه غائبة في معظم الدول العربية. وتحتاج كثير من الجاليات العربية في المهجر للعمل بسرعة لاكتساب هذه المهارات عن طريق دورات أو الشراكة مع مؤسسات محلية؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على مصالحها وبعض مكتسبات الغربة.
التعليقات (0)