مقالات مختارة

ماذا يقرأ العربي، أم كيف يقرأ ؟

موسى برهومة
1300x600
1300x600

الزائر معارض الكتب العربية، وآخرها معرض أبو ظبي للكتاب في دورته الثامنة والعشرين، يلاحظ إقبالاً على الشراء، يقابله عناوين جديدة بأغلفة أنيقة تتسابق دور النشر العربية على تقديمها للقارئ في مختلف المعارف. وقلما يخرج أحد الزوار خالي الوفاض من هذه التظاهرة السنوية التي يتم تنظيمها بحفاوة ظاهرة.

ويبعث في النفس الزهو والحبور، مشهدُ فئات اجتماعية من مختلف الأعمار يقلّبون الكتب، ويطالعون محتوياتها، أو يقرأون أغلفتها الخلفية، قبل أن يعزموا على شرائها، إلا إذا كان الواحد من هؤلاء يعرف جيداً الكاتب أو الكتاب، أو دار النشر، وما إلى ذلك من محفّزات تجعل اقتناء الكتاب عملية «مضمونة».

ويقدّر خبراء أنّ سوق الكتب في العالم العربي تبلغ بليون دولار، وهو رقم يزيد من التباس الأمر حول مدخلات القراءة ومخرجاتها. فلو افترضنا، على سبيل الجدل، أنّ الرقم المذكور يشير إلى عافية معرفية تستبطن أنّ العرب يقرأون بوفرة، كي لا نقول بغزارة، فإنّ مخرجات هذه القراءة يتعيّن أن تنعكس على السلوك والتفكير والمقاربات في الحياة والسياسة والاجتماع، وتحسين جودة العيش.

ولكنّ الناظر إلى أحوال العرب من الماء إلى الصحراء، لا يلحظ أنّ الكتب التي يبلغ سوقها بليون دولار، قد فعلت فعلها، أو تركت آثارها على العقلية العربية. ومن يزر أية مدينة عربية، ويتجول في شوارعها، ويستقل حافلاتها، أو يذهب للاستجمام على شواطئها وفي منتجعاتها، لا يلحظ، إلا نادراً، عربيّة أو عربياً يشغل وقته «الثمين» بقراءة كتاب، أو تصفّح مجلة، في أقل تقدير. السواد الأعظم منهم، مشغولون، إن كانوا مشغولين، في العبث بأجهزتهم الخليوية، أو في مشاهدة فيديوهات، أو الاستماع إلى الأغاني. وإن رغبوا في القراءة، فإنهم يلجأون إلى المواقع الخفيفة التي لم يُعرف عنها أي تميّز أو مصداقية أو خبرة في صناعة الأخبار الموثوق فيها وتداولها.

وهذا ينطبق على الكبار والصغار على حد سواء وعلى الإناث والذكور الذين تتوفر في حوزتهم خيارات كثيرة تشغلهم عن تقليب صفحات كتاب قد تستغرق قراءته يومين أو ثلاثة. فهؤلاء لا يطيقون صبراً على قراءة صفحة واحدة، فما بالك بكتاب قد يتعدى المائتي صفحة. إنهم أمر مرهق لا تقوى عليه لياقتهم المعرفية التي لم يجرِ إعدادها لتقبّل فعل القراءة كسلوك طبيعي يمكن تأديته بأقل جهد وبأكبر قدر من المتعة.

وقد اعتاد كاتب هذه السطور تكليف طلبته في الجامعة بقراءة كتب وتلخيصها ونقدها، كجزء من استحقاقات المساقات التي يدرّسها في الصحافة الإعلام. وصار معتاداً أو متوقِعاً أن يعترف له طالب، في العشرين من عمره، أنّ الكتاب الذي قرأه كان أولَّ كتاب في حياته!

سيسأل أحدهم، ربما، عن دور المدارس، والأسرة، والمجتمع، ووسائل الإعلام والتربية، وكذلك عن الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وجهات عدة، لا يحتل فعل القراءة أولوية في «أجندتها».

في ضوء ذلك، يمكن النظر إلى البليون دولار، التي تمثل حجم سوق الكتاب في العالم العربي، من عدة زوايا؛ الأولى أنّ العربي يقتني الكتب، ولا يقرأها على النحو الذي تستدعيه عمليات القراءة. والثانية أنّ العربي يقرأ الكتب ولا يفهمها، لأنّ الفهم يستبطن هضم المعارف وإعادة إنتاجها في الممارسة الحياتية، بحيث تكون مشاعلَ نور في عتمة طريق طويل. هذا ما تقتضيه القراءة الواعية التي تنشد التغيير والتنوير، وهذا ما هو مسطور في غالبية الكتب التي تستحق القراءة، إلا إذا كانت الكتب، التي يمثل سوقها البليون دولار، متخصصة في الشعوذة والأبراج وعذاب القبر وفنون الطبخ والتداوي بالأعشاب والرّقى والتعاويذ، أعاذنا الله من شرورها!

 

الحياة اللندنية
3
التعليقات (3)
اينشتاين
الثلاثاء، 01-05-2018 09:04 م
ماذا إذا قلت لك أن جل الكتب العربية ( مصدرها البلاد العربية ) فارغة من كل موضوع يستحق التأمل ، ناهيك عن وجود الفكرة أصلا ، ولك أن تختار كتابا وتقرأه صحبة طلابك بالجامعة بغرض البحث عن الفكرة ، كلمات وجمل لا يربطها رابط فكري ولا قاعدة من قواعد النظر والتأمل ، حاول وستتألم فعلا ، وإن دل على ذلك فإنما يدل على مستوى المثقف العربي ، أستاذ الجامعة عندنا يطبع أوراقه التي هي صورة طبق الأصل لأوراق السنوات الماضية ويطلب من طلابه اقتناء صورة طبق الأصل لمطبوعات تداولها طلاب السنوات الفارطة موجودة على مستوى المكتبات التي تبيع التبغ وأدوات أخرى ، بعدها يقوم الأستاذ بقراءة محتوى الأوراق على طلابه من دون أي نقاش أو سؤال ، وإذا ضاق الوقت ترك المهمة لطلابه ، بمجرد نهاية السنة الجامعية يتخلص الطالب من تلك الأوراق وكأنه يتخلص من حمل ثقيل أنهكه طول الوقت ، أستاذنا الكريم ، هل بعد هذا نجد دافعا واحدا يحفز الطالب على القراءة ويرتاح لذلك ؟ ما بالك بالآخرين الغارقين في وحل التيه والغفلة جراء سطوة الاستبداد الذي اجتهد في تعويم كل ما هو نظام ومنظومة .
محمد عبد الهادي
الثلاثاء، 01-05-2018 05:37 م
العربي لا يقرأ، نعم، في تسعينات القرن الماضي حالت بيني وبين مكتبي الخاصة ظروف، اضطررت لوجودها الى اقتناء الكتاب من المكتبات العمومية. اثناء بحثي بين رفوف احدى المكتبات وجدت كتابا عن ابن عربي ومكانته بين العقيدة والفلسفة. اقتنيت هذا الكتاب. عند تصفحه بالبيت وجدت كثيرا من أوراقه متلاصقة في صورة ملازم. استعنت بسكين لتحرير هذه الأوراق من التلاصق. ظننت أن تلاصق هذه الأوراق هو جراء قرب عهد هذا الكتاب برفوف المكتبة. ولكن كان الأمر صادما عندما وجدت بين صفحات هذا الكتاب خاتم الادارة المشرفة على المكتبات العمومية مصحوبا بتاريخ طرح هذا الكتاب للقراء ووضعه برفوف المكتبة. كان التاريخ هو سنة 1964. أي أن هذا الكتاب ظل برفوف المكتبة العمومية 30 سنة دون أن يفتحه قارئ ويحرر اوراقه من التلاصق ويقرؤه.!!!!!!!!!!!!!! بالمحصلة أن أمة اقرأ لا تريد ان تقرأ.
محمد كيموش
الثلاثاء، 01-05-2018 01:58 م
أولت : جل الكتب المقتناة من العرب هي تعالج مواضيع الفقرة الأخيرة من مقالك . ثانيا : نسبة معتبرة من المشترين تقتني الكتب لتزيين المكتبات المنزلية للتباهي . ثالثا : أنظر نسبة الأمية في الوطن العرلي و لاحظ مدى جودة التربية و التعليم في مجتمعاتنا المقهورة بالقمع و التجهيل و تزييف الوعي و الرداءة و الإستبداد و الفساد . ربابعا: لقد صدق عدونا حين قال عنا : العرب لا يقرأون ، و إذا قرأوا لا يفهمون ، وإذا فهموا لا يطبقزن ، و إذا طبقوا أخطأوا و حرفوا . القراءة فن و مهارة و عادة تكتسب عن طريق التربية و التعليم و ااتدريب بالمناهج و الوسائل و الطرق المناسبة و الفعالة من المهد ألى اللحد ، وهي معيار تقدم الأمم و تحضرها فشعب يقرأ يصعب استغلاله أو استعباده أو استعماره أو تزييف وعيه أو قهره و هضم حقوقه أو تزوير إرادته . شعب يقرأ يكون صىاحب السيادة الكاملة و النأسيسية في وطنه و هو دائما مصدر كل الساطات. فهل يرضى المستبدون بذلك؟!