صحافة دولية

ذا أتلانتك: هذه قصة مهاجر في معسكرات العمالة الوافدة

بعد قضاء إسحاق 10 أعوام في دبي فإنه يبدو مجهدا ولا يريد أن يكون نجما- أتلانتك
بعد قضاء إسحاق 10 أعوام في دبي فإنه يبدو مجهدا ولا يريد أن يكون نجما- أتلانتك

نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للكاتبة مانسي تشوسكي، تروي فيه قصة أحلام مهاجر نحو النجومية، لكن في معسكرات العمالة الوافدة.

 

وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن اسم المهاجر هو كولين إسحاق، وهو مسيحي من مدينة كراتشي في باكستان، حيث بدأ إسحاق مشواره الفني من خلال المسابقات الغنائية، التي كانت تعقدها شركات تحويل الأموال للعمال في الإمارات العربية المتحدة، واكتشف لاحقا أن النجومية لا تعوضه عن حياته البسيطة في وطنه، وقرر العودة إليه.

 

وتقول تشوسكي: "في شتاء عام 2008 سافر كولين إسحاق من باكستان إلى الإمارات العربية المتحدة؛ للعمل في مطار دبي الدولي، وانتقل للعيش في غرفة مشتركة في منطقة مخصصة للعمالة الوافدة، التي بنيت من أجل استيعاب موجات العاملين القادمين من جنوب آسيا، وكان معسكره يبعد عن دبي، إلى درجة أن برج خليفة، الذي يعد أطول بناية في العالم، كان يبدو مثل نجمة بعيدة، وكان مكانا يقتل الروح، ويعرف الجميع أن أحلامه تبخرت". 

 

وتستدرك الكاتبة بأن "إسحاق جرب حظه في واحدة من النزوات الليلية، وشارك بأغنية بوليوودية في مسابقة تعرف باسم (بطل المعسكر) أو (كامب كا تشامب)، وهي مناسبة تنظمها شركة تحويل الأموال كل عام، خاصة أن معظم تجارتها تعتمد على العمال الآسيويين في مجال البناء، والسائقين والطباخين والمنظفين، الذين يعتمدون على خدماتها لإرسال أموال إلى عائلاتهم، فبعد شهر رمضان من كل عام تنتقل المسابقة من معسكر إلى آخر مثل كرنفال متنقل، وعادة ما يحاول العمال الحصول على مكان في المسابقة، من خلال مقابلة لجنة التحكيم، وفي ذلك العام فاز إسحاق بمكان فيها من أول محاولة".

 

وتلفت تشوسكي إلى أنه في عام 2015 عندما التقت بإسحاق، كان قد أصبح نجما صغيرا، حيث اختير بعد فوزه عام 2008، ووصل إلى المرحلة النهائية في عام 2012، وقرر الخروج من المعسكر، حيث سكن في شقة في المدينة، وبدأ مسيرته الغنائية. 

 

وتقول الكاتبة إنها راقبت زملاء إسحاق في ليلة المسابقة وهم يحملونه ويرمونه في الهواء، حيث بدت قدماه تسبح في الجو، فقد انتهى من مواجهته في المسابقة ما قبل النهائية المغني الباكستاني عاطف أسلم بأغنية من فيلم بوليوود "ريس2"، وكان إسحاق راضيا بما حققه "عندما تصبح نجما يحدث شيئا ما في رأسك.. عليك أن تشكر الله". 

 

وتنوه تشوسكي إلى أن "إسحاق كان في سن الـ 26 عاما، بوجه صبي صغير، حيث شارك في الأشهر السابقة في برنامج تلفزيوني اسمه (آسيا سينغنغ سوبر ستار) على غرار (أمريكان أيدول)، وبدأ الغناء بشكل مستقل، وكان المغني الرئيسي في فرقة (فايف فوكالز)، التي شكلها مع أربعة من زملائه، وقبل ذلك بأشهر تزوج من فتاة باكستانية اسمها كرمل، يقول إنه (زواج حب رتبته عائلته)، وتناول العشاء في مطاعم المدينة، وأنفق المال على مظهره، وعاش حياته بتفاؤل المتهور، وكأن الشهرة والحظ هما تطبيق يمكنه تحميلهما في حال حصوله على (واي فاي)". 

 

وتفيد الكاتبة بأن "إسحاق لم يترك وظيفته في العمل لمدة 12 ساعة في المطار، حيث كان يشرف على تفريغ أمتعة المسافرين، بل كان يحضر نفسه لانطلاقة، فكلما علم أن من بين المسافرين على الطائرة نجما، لاعب كريكيت، سياسيا فإنه يقدم نفسه ويتحدث للناس بصبر وحب، ويوقع الأتوغراف ويبتسم للصور، وكان إسحاق يفعل الأمر ذاته مع زملائه في المعسكر، مع أنه كان يعلم أن بعضهم يحسده، وينتظر انتهاء حظه، وكان يعلم هذا خاصة أنه يمثل حراكا اجتماعيا يشكل مصدر إلهام وأحيانا مصدر استفزاز، فعلى خلاف العمال الذين جاءوا للخليج للعمل وبناء حياتهم عندما يعودون إلى بلادهم، فإن إسحاق أظهر الجرأة في عدم الانتظار، ومحاولة بناء حياته هنا، فمسيرته الغنائية دفعته من معسكر إلى عالم لا يحلم بمشاهدته بقية العمال إلا من خلال نوافذ الحافلات التي تنقلهم من العمل إلى معسكراتهم". 

 

وتقول تشوسكي إنها ظلت تتواصل مع إسحاق من خلال "فيسبوك ماسينجر" وتضيف: "عندما عدت إلى دبي في الخريف الماضي، كتبت له لمعرفة ماذا يفعل، فأخبرني أن فرقته انفصلت، وبدأ يغني في السفن بعد دوريته في المطار، وأرسل مجموعة من الصور للسفينة المضاءة بأنوار سحرية، وبوفيه مفتوح للزبائن، وبعد ثلاثة أشهر، حيث كنت أنتظر دعوته لزيارة السفينة وصلتني رسالة هاتفية منه تقول: (لقد تركت السفينة الشهر الماضي واستقلت من الشركة.. أريد العودة إلى وطني)".

 

وتشير الكاتبة إلى أنه "في عام 1966، عندما اكتشف النفط في مياه دبي، فإن هذا الأمر حول من حظوظ المدينة الصحراوية إلى ميغا سيتي، وكأن حكام المدينة يلعبون لعبة بناء المدينة (سيم سيتي)، لكن في الواقع، كما وصف ذلك كل من غريغ ليندزي وجون دي كاسردا في كتابهما (إيروتروبوليس: الحياة التي نعيشها في القادم)، واليوم في دبي أطول بناية في العالم، وأرخبيل اصطناعي على شكل نخلة، وعدد لا يحصى من الفنادق الراقية ومراكز التسوق والعمارات السكنية والمكاتب".

 

وتلفت تشوسكي إلى أن "الإمارات العربية المتحدة أعلنت في عام 1971 عن نظام الكفالة، الذي يربط تأشيرة العامل ووضعه الاجتماعي بشركة محلية تكفله، وتحتفظ بحق منعه من الانتقال إلى شركة أخرى، وفي عام 2006 انتقدت منظمات حقوق الإنسان نظام الكفالة المعمول به في دول الخليج، قائلة إنه يجعل العمال عرضة للاستغلال، وردت الحكومة الإماراتية بالتعهد بتشريع قوانين تحمي العمالة".

 

وتذكر الكاتبة أنه في عام 2011 صدرت مراسم أميرية لتحسين أوضاع العمالة، والسماح للعامل بالانتقال إلى وظيفة جديدة دون موافقة كفيله الأول، وفي عام 2016 صدرت ثلاثة أوامر أخرى، فرقت بين الكفالة والعمل، وإصدار عقود عمل بشروط جديدة، مشيرة إلى أن "هذه القوانين منحت العمالة من الناحية النظرية حرية أكبر، لكن الكثيرين منهم لا يعلمون بهذه التغيرات، فتدفق العمالة من جنوب آسيا الباحثة عن رواتب أضعاف ما يحصلون عليه في بلادهم كان كبيرا، لدرجة أنهم يشكلون أكثر من نصف سكان الإمارات، ونظرا لأن القادمين هم من الرجال، فإن عددهم أضعاف النساء بنسبة امرأة لكل ثلاثة رجال".

 

وتقول تشوسكي إن "الثقافة في معسكرات العمالة تركز على البقاء، فهناك الكثير من الأمور التي تشغل بال العمال، من دفع الديون، إلى دفع رسوم المدارس للأطفال، والحصول على العناية الصحية، وتوفير سبل المعيشة، فلا مكان لألاعيب الساسة الغامضة في ثقافة العمال، وكما قال العامل محمد ظفر من بيهار في جنوب الهند: (تصل وتعمل وتحصل على المال ثم تعود إلى الوطن)".

 

وتفيد الكاتبة بأن "إسحاق نشأ في عائلة متوسطة في مدينة كراتشي، كانت تعيش في بيت من ثلاث غرف مع والديه وشقيقه وشقيقته، وكان بيتهم عامرا دائما بالضيوف من أقاربه، وقضى وقته وهو صغير يلعب الكريكيت، أو لعبة غنائية تعرف بأنتكشاري، وكان والده المدير في شركة للنفط مرحا، أما والدته فإنها كانت مهتمة بالأطفال وضبطهم، والتعبير عن الحب من خلال تحضير البرغر والشطائر لهم". 

 

وتورد تشوسكي أن "إسحاق عمل بعد الثانوية في إدخال البيانات الانتخابية المحلية، وترجمة الأصوات من السندية إلى الإنجليزية، وبعد عام عمل مديرا لمركز اتصالات لشركة تتبع سيارات، لكن إسحاق أصبح يختلط بمن يراهم والده الرفقة السيئة، وفي ليلة من عام 2008 سمع والده بأن شركة (دلسكو)، التي تبحث عن موظفين في دبي، تجري مقابلات في مدينة روالبندي، وبعد أسابيع كان إسحاق في طائرة متجهة إلى دبي للعمل في المطار، وكان عمره آنذاك 19 عاما".

 

وتبين الكاتبة أنه "عندما هبطت الطائرة في دبي ظن إسحاق أنها مثل كراتشي, التي يطلق عليها في باكستان مدينة النور, كانت دبي مستيقظة, لكن عندما وقفت الحافلة أمام معسكر للعمالة انقبضت معدة إسحاق، حيث يقول: (لم أشاهد حياة مثل هذه)، كان المخيم عبارة عن بنايات متوسطة الارتفاع، وكانت الغرف مزدحمة بالأسرة متعددة الطبقات، وتشارك العمال في المطابخ والحمامات، وانتقل إسحاق للعيش في غرفة مع ستة أشخاص من باكستان، وطبخوا طعامهم معا، وتبادلوا حكاياتهم وتجاربهم، وفي الأسابيع الأولى من صوله كانوا يزورون مراكز التسوق، ويقضون يوم الجمعة على الشاطئ، ويبحثون عن النوادي الليلية، وبعد ذلك منعهم جدول العمل من الاستمتاع بهذا كله، فيقول إسحاق: (كنا نذهب إلى العمل في الحافلات، ونعود إلى المعسكرات بالحافلات، ولم يكن هناك وقت للاستمتاع بحياة دبي)".

 

وتنوه تشوسكي إلى أنه "بعد شهر حضر تنوير شقيق إسحاق، الذي لم يطق الحياة في المعسكر، وكان يبكي أثناء كلامه، (واتصل بأبي وهو يبكي.. وقال: لا أريد أن أعمل هنا، أفتقد والدتي، أريد العودة)، وعندها أمرهما الوالد بالعودة، لكن تنوير هو الذي عاد، فيما قرر إسحاق البقاء، قائلا: (هناك شيء في داخلي قال لي: لا، أريد أن أحقق شيئا في نفسي)". 

 

وتذكر الكاتبة أنه "في الأشهر التي تلت ذلك لم يفوت إسحاق فرصة للحصول على مال إضافي، إما بالعمل ساعات أطول أو الغناء، وفي أقل من عام وفر ما يكفي لأن يستأجر شقة من غرفتين مع ستة من زملائه، حيث أصبحت مكانا للتدرب لفرقة (فايف فوكالز)، وكان إسحاق يبدا بغناء (موحبت برسا دي نا تو)، ويستمع الآخرون له، وبعد فترة بدأت الفرقة تتلقى دعوات للغناء في مسرح من 1600 مقعد، وأخذوا يحيون حفلات في الإمارات الأخرى، وبدا أن إسحاق يشق طريقه في مجتمع كان مستحيلا على الآخرين، لكن بعد ستة أشهر بدأت الخلافات داخل الفرقة، حيث اتهمه أعضاؤها بأنه يخطف الأضواء، ويقول إسحاق: (لقد انفصلنا لأن كل واحد يريد أن يكون في المقدمة)".

 

وتبين تشوسكي أن "الفرقة تفككت، وسافر تنوير إلى باكستان، ولم تكن تأشيرة إسحاق تسمح له بإحضار أفراد عائلته، ولهذا كانت زوجته كرمل تزوره عددا من المرات كل سنة، وبتأشيرة سياحة، وقرر إسحاق التركيز على نفسه، والتدرب من خلال تطبيق (كاريوكي)، وتحميل فيديوهات من (يوتيوب)، لكنه توصل إلى نتيجة أنه لن يستطيع الحصول على احترام بصفته مغنيا محترفا، كولين إسحاق المغني العامل المهاجر كان في نظر الناس نكتة ليس أكثر، وعاما بعد عام كان منظمو (بطل المعسكر) يدعونه للغناء، ومن ثم يرسلونه إلى بيته بأجرة سيارة، وقال لهم: "إن تدفعوا لي سأغني، لكنهم أعطوني ساعة Tissot، ولو كنت أريد ساعة لذهبت واشتريتها بنفسي)".

 

والتقت الكاتبة بكولين قبل سفره، وكان مشغولا بحفلات وداع في المعسكر، وقال إنه حصل على وظيفة في مطار كراتشي، لكنه يشعر بالمرارة والإهانة كلما ذكر بأنه عمل في المعسكر، وكان من العمالة اليدوية. 

 

وتختم تشوسكي مقالها بالقول إنه "بعد قضاء إسحاق عشرة أعوام في دبي، فإنه يبدو مجهدا، ويقول: (لا أريد أن أكون نجما أبدا، وكل ما أريده من الحياة هو أن أكون مع عائلتي، لقد غيرت رأيي)".

التعليقات (0)