كتاب عربي 21

انسحاب أمريكا من العراق ووهم انتهاء داعش

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
أعلنت واشنطن "انتهاء العمليات الأساسية في العراق". وقام القادة العسكريون الأمريكيون يوم الاثنين بنقل المناطق التي يسيطرون عليها إلى القوات العراقية. هذا لا يعني أن جميع القوات ستعود إلى الولايات المتحدة، إذ عندما سئل وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس عن حجم القوات يوم الاثنين، قال إن أعداد القوات يتم تعديلها للتأكد من أن القوة "مناسبة لمهمتها الحالية". وستتحول هذه المهمة "من دعم وتمكين العمليات القتالية إلى تدريب وتطوير قدرات أمنية عراقية ذات اكتفاء ذاتي"، حسب بيان التحالف.

ويعني هذا التحرك أن القوات التي تم نشرها مؤخرا في المنطقة، مثل مقر الفرقة الجبلية العاشر الذي وصل في آذار/ مارس، ستستمر في مهمة "التدريب وتقديم المشورة والمساعدة". الخلاصة أن البنتاغون سينهي العمليات القتالية الرئيسية ضد الدولة الإسلامية في البلاد، لكنه يسعى للحفاظ على وجود طويل الأمد هناك لمنع تنظيم الدولة من إعادة التجمع.

يبقى أن هذا القرار واجه انتقادات متعددة الأسباب. الحقيقة أن داعش لم ينته، وأن هذا الإعلان يبدو استعراضيا أكثر من أي شيء آخر. في الأسابيع الأخيرة فقط، نقل موقع "عربي21": "جدد مقاتلو تنظيم الدولة البيعة لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، فيما يعتقد أنه أول تعهد علني بالولاء له منذ انهارت ما تسمى بـ"دولة الخلافة" في سوريا والعراق العام الماضي. وقال مقاتلو التنظيم في بيان نشروه على (حسابات) للتواصل الاجتماعي تابعة للتنظيم: إغاظة للكفار وإرهابا لهم، نجدد بيعتنا لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين الشيخ المجاهد أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي حفظه الله".

وقد أدى انفجار بعبوة ناسفة شمال العراق منذ أسبوعين "لمقتل 16 شخصا على الأقل؛ كانوا يشاركون في تشييع مقاتلين عراقيين مناهضبن لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وفق ما أفاد مسؤول محلي في شمال العراق".

المسألة تتجاوز داعش إلى طيف "جهادي" واسع لايزال بصدد التأقلم. ومثلما أشار المحلل الإسرائيلي زفي مازل في "الجيروزاليم بوست" منذ أيام قليلة: هل هي حقا نهاية داعش؟". يضيف مازل: "ربما لا تكون نهاية حلم استعادة الخلافة، بل مجرد نكسة أخرى لتطبيق المخطط الكبير. وأفادت مصادر عربية في كانون الأول/ ديسمبر بأن فتح الشام (المعروفة سابقا باسم "النصرة")، وهي فرع لـ"القاعدة" في سوريا، متحصنة في منطقة إدلب المتاخمة للمنطقة العلوية، تحاول أن تتحد مع أحرار الشام، وهو تنظيم إسلامي قوي مدعوم بالمال السعودي. وستكون النتيجة "منظمة سورية إسلامية" ترحب بجماعات جهادية أخرى تحاول اختراق منطقة الأسد العلوية، وهو مشروع طموح بالنظر إلى الدعم الروسي للزعيم السوري. بعبارة أخرى، مع اختفاء الدولة الإسلامية ككيان جغرافي، ستتم إقامة تحالفات جديدة للحفاظ على الكفاح من أجل نظام إسلامي، من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل التي قد تكون مفاجئة".

العسكري الأمريكي المتقاعد أنتوني كوردسمان، وهو كبير الباحثين في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" في واشنطن، قال إن الإدارة الحالية بصدد "اتخاذ جميع الخطوات الخاطئة في سوريا والعراق ومكافحة الإرهاب". وأشار في ورقة نشرها بداية شهر نيسان/ أبريل إلى أن "الرئيس اتخذ القرار الصحيح في تأخير الانسحاب من سوريا، لكنه يحتاج إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك. هناك حرص للحد من دور الولايات المتحدة في سوريا. ليس لدى الولايات المتحدة سبب لتقديم المعونة للأسد في إعادة بناء سلطته في سوريا، ولا يوجد سبب لعدم وضع العبء الكامل على تمويل نظام الأسد على إيران وروسيا. يمكن أن يكون هذا النوع من الضغط جزءا أساسيا في تشكيل نوع ما من الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع الأجزاء الكبيرة من سوريا، التي أصبحت الآن تحت سيطرة دكتاتور فاشل".

لكنه يضيف فيما يخص التعاون الأمريكي العراقي في العراق، "إنهم سيقللون من التكاليف المستقبلية في العملية من خلال بناء القوات الشريكة العراقية التي يمكنها تحطيم وتفكيك ودحر في نهاية المطاف داعش... هذه الأموال تذهب إلى توفير قدرات إضافية لتأمين التضاريس الرئيسية للمقاطعات الخمس المحررة وشعوبها والحدود الغربية مع سوريا والبنية التحتية الحيوية. وسوف يدعمون خمس كتائب لحرس الحدود، و20 وحدة استجابة للطوارئ في المحافظات، وست كتائب لشرطة الطاقة".

يواصل كوردسمان: "بالنسبة لعمليات مكافحة الإرهاب، ستقوم ألوية حرس وزارة الدفاع العراقية بإعفاء دائرة مكافحة الإرهاب من دورها الحالي كقوة مشاة على مستوى النخبة، مما يسمح لها بالعودة إلى دورها الأساسي في الاستهداف القائم على الضمانات. القدرات الحرجة لإعادة ضبط قوة مكافحة الإرهاب تتكون من ثلاث كتائب من لواء الحارس، ودورات تدريبية متخصصة. بالإضافة إلى ذلك، قد تتطلب التحديات المالية مساعدة من التحالف فيما يتعلق بالاستمرارية والدعم المالي؛ لضمان سلامة قوات الأمن العراقية وقدرتها على الحفاظ على القدرات التشغيلية".

هذه المنهجية التي تقوم على التعويل على قوات طائفية أساسا (الحشد الشعبي) تعني المراهنة الأمريكية على الانقسام والتناحر الطائفي للسيطرة على الوضع في الأنبار، وهي استراتيجية قديمة أثبتت فشلها وتكرارها الآن لن يغير في الأمر شيئا، بل ستوفر الأرضية لعودة داعش، إذ الأخيرة تغذت وستتغذى دائما كمشروع سياسي ومسلح من الطائفية، والدولة السلفية الجهادية كحل وحيد لتجنب السيطرة الطائفية الشيعية.
التعليقات (0)