مقالات مختارة

بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين

ليونيد بيرشيدسكي
1300x600
1300x600

بدا الرئيس دونالد ترامب عاقد العزم على مواجهة الحلفاء الأوروبيين لأمريكا بخصوص كل قضية ذات أهمية، بدءا من التجارة، مرورا بالتغيرات المناخية، وصولا إلى الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران. ومع تنامي القلق في أوساط السياسيين والرأي العام على هذا الجانب من المحيط الأطلسي، حري بنا أن نتساءل حول ما إذا كان ترامب يرغب في وجود حلفاء بجواره من الأساس.

في أعقاب الزيارتين الناجحتين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لواشنطن، مؤخرا منح ترامب أوروبا إعفاء لمدة شهر آخر من التعريفات العقابية على الحديد الصلب والألمونيوم. وينتظر ترامب من دول الاتحاد الأوروبي الموافقة، بدلا من ذلك، على حصص تصديرية. ولا أحد يدري على وجه التحديد السبب وراء رغبة إدارة ترامب في هذا الأمر، خصوصا أن التعريفات سوف تحقق على الأقل بعض العائدات للولايات المتحدة، بينما من المحتمل أن تسفر الحصص فقط عن بعض الأرباح غير الطبيعية للمصدرين، نظرا لأنها ستدفع الأسعار حتما نحو الارتفاع. بيد أنه بغض النظر عن التعريفات أو الحصص؛ فمن الواضح أن القيادات الأوروبية عاجزة عن فهم المسار الذي ينتهجه ترامب.

من ناحية أخرى، ثمة احتمالية -أكَّدها ماكرون في أعقاب محادثاته مع ترامب- لأن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وتعيد فرض عقوبات على إيران. ومن الواضح أن العرض الذي قدَّمَه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يرمي لتعزيز عزم ترامب على اتخاذ هذه الخطوة.

وعلى ما يبدو، فإن الأسلوب القوي الذي طرح به نتنياهو فكرة لا تتفق معها بالضرورة البيانات المتوافرة (المواد التي حصلت عليها الاستخبارات الإسرائيلية فيما يخص الخطط الإيرانية للتسليح منذ ما قبل إبرام الاتفاق) راق لترامب أكثر من الحجج المنطقية التي طرحها الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، أو التذكير الذي أصدرته المسؤولة الدبلوماسية الأولى لدى الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بخصوص أن طهران تقيدت بالتزاماتها المبرمة عام 2015.

وكان من شأن لغة الجسد المفرطة في الحميمية التي استخدمها ترامب على نحو أثار السخرية مع ماكرون ورفع الكلفة على نحو يثير الغضب في تعامله مع ميركل، البعث برسالة واحدة مفادها: «أعطوني ما أريد، أو لا تكبدوا أنفسكم مشقة الزيارة». ولا بد أن الخيار الثاني سيشكل تطورا مخيفا بالنسبة للسياسيين الأوروبيين الذين لطالما ثَمّنوا التحالف عبر الأطلسي منذ أواخر أربعينات القرن الماضي. ومع هذا، تظل الحقيقة أن وجهة نظر الرأي العام الأوروبي ربما تختلف عن نظرة القيادات في هذا الشأن.

جدير بالذكر أن معدلات النظرة الإيجابية تجاه الولايات المتحدة (كبلد، وليس إدارة) تبلغ 46 في المائة داخل فرنسا و35 في المائة بألمانيا، تبعا لما أفاد به مركز «بيو» للأبحاث. ويُعتَبَر هذا المستوى الأدنى منذ عام 2008، عندما كانت سمعة الولايات المتحدة لا تزال تعاني بسبب غزو العراق، بينما كانت سحب الأزمة المالية تتكون في الأفق.

في مارس (آذار)، نشر مركز «بيو» استطلاعا للرأي في أوساط قادة الفكر الأوروبيين والأمريكيين (كان معظمهم خبراء بمجال السياسات الخارجية) كشف اعتقاد الأوروبيين أن ترامب من المحتمل بقدر بوتين، وأدنى احتمالا بكثير عن ميركل وماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أو حتى الزعيم الصيني شي جينبينغ، لأن يفعل الأمر الصائب على صعيد الشؤون العالمية.

ويعتقد غالبية هؤلاء الخبراء (أمريكيين وأوروبيين على حد سواء) أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا تتردى على جميع الأصعدة.

ومع أن أوروبا قد تكون مدينة بأمنها للولايات المتحدة، فإن معظم الأوروبيين ينظرون إلى الأمن باعتباره مشكلة شرطية، وليس جيوسياسية. وعليه، من الصعب أن يشرح لهم أحد طبيعة التهديدات التي تساعد الولايات المتحدة في تجنيبهم إياها.

وإذا كانت سياسة «أمريكا أولا» التي استعرضها ترامب بكل قوة خلال المؤتمر الصحافي المشترك بينه وبين ميركل، نابعة من اعتبارات داخلية، فإن توجيه النقد إلى الولايات المتحدة من الممكن أن يكون على الدرجة ذاتها من الشعبية داخل أوروبا، ويحقق مكاسب سياسية لصاحبه.

والواضح أن ميركل وماكرون تعرَّضا للعقاب لعدم إقدامهما على استخدام هذه البطاقة في حملاتهما الانتخابية الأخيرة.

ومن بين الأمثلة التي تكشف مدى سهولة استخدام هذه البطاقة، المقابلة التي أجرتها قناة «زد دي إف» الإخبارية الألمانية مؤخرا، مع غونتر أوتينغر، المفوض المعني بشؤون الموازنة داخل الاتحاد الأوروبي والحليف السياسي لميركل. خلال المقابلة، قال أوتينغر: «نحن نستورد سراويل (الجينز) من الولايات المتحدة، لكن هناك منتجات أوروبية أكثر تجذب الأمريكيين»، وأضاف: «إنهم متقدمون علينا في قطاع واحد - القطاع الرقمي، وشبكات التواصل الاجتماعي والبيانات. أما فيما يخص الصناعة الحقيقية، فليس هناك سوى القليل من المنتجات الأمريكية التي تجذب الأوروبيين».

في الواقع، هذا الشعور بالكبرياء الاقتصادية التي تحمل بعض الوجاهة، بالنظر إلى أن أوروبا تحقق فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة على مستوى جميع السلع الصناعية، وكذلك الغذاء، من السهل أن يرتبط بتوجيه النقد إلى السياسات الخارجية الأمريكية، خصوصا إذا ما تسبب ترامب في تدمير الاتفاق الإيراني.

وسيصبح من السهل ربط أي تنام في حالة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بزيادة معدلات الهجرة إلى أوروبا، رغم أنه حتى هذه اللحظة لا يقدم على هذا الربط سوى أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار.

قد تتركز أنظار ترامب على الوفاء بوعوده للناخبين في الداخل، لكن لو كانت لديه سياسة خارجية واعية بحق، لكان أدرك أن مسألة رهانه على أن الأوروبيين، على الأقل العناصر المعتدلة منهم (مثل ميركل وماكرون الجديرين بالاعتماد عليهما)، الذين سيتجرعون إهانة بعد أخرى، ويستمرون في دعمهم للولايات المتحدة، ينطوي على مخاطرة كبيرة.

الشرق الأوسط اللندنية

1
التعليقات (1)
اينشتاين
الأحد، 06-05-2018 11:20 م
السياسة الأمريكية الخارجية الحالية صارت رهينة التوجه الصهيوني أكثر من أي وقت مضى أما أوربا فلا يمكن أن تخالف الأمريكيين والإسرائيليين بهذا الخصوص ، الرؤية الاستعمارية هي العامل المشترك القائم بين أمريكا وأوربا إلى اليوم ، وخصوصا إذا تعلق الأمر بالعالم العربي والإسلامي ، كلام آخر مجرد تبرير .