مقالات مختارة

منظمة التحرير وضرورة الإصلاح

محمد عايش
1300x600
1300x600

أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، الذين اجتمعوا في رام الله الأسبوع الماضي، أغلبهم قد تجاوز الستين أو السبعين من عمره،. أما المشاركون في مسيرات العودة في قطاع غزة، فأغلبهم من مواليد الألفية الجديدة، ممن لم يتجاوزوا العشرين عاما.. ثمة مفارقة يتوجب التوقف عندها.

تزداد الهوة بين النخبة السياسية والشارع في فلسطين يوما بعد آخر، كما أن حالة الجمود السياسي التي يعيشها الفلسطينيون منذ وفاة الرئيس ياسر عرفات، تسببت هي الأخرى بحالة إحباط غير مسبوقة، إضافة إلى أن الانقسام الفلسطيني تسبب بشلل كبير لكل مناحي الحياة السياسية والنضال الوطني في فلسطين.

الجيل الجديد من الفلسطينيين ممن يشاركون في مسيرات العودة، أغلبهم لم يشهدوا الانتفاضة الأولى ولا الثانية، ولا اتفاق أوسلو، ولا نشوء السلطة الفلسطينية، ولا موجة عمليات المقاومة لحركتي فتح وحماس، وهؤلاء يرفعون رايات المطالبة بالعودة إلى منازل أجدادهم وأراضيهم، التي سلبهم إياها الاحتلال، والتي نص القرار الأممي رقم 194 على إعادتهم لها.. هذا معناه باختصار أننا أمام جيل جديد يرفض الواقع الراهن بكل تفاصيله ويُصر على العودة إلى الجذور.

نحن إذن أمام جيل قديم من المناضلين الفلسطينيين اجتمعوا في رام الله الأسبوع الماضي، وهم على فضلهم وقاماتهم العظيمة، إلا أنهم من كبار السن الذين بلغوا من العُمر عتيا، بينما ثمة جيل جديد ينتفض على حدود قطاع غزة أسبوعيا في «مسيرات العودة الكبرى» لا يزال غير ممثل في المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يُفترض أنه البرلمان الأعلى للشعب الفلسطيني في كل أنحاء الأرض. اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني والنتائج المتواضعة التي خرج بها، والتي كانت دون المطلوب شعبيا بكل تأكيد، يعيد فتح الملف القديم الجديد المتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وضرورة إصلاحها، خاصة مع حالة الجمود الراهنة التي تُذكر بمرحلة السنوات العجاف خلال الفترة من 1948 إلى 1965 عندما كانت المنظمة مجرد «ديكور» وكانت الأنظمة العربية – أو بعض الأنظمة – تريد استخدامها بطريقة ما.. حينها ظهرت حركة فتح التي قلبت كل الموازين وغيَّرت المعادلة. المطلوب اليوم إجراء عملية إصلاح شاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تعيد لها اعتبارها ووجودها وكيانها، وعملية الإصلاح يتوجب أن تشتمل على ما يلي من دون الاقتصار عليه:

أولا: إجراء انتخابات شاملة في الداخل والخارج للمجلس الوطني الفلسطيني، ليعود مجلسا ممثلا للجميع، وفوق كل المجالس، إذ ليس معقولا أن يكون ثمة جيلٌ كاملٌ من الثوار المرابطين اليوم على قطاع غزة، غير ممثلين في هذا المجلس، وصوتهم غير مسموع فيه. وليس من المعقول أيضا أن تكون ثمة تكتلات فلسطينية بأكملها في دول وقارات غير ممثلة في المجلس، إذ أن هذا القصور يؤدي في نهاية المطاف إلى التقليل من أهمية المجلس ودوره وقدرته على الحركة.

ثانيا: يتوجب البدء فورا بالبحث في انضمام كل القوى الفلسطينية إلى منظمة، فليس من المعقول أيضا أن تكون حركة حماس خارج إطار المنظمة، بينما ممثلوها في المجلس التشريعي هم أعضاء بالضرورة وبحكم القانون في المجلس الوطني. يجب ألا يكون مقبولا انعقاد المجلس الوطني من دون وجود حركتي حماس والجهاد، ومن دون تمثيل كافة الفصائل فيه.. وفي المقابل ليس معقولا لحركة حماس أن تقبل بالمشاركة في السلطة الفلسطينية التي نتجت في الداخل عن اتفاق أوسلو، بينما لا تقبل المشاركة في منظمة التحرير، التي هي اليوم نتيجة عقود من نضالات الشعب الفلسطيني ونتيجة دماء سالت من أبنائه.

ثالثا: إصلاح منظمة التحرير يجب أن يمر عبر بوابة المصالحة، إذ لا يوجد أي فلسطيني إلا ويدرك أنَّ الانقسام الداخلي هو الذي يُعطل الحياة السياسية، أو أنه أحد أهم أسبابها، كما أن الأوضاع المعيشية تتفاقم سوءا بسبب هذا الانقسام، ولذلك فإن المصالحة مطلب وطني جماعي، ويتوجب ممارسة كل الضغوط الممكنة على النخبة السياسية من أجل أن تعود إلى صوابها وتتحد في ما بينها.

منظمة التحرير هي واحدة من المؤسسات التاريخية للشعب الفلسطيني، وهي أهم من السلطة الفلسطينية التي نشأت في الداخل عام 1994، ومؤسساتها أهم من مؤسسات السلطة، لأنها ببساطة هيئة نضالية تجمع الفلسطينيين على هدف واحد، وهو تخليصهم من الاحتلال، أما السلطة فهي إدارة مرحلية لشؤون الفلسطينيين في الداخل، وكانت في السابق أملا لبعض الفلسطينيين بأن تكون خطوة باتجاه بناء الدولة. تحتاج المنظمة تبعا لذلك إلى إصلاح وعملية إعادة بناء شاملة، وهذا ما لمسناه جليا في اجتماعات المجلس الوطني الأخيرة في مدينة رام الله، فليس معقولا ولا مقبولا أن تنتهي اجتماعاته بنتائج أشبه بـ»لا شيء»، وأن تظل قوى وفصائل رئيسية مهمة خارج إطاره ولا تشارك في اجتماعاته.

القدس العربي

0
التعليقات (0)