قضايا وآراء

هل تقع مواجهة إسرائلية إيرانية في سوريا؟

ماجد عزام
1300x600
1300x600
اعترف ضابط إسرائيلي كبير الاثنين لصحيفة نيويورك تايمز (16 نيسان/ أبريل)، ولأول مرة، بمسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن قصف مطار "تي فور" بحمص (9 نيسان/ أبريل)، أو بالأحرى القاعدة أو الجزء الإيراني منه الذي يضم جزءا آخر تابعا للاحتلال الروسي، وثالث تابع أو مجرد واجهة للنظام، علما أن هذا الاعتراف يكاد يكون غير مسبوق، وهو الأول في مسيرة ضربات وعمليات الاحتلال الإسرائيلي في سوريا.

الاعتراف اللافت وغير المسبوق، وإن لم يكن رسميا وعلنيا، جاء في الحقيقة ردّا على إعلان لافت مفاجئ ورسمي أيضا للاحتلال الروسي وللمرة الأولى عن قصف الاحتلال الإسرائيلي لقاعدة للاحتلال الإيراني في المطار، وهو الأمر الذي اضطر كذلك القيادة الإيرانية للإقرار بالضربة، مباشرة وعبر ذراعها الإقليمي حزب الله، مع تشييع علني للضحايا، والتهديد بالردّ على الغارة التي اعتبرها زعيم الحزب حسن نصر الله نقطة فاصلة في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية أو مواجهة الاحتلالين بسوريا.

ثمة علامات استفهام ونقاط غامضة في المعطيات السابقة، منها مثلا سبب الإعلان الروسي غير المسبوق عن الغارة وعدد الصواريخ والضحايا، وميل إسرائيل للإقرار بمسؤوليتها، ولو بشكل غير مباشر، رغم أن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان تهرّب من إعطاء إجابة واضحة. وفي المقابل، بدت إيران محرجة من الإعلان الروسي، أما كلامها عن أن قصف المطار سيؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين، فهو دعائي وغير صحيح؛ لأن إسرائيل نفذت أكثر من مئة غارة في السنوات الستّ الأخيرة دون رد، رغم أن جزءا مهما وكبيرا منها استهدف قواعد ومعسكرات إيرانية أو لمليشيات مشغلة إيرانيا، حتى أن واحدة منها في القنيطرة (كانون الثاني/ يناير 2015) قتلت مسؤولا كبيرا في الحرس الثوري الذي يشرف مباشرة على الاحتلال الإيراني لسوريا.

أعتقد أن الإعلان الروسي كان للعلاقات العامة، وهدف إلى إعادة الحوار مع إسرائيل حول التطورات في سوريا، مع استدعاء ناعم للسفير الإسرائيلي في موسكو، وتأكيد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أنه تم فقط النقاش معه حول المستجدات والتطورات الأخيرة، دون توبيخ أو انتقاد. ونفس الروحية نجدها في الاتصال التلفوني بين الرئيس الروسي بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. فبينما أكد الأول على عدم زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، أكد الثاني على رفض إقامة قواعد إيرانية، مع التأكيد على الخطوط الحمر المعروفة الأخرى والمتعلقة بمنع إيصال أسلحة نوعية إلى حزب الله أو تزويد النظام نفسه بأسلحة ومنظومات عسكرية ترى الدولة العبرية أنها مهددة لأمنها.

هنا يجب التركيز على أن مصطلح الأمن والاستقرار في القاموس الروسي يتعلق بالنظام الذي ترى موسكو أنه مجرد واجهة أو تبرير وغطاء لاحتلالها، وهوس استعادة نفوذها في المنطقة، بينما تفهم تل أبيب هذه الحقيقة جيدا، ولذلك صدرت عنها تصريحات واضحة بأنها ليست بوارد التدخل، أو التأثير على مجريات الأحداث مع التركيز فقط على إيران وأذرعها.

يجب الانتباه إلى أن الإعلان الروسي استهدف كذلك لفت الانتباه عن جريمة الكيماوي في دوما، وربما حتى اعتبار الغارة الإسرائيلية ردّا كافيا على الجريمة بالنيابة عن الغرب، وبالتالي لا حاجة أو ضرورة لضربات أخرى.

رغم الإعلان الروسي الرسمي والصريح، إلا أن تل أبيب لم تلجأ إلى إعلان مماثل لحرصها على إبقاء قواعد اللعب كما هي، أي توجيه الضربات وقتما شاءت دون ضجة ودون إحراج للطرف الآخر، أو خلق ضغوط سياسية وإعلامية قد تدفعه للردّ، رغم استبعاد تل أبيب، وحتى يقينها، وخشية إيران من فتح جبهة مباشرة عبر سوريا دون رضى الاحتلال الروسي أو رب البيت الجديد، وفق التعبير الإسرائيلي الدارج، وعجز حزب الله عن فتح جبهة من لبنان في ظل رفض الرأي العام، حتى الحليف منه، وتفهم إيران لهذا الجانب، واعتبار لبنان من الأوراق المهمة والاستراتيجية للمشروع الفارسي الإمبراطوري، إضافة طبعا إلى التهديد الإسرائيلي بتدمير البلد كله، وعدم الاكتفاء بتدمير الضاحية والجنوب فقط، كما حصل في العام 2006، مع انتفاء الأطراف العربية الممولة لإعادة الإعمار، كما جرى في حرب التلك بعد تلك الحرب.

أما حديث الضابط الإسرائيلي مجهول الهوية لتوماس فريدمان في نيويورك تايمز، فهو استغلال أو استثمار للاعتراف الروسي كما للتباهي والتفاخر، والتأكيد في السياق على الخطوط الحمر الإسرائيلية، والإصرار على المضي قدما في السياسة المتبعة منذ سنوات.

تهديد إيران بالردّ، واعتبار أن قصف التي فور قد أطلق مواجهة مفتوحة مع الدولة العبرية، هو أيضا دعائي وشكلي؛ لأن تل أبيب وجهت عدة ضربات مباشرة في الماضي للأهداف والتجمعات أو القواعد الإيرانية والمليشيات التابعة لها، ولم تقع تلك المواجهة ولولا الإعلان الروسي المحرج كان القصف سيمر بهدوء ودون ضجة، كما رأينا طوال السنوات الستّ الماضية، من إنكار أو صمت من قبل إيران وذراعها الإقليمي تجاه الضربات والغارات الإسرائيلية، لتحاشي الإحراج أو حتى التهديد الكلامى الفارغ بالردّ، ناهيك عن الخشية من مواجهة مع الشيطان الأصغر قد تطيح حتما بكل المكتسبات والإنجازات التي حققتها زمن التفاهم والتناغم مع الشيطان الأكبر في حقبة باراك أوباما.

جوهر الموقف الإيراني رأيناه كذلك في القصف المجهل المعلوم الذي استهدف قواعد مراكز للاحتلال الإيراني في ريفي حماة وحلب الأسبوع الماضي (الأحد 29 نيسان/ أبريل). ورغم اعتراف إعلام النظام بالقصف وحديثه حتى عن عدد القتلى (40 على الأقل)، بما في ذلك المليشيات الإيرانية، وحتى حدوث هزة أرضية خفيفة جراء القصف، إلا أن طهران نفت رسميا ليس فقط وقوع القتلى، وإنما القصف بحد ذاته، رغم نشر صور ومشاهد أظهرت الحرائق والدمار الكبير في تلك المواقع، وتحديدا في ما يعرف بمعسكر 47 في ريف حماة.

عاموس يدلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، قال إن القصف هو فعل جيش نظامي محترف ومدرب، وأضاف أنه فقط الجيش الأمريكي أو الإسرائيلي قادر على القيام بذلك. وبما أن البتتاغون نفى رسميا أي مسؤولية عن الغارات، فنبقى مع الاحتمال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي أشارت إليه بوضوح، وحتى دون تورية، الصحافة الإسرائيلية صباح اليوم التالي.

عموما ورغم الضجيج الدعائي والإعلامي، فإن الهدف أو الأهداف الإيرانية في سوريا لا ترتبط بالقضية الفلسطينية أو الصراع مع إسرائيل، ولا حتى بمحاربة الإرهاب، كما قال نائب وزير الخارجية عباس عراقجي (22 شباط/ فبراير الماضي) وإنما تتعلق بالإمبراطورية الفارسية، واستمرار الهيمنة على دول وعواصم عربية. ومع أن عاصمة الحشد الشعبي الإقليمية هي بيروت وليست بغداد، إلا أن العمود الفقري للإمبراطورية يمر من دمشق وكسره سيؤدي لضربة قاصمة للمشروع، في ظل اقتناع المنظومة الاستبدادية الحاكمة بأن سقوط الأسد يعني سقوط النظام الإيراني نفسه، وانتقال الثورة إلى الداخل الإيراني الغاضب والناقم من إهدار عشرات مليارات الدولارات في حرب لا جدوى ولا طائل منها، ولا أمل فيها بالانتصار، بينما الاقتصاد الإيراني منهار أو على حافة الانهيار، والبطالة والفقر يسجلان أرقاما قياسية وعالية.

إسرائيل من جهتها تفهم هذه الحقيقة جيدا، ولذلك هددت بتوجيه ضربات قاصمة وقاضية للنظام (معاريف 12 نيسان/ أبريل) في أي مواجهة مفتوحة مع ايران في سوريا، وهدد مسوؤل آخر، وهو وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس، بقتل الأسد شخصيا (7 أيار/ مايو)، وليس ذلك فقط بل إن نتنياهو هدّد في كلمته بمؤتمر ميونيخ الأمني (كانون الثاني/ يناير الماضي) باستهداف الأراضي الإيرانية مباشرة، مع تبجح رئيس أركانه غادي ايزنكوت، في مقابلات عيد الفصح الإعلامية، بتنفيذ مئات العمليات في الخارج، وفي سوريا تحديدا، دون الإعلان عنها.

في النهاية، وبالعموم، لن يمثل مطار "تي فور"، أو أي موقع آخر في الكسوة أو غيرها؛ الشرارة لحرب إيرانية إسرائيلية مفتوحة أو غير مفتوحة، أي مواجهة للاحتلالين في سوريا. وستستمر السياسة الإسرائيلية المتبعة باستهداف القواعد والتجمعات الإيرانية، في ظل موافقة واضحة وصريحة من الاحتلال الروسي، مع رفض إسرائيلي قاطع لإقامة ميناء أو مطار إيراني على الطريقة الروسية، وستستمر طهران وماكينتها الدعائية في الحديث عن الرد وانتظار الوقت والزمان المناسبين، وهي عمليا لا تستطيع تجاوز الخطوط المرسومة روسيا، ولا تريد التضحية بنظام الأسد الذي يمثل فقرة مهمة ومفصلية في مشروعها الإمبراطوري، ولا تريد كذلك التضحية بذراعها الإقليمي المركزي وحشدها الشعبي في لبنان الذي تعتبره بمثابة ذخر استراتيجي لهيمنتها ومشروعها الإقليمي التوسعي، والرد إذا ما حصل، رغم أن هذا بات أصعب بعد إلغاء ترامب للاتفاق النووى، سيتمثل بقصف غامض ومحدود غير واسع في سوريا وليس من لبنان، تماما كما كان يحصل في الماضي من بعض الجماعات الصغيرة الموجهة عبر الحدود اللبنانية، وكما يحصل الآن من بعض المجموعات السلفية الأمنية المشبوهة في غزة.
التعليقات (0)