ملفات وتقارير

هل العلمانية حل بالفعل لمشاكل الدول العربية والإسلامية؟

متشددو تنظيمات مسلحة في سوريا وصفوا العلمانية بأنها "كفر"- جيتي
متشددو تنظيمات مسلحة في سوريا وصفوا العلمانية بأنها "كفر"- جيتي

تلحُّ كتابات عربية في دعوتها إلى العلمانية على أنها حل ناجع لمشاكل وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مستعصية، خاصة تلك الناتجة عن اضطراب العلاقة بين الدين والسياسية، في ظل حروب طائفية وأجواء الصراع الدامي على خلفيات دينية وعقائدية.

ويدور جدل حول تلك الدعوة، بين نخب علمانية وحداثية تعدها الحل الأنسب لأزمات الدول العربية ومشاكلها، وبين علماء ودعاة وحركات إسلامية ممن يرفضون تلك الدعوة، باعتبارها "طارئة على مجال التداول الإسلامي"، موضحين أنها "إن كانت تصلح في بيئتها الأوروبية التي نشأت فيها، فإنها لا تصلح لعالمنا الإسلامي"، وفق قول الكثير منهم.

ووفقا لباحثين إسلاميين، فإن الإلحاح في الدعوة إلى تبني العلمانية كحل ناجع لمشاكل وأزمات عربية وإسلامية، "سلوك غريب ينزع إلى تقديم حلول لمشكلة ليست موجودة أصلا في العالم الإسلامي، لأسباب واعتبارات عديدة".

ففي التفاصيل، أيَّد الأكاديمي الشرعي السوري إطلاق توصيف "السلوك الغريب" على من يدعو إلى تبني العلمانية في مجتمعاتنا الإسلامية، معلّلا ذلك بأن "أسباب نشوء العلمانية في الغرب غير موجودة في المجتمعات المسلمة، لأن الإسلام لا يسحق حرية التفكير، ولا يصادر حقوق الإنسان، ولا يعطي العلماء سلطة كهنوتية، كتلك التي كانت في أوروبا إبان القرون الوسطى".

وأضاف لـ"عربي21": "لكن مع التعقيد الذي وصلت إليه كثير من المجتمعات المسلمة، بعد عقود من فرض الأفكار المناوئة للدين، التي أوجدت شرائح معادية له، إضافة لشيوع الفساد والاستبداد، وتوظيف غالب الأنظمة السياسية للكثيرين من أصحاب العمائم، فإن العلمانية المحايدة حيادا حقيقيا تعد أهون الشرَّين في بعض تلك المجتمعات، نظرا لخصوصيتها".

 

اقرأ أيضا: "العلاج الإسلامي" لـ"الأمراض العلمانية"


وتابع زينو حديثه بالقول: "فالعلمانية المحايدة حيادا حقيقيا يفترض أن تتيح مناخات أكثر عدالة وإنسانية وقانونية من تلك الأجواء التي يسيطر عليها الاستبداد والفساد سيطرة مطلقة، ثم يقنّع سيطرته بقناع كاذب من الشرعية الدينية"، لافتا إلى ضرورة "عدم تعميم ذلك الحل على سائر العالم الإسلامي".

في المقابل، ناقش الكاتب والأكاديمي الكويتي، فهد راشد المطيري جوهر فكرة الممانعة الإسلامية في تبني حل العلمانية، بقوله: "حتى مع افتراض أن الدين الإسلامي جاء بمنظومة شاملة لأمور الدين والدنيا، فإن المنظومة مع ذلك لا تحظى بتفسير واحد لتطبيقها".

وأضاف: "أما الحاجة إلى العلمانية، فتكمن في ضرورة المحافظة على سلميّة مجتمع متعدد الطوائف، والنأي به عن التناحر الطائفي، وإذا توافرت الديمقراطية إلى جانب العلمانية، فإن الأخيرة تقول: ليحافظ الجميع على دينه أو أي معتقد يحلو له، لكن دعونا نستخدم العقل في تحديد قائمة الحقوق والواجبات التي تسمح بتعايش الجميع على بقعة جغرافية محددة، ومن دون أن تفرض فئة منا رؤيتها للدين على الجميع".

وطبقا للمطيري، فإن "الإيديولوجية الدينية، تسعى على النقيض من ذلك إلى إقامة حكم لا يتفق الجميع على ماهيته، فالطوائف الدينية تتقاتل حتى قبل أن تصل إلى الحكم، فكيف لو وصلت إحداها إلى حيث تستطيع تقرير الطوائف الأخرى؟".

وقال لـ"عربي21": "إن المساواة بين المواطنين مستحيلة في ظل رؤية دينية لا تهب الناس حقوقهم بوصفهم بشرا، ولا تفرض عليهم واجباتهم بوصفهم مواطنين، بل تقيس الحقوق والواجبات بمقياس البعد والقرب من دين الدولة"، على حد قوله.

وأبدى المطيري أسفه لما تعرض له "مفهوم العلمانية من تشويه، وصل إلى الحد الذي اعتقد فيه الكثيرون استحالة أن يكون المرء مسلما وعلمانيا في الوقت ذاته"، مفسرا ذلك بأن "العلمانية ليست أيديولوجية منافسة للدين، بل مجرد خيار عقلاني حول كيفية حكم مجتمع متعدد الطوائف بطريقة تنأى به عن الصراع الطائفي".

ولفت المطيري إلى أن "العلمانية لا تتعارض مع الإسلام من حيث أنه دين، بل من حيث مشروع بناء دولة، فإذا كان ضمان التعايش السلمي والعادل بين الأفراد الغرض الجوهري من قيام الدولة، فإن العلمانية تنشد بلوغ هذا الهدف من خلال إتاحة الفرصة أمام العقل الإنساني لابتكار قوانين وضعية قابلة للنقد والتعديل، على عكس الحكم الديني المتضمن لقوانين إلهية لا يملك أحد الحق في تعديلها أو تنقيحها".

بدوره، قال الباحث الأردني في العلوم الاجتماعية، أنس غنايم: "إذا ما ألقينا نظرة على سجل مشكلات العالم العربي المتعلقة بالسياسة ونظم الحكم وطبائع الملك، فسنجد أن مشكلة العلمانية متأخرة في ترتيب ذلك السجل، وإذا ما استعرنا لغة المناطقة، فلا نجد ما صدق لضرورات الحديث عن العلمانية في عالمنا العربي، لا على مستوى التجربة التاريخية، ولا على مستوى الواقع العربي اليوم".

وبحسب غنايم، فإن "الحديث عن المشكلات التي نجدها في أنظمة الحكم ما قبل الحديثة في عالمنا العربي أكثر واقعية وبداهة، فالحديث يجب أن ينصب على النظم التوتاليتارية (الشمولية)، والدول التملكية التي تسقط الطوائف والهويات الفرعية عليها للتحكم بأزمتها، والدول العسكرية التي يتحكم بها مجموعة من الجنرالات والسفاحين، والنظم الملكية التي تذكرنا بسلالات أبناء السماء والشمس في الحضارات القديمة".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "بناء على ذلك، يغدو الحديث عن الطائفة والقبيلة والعسكر والاستبداد والملكيات وعلاقتها بالسلطة ونظم الحكم أكثر جدوى، وأشد حرارة من الحديث عن الدين وعلاقته بالسلطة ونظم الحكم".

وأنهى غنايم مشاركته بالإشارة إلى أن "الحديث عن الديني وعلاقته بالسياسي في عالمنا العربي يأخذ مقلوب العلمانية في السياق الأوروبي، فإذا كان معنى العلمانية في صورتها الكلاسيكية فصل الدين عن السياسية، فإن الحديث في عالمنا العربي يجب أن ينصب على علمنة معكوسة تتعلق بفصل السياسة عن الدين، فما فتئت أنظمة الحكم في تجيير الديني لصالحها كي يخلع عليها مشروعية سياسية عبر استظهار معان دينية".

التعليقات (3)
امحمد فارس
الأحد، 13-05-2018 03:48 ص
سؤال :هل الحكومات العربية الحالية حكومات اسلامية؟
مصري
السبت، 12-05-2018 10:57 م
لا أقول إلا أن لنا في نموذج ادارة المدينه المنوره في عهد الرسول صلي الله عليه و سلم النموذج الرشيد و المثالي و اعظم سبيل لكي تؤسس الدول الإسلاميه نظم الحكم بها و تكتب دستورها دون أي إستثناءات ولنا في السنه النبويه الشريفه الم بأن ما قبلنا قد هلكوا لأن القوي كان إذا سرق تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد فالمسلمين لهم في تراثهم ما يغنيهم عن هذا الرث و الغث الذي يكتبه خدام الغرب المنافقين العملاء لمحاربة الإسلام و فصله عن واقع الحياة و هو ما لا يمكن أن يتمشي مع جوهر الإسلام الذي قامت عليه دولة الخلفاء الراشدين و سار عليه فيما بعد خامسهم عمر بن عبد العزيز و الناصر صلاح الدين و الظافر قطز و بعض سلاطين الدولة العثمانية و غيرهم ممن أسسوا ملكهم علي النهج الإسلامي القويم .
محمد حمدان
السبت، 12-05-2018 10:54 م
وهل اصلا طبقنا الاسلام في بلادنا المحتلة حتى تناقشوا وتعرضوا عقيدتكم الالحادية التي تدعو لزنا المحارم ونكاح الحيوانات كما يحدث في البلاد العلمانية؟ الاسلام فقط هو الحل ولا حل غيره ياملاحدة