مقالات مختارة

الصوم مشروع تعبوي

رحيّل غرايبة
1300x600
1300x600

الصيام عبادة روحانية لطيفة شفافة وراقية، تحترم إرادة الإنسان وتقدر حريته، إذ إن الصائم يقوم بهذه العبادة بينه وبين الله تماما، ولا يستطيع أحد أن يقهر أحدا على الصيام؛ لأنّ الفرد يستطيع أن ينتهك الصيام وحده دون حسيب أو رقيب، ولذلك لا مجال لإتمام عبادة الصيام على وجهها الكامل إلاّ بإرادة داخلية سرية ومكتومة، وعزيمة ذاتية غير منظورة. ومن هنا يفهم معنى الحديث القدسي ( كل عمل ابن آدم له إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) فالله وحده هو المطلع على من ينتهك صيامه خفية، وبعيدا عن أعين الناس .
ومن هذا الفهم الدقيق لهذه العبادة يأتي الفهم السليم للفلسفة العميقة للصيام التي تتسم بالجمال، حيث يقدم الإنسان بمحض إرادته على الصيام بهذه الرياضة الروحّية التي ينتشل المرء نفسه من الهبوط إلى ذلك المستنقع الهابط، الذي يصبح فيه الإنسان مستعبدا لنهم الطعام والشراب، ومستغرقا بكل قواه في زيادة اللذة المادية التي ليس لها حدود ولا سقوف، ويتجرد من عالم القيم ويهبط من عالم المثل، ويتخلى عن رسالته الآدمية السامية التي تعطي المعنى للحياة، وتهب قيم الجمال لدوره في الإعمار والإصلاح والتربية والتهذيب وصيانة منظومة القيم الآدمية النبيلة.
يحتاج الإنسان إلى محطة تقويم ومراجعة إجبارية في كل عام لمسيرته خلال أحد عشر شهرا، من أجل عمل جردة حساب موضوعية وعادلة حتى يستطيع كل واحد فينا أن يقف على حقيقة الجهود والأعمال والأرباح والخسائر طوال مسيرة حياته التي قضى فيها كثيرا من الأوقات، وبذل من صحته وجهده وأعصابه وعرقه وإحساسه، وأصاب بدنه الإرهاق وهجمت علية الأمراض والأسقام من كل جانب، وتكاثرت عليه الهموم من كل حدب وصوب .
يحتاج كل واحد فينا أن يجيب على مجموعة من أسئلة مصيرية وعلى درجة عالية من الأهمية والدقة، وعلى رأسها السؤال الكبير : هل أنا أسير في الطريق الصحيح؟ وهل كل ما بذلته في هذه الحياة وضع في مكانه السليم؟ إنه سؤال كبير ومحرج والإجابة ليست سهلة وليست بتلك البساطة، فعندما تستغرق في عبادة الصيام المصحوبة بهذا التأمل العميق، قد تأتيك لحظة صفاء وهدوء في بعض أوقات السحر، تسعفك في ملامسة بعض أطراف الحقيقة .
الصوم المتمثل في عملية التدريب على حديث النفس، وامتلاك القدرة على مخاطبتها بعد ترويضها وتخفيف استغراقها في الشهوة، وعندما تسكن مذعنة للسؤال، يبدأ الحوار الجدي بينك وبينها بصدق وتجرد، فهل استطعت أن تتمثل خلق المسامحة؟ وهل استطعت أن تملك نفسك عند الغضب؟ وهل استطعت أن تمسك لسانك عن الغيبة والنميمة والثرثرة والولوغ في أعراض الناس؟ وهل استطعت أن تقبض يدك عن الامتداد للمال الحرام، وهل منعت قدمك من السير في طريق الباطل؟ وهل استطعت أن ترفع إحساسك ومشاعرك نحو حب الآخرين ومساعدتهم  وتقديم الخدمة لهم، وهل استطعت أن تقنع نفسك باقتطاع بعض مالك للصدقة على الأيتام والأرامل والفقراء والجوعى؟ أم إنك ما زلت غارقا في حمّى الشهوات، وفي رمضان زاد نهمك للملذات وزاد منسوب الأنانية المفرطة لديك في الحصول على المكاسب ومزاحمة الآخرين، وكنت سببا في زيادة منسوب الأذى للمارة، وزاد لديك حس احتقار الآخرين والاستعلاء عليهم؟
هذا امتحان سري ومكتوم لا يعلم به أحد سواك ولا يطلع عليه أحد إلّا رب الخلق الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

 

الدستور الأردنية

1
التعليقات (1)
Ahva2
السبت، 19-05-2018 07:42 ص
يا ليت الصيام نفعك عندما خنت اخوتك لصالح المخابرات عمدا او هبلا... لقد استغلتك المخابىات لطعن اخوتك. لا تتكلم عن الصيام زلا الروحانيات كأنك عابد متبهل... ان كائن لا ولم يسعَ لمصلحة الاسلام والمسلمبن . نىجو منك ان تصمت وتبتعد عن المشهد، فلا ينظر اك الناس الا على انك خائن عميل متأسلم تعمل مع المخابرات لتطيح بإخوانك وجماعتك. انصرف.