قضايا وآراء

نكون أو لا نكون.. تلك هي المشكلة

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
يحكى أن حمامة سكنت أعلى شجرة وباضت ثلاث بيضات فقست بعد فترة يمامات جميلات. مر ذئب جائع مع رهط، وظل يدور حول الشجرة ويطلق عواءً مخيفا؛ طالبا من الحمامة أن تُلقي له بفرخ من فراخها وإلا سيصعد للعش ويأكل الفراخ الثلاثة كلها.

رمت الحمامة فرخها الأول على أمل أن يتركها الذئب بسلام مع فرخيها الباقيين، لكن الذئب عاد مرة أخرى ليبتزها بشراسة، حتى اضطرت أن ترمي له الفرخ الثاني. وعندما عاد الذئب في المرة الثالثة، رمت له الحمامة الفرخ الأخير معللة النفس بأن الذئب سيتركها تعيش، لعل الحياة تمنحها فرصة أخرى لتبيض وتفقس فراخا أخرى من جديد، ويعوضها الله عن الفراخ التي التهمها الذئب الذي كان قد أقنعها، بأنه الكل بالكل، وأنه قادر على أن يحميها من فأس الحطاب الذي سيجتث شجرتها ويخرب عشها.

مر بها الغراب الذي هاله بكاءها، واندهش من غبائها وجبنها وتساءل: كيف تُصدق هذه الحمامة أن الذئب قادر على الصعود للشجرة؟ وكيف اقتنعت بأن الذئب قادر على حمايتها من بلطة الحطاب؟ وكيف لها أن تُصّدق أن طمع وجشع الذئب سيتوقف وأنه لن يأتي على بقية صغار الحمامة في المستقبل؟ وكيف أن الحمامة لم تستغث أو تستنجد بأحد، واعتمدت فقط على عقلها الصغير القاصر؟

طار الغراب وهو يلعن الحمامة وأنانيتها وجبنها الذي دفعها للتضحية بصغارها دون جدوى. بعد الدرس الذي لقنه الغراب للحمامة، تحفزت محاولة تجاوز جبنها، عندما لمحت الذئب يتلمظ متلذذا وهو يخطط لخديعة عصفورة صغيرة بائسة، تسكن في عش بأعلى شجرة مجاورة.

وما أن بدأت بتنبيه العصفورة محذرة إياها من غدر الذئب، حتى غاص صوتها منحبسا، وهي ترى الحطاب يبدأ في اجتثاث شجرتها ليهدم بيتها الذي أفنت عمرها مضحية بالغالي والنفيس؛ وهي تبنيه من أجل حُلم واهم بثباته ورسوخه، عله يحميها ويحمي صغارها.

هذه القصة، التي صنعها خيال صديقة عزيزة موهوبة بكتابة القصة القصيرة والسيناريو لها دلالات عميقة. لقد منحت الحمامةُ الذئبَ مشروعية مجانية للتحكم في وجودها برمته، في خيار وهمي، مفضلة الهروب لنوع من الأمان المؤقت.. ما أن تأتي اللحظة الفاصلة والمصيرية حتى تنكشف الحقيقة، فوراء هذا النوع من الخيارات الزائفة واقع مرعب يهدد الوجود كله؛ دافعا به لمصير ماحق ومدمر.

هل نستطيع أن نستنتج أن الحياة خيارات؟ وأن القرارات التي يتخذها البشر في مسيرتهم تحدد مصائرهم؟.. الحرية تؤخذ ولا تُمنح. وعندما ننتزعها بقوة الإقدام والتضحية بالمنافع الزائفة والمؤقتة والواهمة من أجل التأسيس لبناء مصائرنا بمعانيها الحقيقية والراسخة؛ نكون قد أحلنا إشكالية حياتنا إلى ما يتطابق مع العبارة الشكسبيرية المشهورة "نكون أو لا نكون، تلك هي المشكلة".
0
التعليقات (0)

خبر عاجل