قضايا وآراء

سيناريوهات ما بعد عبّاس.. من يملأ الفراغ؟

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600

كثرت التكهنات والأخبار التي تتحدّث عن صحة الرئيس عباس إلى حد الإشاعة عن وفاته عقب دخوله المستشفى الاستشاري في رام الله الأيام الماضية؛ فهو بالإضافة لتعرضه لنكسات صحية بسبب تقدمه في السن (83 سنة)، يعاني من اضطرابات في النوم، ومن اضطرابات نفسية؛ نتيجة ضغط العمل، وشعوره بالعجز بسبب فشل مشروعه السياسي (اتفاق أوسلو)، وفشله في بسط سيطرته على قطاع غزة وفق شروط الرباعية الدولية، ما جعل المقربين منه يتحدثون عن خلافته بصفته جامعا لرئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، ورئاسة السلطة الفلسطينية، ورئاسة حركة "فتح" التي باتت تخشى من غيابه المفاجئ، وما قد يترتب على ذلك من فراغ سياسي ودستوري.


وما يزيد الأمر تعقيدا في هذا الشأن؛ غياب المرجعيات أو المؤسسات الوطنية القيادية القادرة على إدارة المرحلة كمنظمة التحرير الفلسطينية، المطعون في شرعيتها نتيجة لفقدانها الصفة التمثيلية، بعد أن تم اختزالها في حركة فتح وأنصارها أو أنصار خطّها السياسي التفاوضي، دون تمثيل يُذكر لقوى فلسطينية كحركة الجهاد الإسلامي، وحركة حماس التي من المفترض أنها تمثل شريحة واسعة قياسا على انتخابات  المجلس التشريعي لعام 2006، التي فازت فيها الحركة بنحو57.6% من أصوات الناخبين في الضفة والقطاع. 


وفي السياق ذاته، فإن النزاع على قيادة حركة فتح بين محمد دحلان ومحمود عباس من جهة، وبين محمد دحلان والقيادات المحسوبة على تيار الرئيس عباس من جهة ثانية، سيفتح البازار واسعا بين القيادات الفتحاوية التي ترى  في نفسها أهلا لموقع القيادة.


وفي ظل غياب القيادات التاريخية الوازنة، وضعف الآليات التنظيمية الراسخة، وتراجع ثقافة الانتخاب وصناديق الاقتراع لحسم الخلافات بين المتنافسين، ومع تشعب مصالح قيادات سلطة رام الله وتقاطع علاقاتها الأمنية والسياسية مع الاحتلال الإسرائيلي، وواشنطن، والقاهرة، والرياض، وأبوظبي، يصبح المشهد الفتحاوي غاية في التعقيد، ومعرّضا لمزيد من التشرذم، والمشاكسة بين أشقاء الأمس.


إذن، الضفة الغربية بما تمثله من أهمية وثقل في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، على موعد مع أزمة داخلية جديدة عنوانها؛ من يملأ الفراغ الرئاسي أو المقعد القيادي لمنظمة التحرير، وللسلطة الفلسطينية، ولحركة فتح على حد سواء، وفي هذا الصدد يمكن توقّع عدة سيناريوهات تحاكي الظرف الذي قد ينشأ عقب غياب أو وفاة الرئيس محمود  عباس، وذلك على النحو التالي:


السيناريو الأول: قيام حركة فتح، والسلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية بالدعوة لانتخابات ديموقراطية لاختيار رئيس واحد أو ثلاثة رؤساء لتلك المواقع الثلاثة. وهذا أمر مستبعد لضحالة التجربة الديموقراطية داخل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ولدى حركة فتح، ناهيك عن رفض الاحتلال المتوقع لأية انتخابات يعبّر فيها الشعب الفلسطيني عن إرداته بحرية، خشية أن تأتي النتائج بعكس المرغوب.


السيناريو الثاني: التوافق على شخصية فتحاوية تقود المواقع الثلاثة (المنظمة، السلطة، حركة فتح). وهذا سيناريو مستبعد لعدم وجود شخصية قيادية جامعة من الرعيل الأول، بسبب وفاة أغلب القيادات، وعدم أهلية من تبقى منهم على قلة عددهم.


السيناريو الثالث: التوافق على ثلاث شخصيات لتشغل كل منها أحد المناصب القيادية الشاغرة (منظمة التحرير، السلطة، حركة فتح). وهذا الأمر يتطلب توافق أطر وقيادات حركة فتح كافة بشأن من يقود الحركة والسلطة، بالإضافة إلى توافق فصائل منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية على من يقود المنظمة، هذا من زاوية ومن زاوية ثانية، فإن هذا التوافق إن حصل وهو غاية في الصعوبة، فلن يستطيع النفاذ إلى أرض الواقع إلا بالحصول على الضوء الأخضر الإسرائيلي المتعلق تحديدا بقيادة السلطة الفلسطينية، الشريك الأمني للاحتلال في الضفة الغربية وفقا لاتفاقيات أوسلو، هذا بالإضافة إلى أهمية نيل أية شخصية قيادية، في أي موقع من المواقع الثلاثة لرضا كل من القاهرة، والرياض، وأبوظبي،لتوفير شبكة أمان مالية وسياسية عربية لها، بديلا عن الشرعية الانتخابية للشعب الفلسطيني. هذا السيناريو ممكن رغم صعوبته، وهو يؤسس لمرحلة تعدد الأقطاب المحلية عبر تعدد القيادات الفتحاوية، ما يفتح الباب أكثر لتدخل وتأثير الاحتلال الإسرائيلي والدول العربية على الوضع الفلسطيني، عبر خلق جيوب وولاءات مصلحية مرتبطة بالأطراف الدولية والإقليمية الداعمة سياسيا وماليا، الأمر الذي يهدد واقع السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ومستقبل الضفة الغربية لاحقا. 


السيناريو الرابع: دخول الأشقاء في حركة فتح في نزاعات سياسية وأمنية فيما بينها، يغذيها الاحتلال الإسرائيلي بالمال والسلاح للقضاء على آخر جدار وطني، يمكن أن يستند إليه الفلسطيني في الضفة الغربية بعد غياب المقاومة قسرا، ما سيُدخل الضفة الغربية في فوضى السلاح وفقدان الأمن، ويظهر عدم أهلية الفلسطينيين لإدارة دولتهم المنشودة، ويمهد الطريق لمغادرة أعداد غفيرة من المدنيين والنخب والكفاءات إلى الأردن والدول العربية بحثا عن الأمن والاستقرار، بما يمثله ذلك من تفريغ للسكان وتسريع لسرقة الاحتلال للأراضي التي تجسّد جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني. وهو سيناريو ممكن رغم جنوحه، استنادا لتوفر عدة عوامل ظرفية تتمثل في ضعف الوضع الفلسطيني الداخلي، وتفاقم النزاعات العربية، وانحياز إدارة الرئيس ترامب بدعمها المفتوح للكيان الإسرائيلي لأسباب سياسية وإديولوجية.


لا شك أن وضع الضفة الغربية في خطر شديد، ليس لأن غياب الرئيس عباس سيفتح الباب على اعتراف العرب بالكيان الإسرائيلي، وهو الأمر الذي فعلته منظمة التحرير الفلسطينية، بل لأن الضفة الغربية تكاد تسقط في يد الاحتلال كثمرة ناضجة نتيجة لسياسات الرئيس عباس وفريق أوسلو الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي جعلت من الضفة الغربية رهينة للاحتلال المنتشي اليوم بعد أن نجح في أخذ اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبعد أن قبلت بعض العواصم العربية لأن تكون عرابة لصفقة القرن التي تشكل وصفة للقضاء على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.


0
التعليقات (0)