مقالات مختارة

خطاب المرحلة الجديدة لا يبعث على التفاؤل

جمال سلطان
1300x600
1300x600

تمنيت أن يكون الخطاب الذي يقدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبة قسمه الدستوري لتولي فترة رئاسية أخرى باعثا على الأمل في الفترة المقبلة، بأجواء أكثر جدية وشفافية وانفتاح سياسي ورحمة بالناس والمستضعفين والبسطاء أمام ضغوط الحياة الاقتصادية المتفاقمة، ولكن الحقيقة أن الخطاب جاء منسوخا من خطابات سابقة تعتمد على اللغة العاطفية والشاعرية والأفكار الفضفاضة وغير المحددة، والغياب التام لأي برنامج سياسي أو ملامحه، فضلا عن تأكيد الرئيس على أن الفترة السابقة كانت ناجحة بل ومبهرة، وهي رسالة ضمنية تعني أن لا ننتظر منه أفضل مما سبق.

في خطابه أمام البرلمان قال الرئيس (الآن وقد تحققت نجاحات المرحلة الأولى من خطتنا فإنني أؤكد لكم بأننا سنضع بناء الإنسان المصري على رأس أولويات الدولة خلال المرحلة القادمة يقينا مني بأن كنـز أمتنا الحقيقي هو الإنسان والذي يجب أن يتم بناؤه على أساس شامل ومتكامل بدنيا وعقليا وثقافيا بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد بعـد محاولات العبث بهـا)، والحقيقة أن هذا الكلام كله لا يمكن ضبطه وفق أي معايير سياسية، هو خطاب أقرب للمقالات الفكرية والتعبوية العامة، لا يحمل أي ملمح سياسي محدد، كما أن الحديث عن الإنسان وأنه على رأس أولويات الدولة وأنه الكنز الحقيقي، يتحدث به مفكرون وباحثون وأكاديميون وحقوقيون، ولكن رئيس الجمهورية يتحدث عن المواطن وحقوق المواطن التي ضبطها الدستور وحددها، وأن يلتزم الرئيس أمام المواطن ببرنامج عمل محدد، وفق جدول زمني يمكن المحاسبة عليه.

عندما احتاج الرئيس إلى أن يتحدث عن هموم المواطنين، قال أن (ملفات وقضايا التعليم والصحة والثقافة ستكون في مقدمة اهتماماته، وسيكون ذلك من خلال إطلاق حزمة من المشروعات والبرامج الكبرى على المستوى القومي والتي من شأنها الارتقاء بالإنسان المصري في كل هذه المجالات واستنادا على نظم شاملة وعلمية لتطوير منظومتي التعليم والصحة لما يمثلانه من أهمية بالغة في بقاء المجتمع المصري قويا ومتماسكا) هذا الكلام كله ضجيج مصطلحات كنت أتمنى أن تطرح في برنامج سياسي، مثل أي رئيس منتخب في أي بلد متحضر، إن تركيا على سبيل المثال، والتي نهاجمها كثيرا وننتقد رئيسها، عندما تقدم للانتخابات الأخيرة قدموا برنامجا سياسيا شاملا مطبوعا في حوالي ثلاثمائة وستين صفحة، يشمل برنامج العمل المحدد في جميع المجالات، البنية الأساسية والصحة والتعليم والمواصلات والطرق والتطور السياسي وهيكلة جهاز الدولة والجيش والشرطة والقضاء والعلاقات الخارجية وغير ذلك، بالتفصيل، ووفق جدول زمني، إنهم يتقدمون إلى الشعب بما يمكن للشعب أن يحاسبهم عليه وبخطة عمل بالأرقام، أما الكلام الفضفاض، وأننا سننجز حزمة من المشروعات، لا أحد يعرف جدواها ولا أولوياتها ولا حتى برنامج تنفيذها، فهذا لا يبعث على التفاؤل ولا الثقة بالمستقبل، هذا فضلا عن أن المرحلة السابقة شهدت التورط في مشروعات قيل أنها عملاقة وستدر المليارات على الاقتصاد المنهك، ثم اتضح أنها هي التي أنهكت الاقتصاد وأربكت العملة الوطنية.

غير أن أكثر ما يثير القلق في خطاب الرئيس هو حديثه في ما يتعلق بمجال الحريات وحقوق الإنسان واستعادة الديمقراطية، لقد تحدث الرئيس عن "المتاجرين بالحرية والديمقراطية"، وهذا يعني بوضوح أن ثمة موقفا سلبيا راسخا تجاه هذه المعاني التي تمثل أسس أي دولة ديمقراطية، كما أن وقفته عند إيمانه بالتنوع والحق في الاختلاف أتت ملتبسة، حيث يقول : (مصر العظيمة الكبيرة تسعنا جميعا بكل تنوعاتنا وبكل ثرائنا الحضاري وإيمانا مني بأن كل اختلاف هو قوة مضافة إلينا وإلى أمتنا فإنني أؤكد لكم أن قبول الآخر وخلق مساحات مشتركة فيما بيننا سيكون شاغلي الأكبر لتحقيق التوافق والسلام المجتمعي وتحقيق تنمية سياسية حقيقية بجانب ما حققناه من تنمية اقتصادية ولن أستثني من تلك المساحات المشتركة إلا من اختار العنف والإرهاب والفكر المتطرف سبيلا لفرض إرادته وسطوته وغير ذلك فمصر للجميع وأنا رئيس لكل المصريين من اتفق معي أو من اختلف).

والحقيقة أن السياسات الأمنية والإقصائية المتفاقمة في البلد خلال الفترة الأخيرة تسير عكس كل الكلام العام الذي قيل هنا، وتعطي الانطباع بأن هناك ضيقا شديدا من الاختلاف والنقد ورؤية سلبية تماما للتنوع وقبول الآخر المختلف ورغبة في فرض رؤية واحدة وفكر واحد على الجميع، وإذا كان الرئيس يقول أنه لن يستثني من تلك المساحات المشتركة إلا من اختار العنف والإرهاب لفرض إرادته وسطوته، فهل كان الدكتور حازم عبد العظيم ـ أحد أركان حملته الانتخابية في 2014 ـ ممن يستخدمون العنف والإرهاب، وهل كان شادي الغزالي حرب ووائل عباس الدكتور جمال عبد الفتاح والمئات أمثالهم من صحفيين ونشطاء الذين اعتقلوا في الأشهر الأخيرة كانوا يستخدمون العنف والإرهاب، هذا فضلا عن رموز سياسية كبيرة في حجم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، وهل كان ممثلون ومخرج في مسرحية فنية تعرض بنادي الصيد إرهابيين ويحملون السلاح لكي يتم اعتقالهم والتنكيل بهم، ويتم استثناؤهم من التنوع والاختلاف والقبول بالآخر.

تمنيت أن يكون هناك بصيص أمل في إصلاح سياسي حقيقي، وأن تكون هناك ملامح برنامج اقتصادي يبشر برحمة الخلق الذين أرهقهم الفقر وغلاء الأسعار الذي تقوده الحكومة نفسها، ولكن ما استمعنا إليه في خطاب تدشين الفترة الرئاسية الجديدة لم يحمل هذا الأمل، على قديمه كما يقول العامة، ربما يكون تقديري مخطئا، وأتمنى أن أكون مخطئا، أو أن يكون فهمي للخطاب كان أسيرا للاكتئاب الشائع هذه الأيام، أرجو ذلك.

المصريون المصرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل