صحافة دولية

واشنطن بوست: لماذا يحتج الأردنيون وماذا وراء ذلك؟

واشنطن بوست: التظاهرات في الأردن ثورة ضريبية واحتجاجات ضد التقشف الاقتصادي- جيتي
واشنطن بوست: التظاهرات في الأردن ثورة ضريبية واحتجاجات ضد التقشف الاقتصادي- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية أبالاتشين في نورث كارولينا، ومؤلف كتاب "الأردن والانتفاضات العربية: نجاة النظام والسياسة بعيدا عن الدولة"، الباحث كيرتس ريان، يتساءل فيه عن سبب احتجاج الأردنيين.

 

ويجيب الباحث قائلا: "رمضان هو شهر الصوم والتأمل في العالم العربي، وبالنسبة للكثيرين فهو شهر العلاقة مع الآخرين وتصحيح الأمور، إلا أن رمضان هذا العام مختلف عن شهور الصيام في تاريخ الأردن، فتميز رمضان هذا العام بالصيام والاحتجاجات الجماهيرية الضخمة، التي لم يشهد الأردن لها مثيلا، فيوم إضراب عام واحد احتجاجا على الضريبة تطور إلى أيام احتجاجات وتظاهرات، ليس في العاصمة عمان فقط، لكن في أنحاء البلاد كلها". 

 

ويشير ريان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الاحتجاجات أسقطت رئيس الوزراء وحكومته، وأدت إلى تعليق مؤقت لسياسات مثيرة للجدل، وما يثير بشأن التظاهرات أنها واسعة، وليست حزبية، ومتنوعة بكل المستويات، وكانت 30 نقابة من النقابات المهنية واتحادات العمال، التي تمثل المهندسين والصيادلة والمحامين والصحافيين والأطباء وغيرها، قد دعت يوم الأربعاء إلى إضراب مشترك، وبدا هذا وكأنه ثورة ضريبية من الطبقة المتوسطة المهنية، وكان هذا هو الحال من عدة طرق، لكن حركة شبابية معروفة بالحراك نزلت إلى الشوارع أيضا، وانتشرت الاحتجاجات مباشرة، ليس في عمان فحسب، لكن أيضا في إربد ومأدبا والكرك وجرش ومعان والزرقاء والمفرق والطفيلة، وفي أنحاء البلاد كلها". 

 

ويجد الكاتب أنه "على خلاف التظاهرات السابقة، فإن هذه الاحتجاجات ليست متجذرة في مصادر السياسة التقليدية، أي في الأحزاب اليسارية والإخوان المسلمين أو الأحزاب الإسلامية الأخرى، ففي الانتخابات الاخيرة خسر الإسلاميون قيادة عدد من النقابات، وحتى النقابات المدنية لم تعد إسلامية كما كان هو الحال في الماضي، وبالتأكيد فلا النقابات أو الاحتجاجات يمكن التقليل من شأنها على أنها كـ(المعتاد)، بحسب ما سيقول المعارضون لها، وبدلا من ذلك فقد تراوحت التظاهرات من مكان لآخر، ومثلت الطيف الأيديولوجي، وتمثل أجيالا عدة مع الطبقة المتوسطة والعاملة من الأردنيين، وشارك الشباب والشابات بالآلاف، وشملت الكثير من التظاهرات على الرجال والنساء، وقادت النسوة الهتافات، وشارك الجميع بصفتهم مواطنين، وليس باعتبارهم أعضاء في أحزاب ومنظمات معينة".

 

ويستدرك ريان بأنه "مع أن الاحتجاجات ليست جديدة في الأردن، إلا أن عمق ومستوى المشاركة فيها مهمان جدا، فهي تمثل طيفا متنوعا من المجتمع الأردني، ولهذا فهي أقل عرضة للهجمات من النخبة المعادية للإصلاح، التي عادة ما يهاجم أفرادها، وبشكل روتيني، التظاهرات بأنها تعرضت لاختطاف جماعات هوية أو أيديولوجية (وعادة ما يلام الإخوان المسلمون أو قوى خارجية تتلاعب بالسياسة المحلية)".

 

ويلفت الباحث إلى أن "العناصر المعادية للإصلاح في النظام استخدمت في الماضي هذه الاستراتيجيات التأطيرية لإثارة أسئلة حول وطنية المشاركين، وبالتالي شرعية التظاهرات والمتظاهرين، وكان المتظاهرون يعلمون هذا الأمر، وتعلموا من احتجاجات سابقة، ولهذا حمل الكثيرون الأعلام الأردنية، وأكدوا سلميتها كلما اقتربوا من قوات الأمن".

 

ويؤكد ريان أن "الأزمة الاقتصادية في الأردن حادة، ومستوى الدين يعادل تقريبا مستوى الدخل القومي العام، وعادة ما صنفت عمان بأنها من أغلى العواصم للعيش فيها، مع أن الأردن ليس دولة نفطية، وهو ما يجعل الحياة لمعظم الأردنيين كفاحا حقيقيا، ويشهد البلد سلسلة من الإصلاحات المتنوعة النيوليبرالية، بما في ذلك الخصخصة التي بدأت عام 1989، والتراجع المستمر لالتزام الدولة بالرفاه الاجتماعي، وزادت معدلات البطالة بين الشباب بشكل مستمر، وحتى من وجد عملا منهم فإن الرواتب والأجور تجمدت، ولم تعد متناسبة مع ارتفاع كلفة الحياة اليومية". 

 

ويذكر الكاتب أن "الأردن حصل بسبب سياسته الخارجية على دعم اقتصادي من الدول الكبرى والمؤسسات المالية الدولية، إلا أن هذه الروابط جاءت بشروط معها، ومرة أخرى تمثل الأزمة المالية وإصلاح صندوق البنك الدولي تحديا للسياسة المحلية الأردنية، لكن في هذه المرة كانت هناك عاصفة تتخمر، بحيث جعلت من الإصلاحات غير قابلة للتطبيق، بل كانت خطيرة، فزادت كلفة الحياة في الأردن نتيجة للاضطرابات الإقليمية، حيث تدفق اللاجئون السوريون على البلاد هربا من فظائع الحرب، بالإضافة إلى أن التحولات في التحالفات الإقليمية، خاصة المحور الأمريكي السعودي الإسرائيلي، الذي عمل على تهميش الأردن، وإن بشكل جزئي، وأجبر الدولة على التفتيش عن مصادر دعم خارجية أخرى".

 

ويذهب ريان إلى أنه "في ظل غياب مصادر الدعم الخارجية، أو عدم التيقن من وصولها، وارتفاع مستويات الأزمة، فإن الأردن لجأ إلى فرض الضريبة بصفتها مصدرا من الموارد المهمة لخزينة الدولة، فزاد قانون الضريبة الضرائب، وحاول فرض الضريبة والتحرك ضد المتهربين عن دفعها، وبناء على القانون الجديد، فإن معظم الأردنيين معفيون من دفع الضريبة، خاصة أن معظم السكان من ذوي الدخل المتدني، أو يحصلون على الحد الأدنى من الأجور، فثار المهنيون ضدها، إلا أن معظم الأردنيين تأثروا من زيادة الضريبة على المبيعات بنسبة 16%، وزيادة أسعار الغاز والكهرباء".

 

وينوه الباحث إلى أن "التظاهرات دعت للتغيير، فطالب بعضهم بالإطاحة برئيس الوزراء وحكومته، ودعا آخرون إلى حل البرلمان، أما البعض -خاصة من الطفيلة- فإنهم هتفوا ضد الملك، وهو ما لم يفعله المعظم، وركزت غالبية المشاركين على السياسات دون التطاول على رموز معينة في الحكومة أو الدولة، ودعا المعظم إلى إلغاء سياسات التقشف، وتأكيد سيادة الأردن ضد المنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي".

 

ويتوصل ريان إلى أن "هذه التظاهرات في جزء منها ثورة ضريبية، وكذلك احتجاجات ضد التقشف الاقتصادي وزيادة الأسعار وعدم القدرة على مواجهة الكلفة اليومية للمعيشة، وضد الفساد في الحياة العامة، وضد حكومة يعتقد معظم الأردنيين أنها لا تستجيب لهم وبعيدة عن معاناتهم اليومية".

 

ويشير الكاتب إلى أن "الكثيرين صرخوا (خبز وحرية وعدالة اجتماعية)، فيما استخدم آخرون هتافات أخرى تشير إلى أن الأردنيين ليسوا آلة صرف مالي للحكومة، حيث يشعر الكثيرون أنهم لا يستطيعون الحصول على قوت يومهم، ولهذا يشعرون بالسخط على تحملهم الإجراءات الاقتصادية الصعبة، خاصة أنهم لا يصدقون أن الحكومة والأغنياء يقدمون التضحيات ذاتها، ويرى البعض أن الكيل طفح و(كفى)".

ويفيد ريان بأن "الكثيرين استخدموا كلمة مواطن لتأكيد مطالبهم، فهم مواطنون لا رعايا، ولهذا يتحدثون عن المواطنة والعدالة الاجتماعية والحقوق، وهذه اللغة ليست جديدة، لكنها أصبحت جزءا من معجم الاحتجاجات في تظاهرات 2011- 2013، والتظاهرات الواسعة ضد اتفاق الغاز مع إسرائيل في السنوات الأخيرة". 

 

ويبين الباحث أن الملك عبدالله الثاني قام في اليوم الثالث بالتحرك وعلق الإجراءات، وبعد ذلك قال معظم أعضاء البرلمان إنهم سيعارضون قانون الضريبة، فيما دعا الملك للحوار الوطني في القضايا مثار الاحتجاج، مشيرا إلى أنه بعد خمسة أيام من الاحتجاجات حقق المحتجون هدفا، وهو الإطاحة برئيس الوزراء وحكومته، حيث قبل الملك في 4 حزيران/ يونيو استقالتها.

 

ويقول ريان إن "رئيس الوزراء عمر الرزاز، الذي كان وزيرا للتعليم، وتولى مسؤولية عدد من المبادرات، منها واحدة لتقوية الشباب، على خلاف سلفه، فهو داع للإصلاح، ورجل ليبرالي، وهو اقتصادي، وموظف سابق في البنك الدولي، ولهذا يتوقع الشخص عددا من ردود الفعل على تعيينه".

 

ويضيف الكاتب أنه "لو طلب من الأردنيين الدفع أكثر في عدد من الإصلاحات الضريبية، أو تخفيض الحكومة الدعم، فإنهم يتوقعون في الحد الأدنى دورا أكبر في تقرير كيف ولماذا حدث هذا، ويتوقعون رؤية زيادة في الخدمات، ويشعر الكثيرون من فقراء الأردن أنهم يتحملون، ومنذ عقود، كلفة الإصلاحات، ولم يعد لديهم ما يقدمونه".

 

ويختم ريان مقاله بالقول إن "النقاش هنا يجب ألا يكون متركزا حول نجاة النظام، أو استقرار الدولة، لكن حول سياسة أبعد من اهتمامات الدولة، عن المواطنين العاديين، الذين يكافحون من أجل حياة كريمة، والحصول على فرص اجتماعية واقتصادية حقيقية ومستقبل حقيقي، وعن حكومة تستجيب ومسؤولة، وعن المواطنة الفاعلة في الأردن، التي لا تنجو فقط لكنها تزدهر، وليس فقط لصالح النخبة، بل للأردنيين كلهم".

التعليقات (0)