قضايا وآراء

هل ينجح حزب السعادة التركي؟

عادل راشد
1300x600
1300x600

في الحالة التركية شديدة التعقيد، عنيفة التحديات الداخلية والخارجية أتناول جانباً منها أزعم أن نظرتي له قد تكون الأقرب للصواب لخوضي إياه عن قرب واحتكاكي به عن كثب، ذلك الجانب هو ممارسات حزب السعادة التركي، وفي البدء أريد أن أؤكد على جملة من الحقائق لا يمكن تجاوزها.


أولا: أن المؤسس عليه رحمة الله البروفيسور نجم الدين أربكان هو علامة مضيئة في تاريخ تركيا المعاصر لا ينكر فضله إلا جاحد، فأربكان هو من واجه العلمانية الشرسة التي تعلن عداءها للدين مباشرة، ووقف في وجه العسكر رغم معرفته بما يجره عليه ذلك من مخاطر، وتمتع بالصبر اللامحدود فكلما أُغلِق في وجهه باب فتح باباً آخر وقد مر الحزب بمراحل وأسماء خمسة حتى أصبح على ما هو عليه الآن، ووصل الرجل بصبره وثباته إلى رئاسة الحكومة ثم تعرفون ما تلا ذلك من انقلاب عليه وعزل وحكم بالسجن، وفي الجملة أقول قبل أن يزايد مزايد أن أربكان هو أهم من أسس للنجاحات التي تلته حتى الآن وأنه لولا أربكان ما كان أردوغان.


ثانيا: من خلال احتكاكي المباشر بقواعد الحزب ورئاسته فمن الإنصاف أن أقول إن شباب الحزب وكذا شبيبة الأناضول التابعة له وفتيات الحزب كذلك هم من أطهر وأنقى الشباب والشابات التركيات، شباب ملتزم على خلق ودين، وشابات لا يتمتعن بالحياء فحسب بل هن الحياء ذاته والعفة والطهر والالتزام والاحتشام، ويجمعهم جميعا العاطفة الجياشة نحو الإسلام وأمة الإسلام.


فلماذا وكيف تعادي قيادات حزب السعادة الرئيس أردوعان وكيف يكون هذا الشباب الطاهر هم وقود معارك الحزب الخاسرة قيميًّا وواقعيًّا.


ذلك ما يلخصه حوار دار بيني وبين مجموعة رائعة من شبابهم حول العمل على القواسم المشتركة وما أكثرها ومواجهة التحديات الحقيقية والخصوم الحقيقيين والتنسيق مع العدالة والتنمية في المواقف الكبرى تنسيق يحقق في حده الأدنى استفادة حزب السعادة ببعض البلديات التي له فيها نصيب وترك المنافسة في البلديات التي يخسر فيها العدالة والتنمية بفارق بضع مئات من الأصوات والنتيجة بالطبع ليست لصالح حزب السعادة وإنما لغيره، وهذا التنسيق يحقق للحزب بعض النجاحات بدل هذا الفشل المزري الذي لا يحصل بموجبه على واحد في المائة من الأصوات ولا يتأهل لدخول البرلمان ولا البلديات، لقد كان حواراً عميقاً استحسن فيه الشباب كثيراً مما قلت وإذا بصوت عالٍ جاء من أقصى القاعة يسعى، صاحِبُهُ هو المسؤول عن هؤلاء الشباب قال: لقد خان أردوغانُ أربكانَ وتركه.


قلت: لقد اختلف معه حول الوسائل والآليات وليس على الأهداف والغايات ولقد ظهر بعد ذلك صحة اختياراته وصواب مساراته وفقا للمرحلة ومتطلباتها. قال: كيف تقارن بين أردوغان وأربكان أو تجمع بينهما! 


قلت له: ماذا تشغب على أردوغان؟


قال: إنه يترك التبرج والسفور مع أنه يملك أن يمنعه.


 قلت: وهل فعلها أربكان في حكومته؟ وأردفت قائلاً: لقد كانت نائبته والتي كانت بموجب الاتفاق بينهما ستتناوب رئاسة الحكومة معه السيدة تانصو جيللير التركية المتبرجة.


قال: كان أربكان يسعى لوحدة الدول الإسلامية السبع أو الثمان الكبرى على نمط دول أوروبا الصناعية السبع الكبرى.


قلت: وتلميذه أردوغان يسعى لوحدة العالم الإسلامي كله


 قال: إنه لم يقطع العلاقات مع إسرائيل


 قلت: وأربكان لم يفعل ليس لأنه راض عن ذلك ولكن لعدم القدرة عليه في حينه وعدم الجاهزية لتداعياته أما تلميذه أردوغان فإنه يترك السفارة ويلعن السفير ورئيس السفير ودولة السفير ويقول إنها دولة إرهابية، وموقفه مع شيمون بيريز في دافوس معلوم للكافة وعداؤه لإسرائيل لا يخفى عليهم ولا على أحد، ومساعدته لفلسطين ومساندته لقضيتها لا ينكرها إلا جاحد.


وظل الرجل يسوق الأدلة وهو متجهم الوجه ويجد الإجابات الدامغة واستحسان الشباب لذلك، فجاء بالصاعقة لينهى الحوار خوفاً على الشباب من منطق الحوار.


قال: إننا مختلفون معه في العقيدة.


قلت له" مه! ماذا تقول!


قال: أقول ما سمعت! 


قلت: أتعرف معنى الخلاف في العقيدة؟! أأنتم تكلمون الشباب عن الجهاد وتزرعون في نفوسهم أن أردوغان هو الطاغوت الذي ينبغي أن يُقاوَم؟؟ 


أليس هذا الطاغوت وحزبه هم الذين صنعوا جو الحريات هذا الذي لا يمنعك أن تقول ما تقول، وجاهدوا وما زالوا يجاهدون من أجل ذلك موقنين أن هذا المناخ يترعرع فيه الإسلام أكثر وأسرع من غيره وتمتد جذور شجرته في الأعماق وفروعها إلى السماء. وخَيم الصمت على المكان فهيهات أن تقنع مثل هذا العقل. وانصرفت وأنا أتحسر على هذا الشباب الطاهر الذين كانت أعينهم ترمقني وفيها كلام كثير.


تذكرت هذا الحوار الذي مضى عليه وقت غير قليل وأنا أتابع تحركات قيادات الحزب العجيبة والتي توالي في الله من لم يسجد لله سجدة وتعادي في الله من يفتح لهم الآفاق ويتودد إليهم ولا ينالهم منه إلا الخير، فيصوبون سهامهم في المعركة الخطأ وعلى الخصم الخطأ. 


وقبل أن يصوبوا سهامهم على من ينتقدهم أوينصحهم فليعيدوا قراءة بدايات المقال لعلهم ينجحوا في استيعاب ماض مشرق وشباب طاهر يتوجهوا به التوجه الصحيح.


2
التعليقات (2)
شريف عبدو
الثلاثاء، 05-06-2018 11:35 م
شكرا لك يا كاتب المقال فقد أحسنت صنعا في كتابتك هذه وكشفت ضمنيا وربما علتيا أن المسلمين "معظم المسلمين" يعانون من قصر الرؤية في الأمور الإستراتيجية ومبتلون شر الإبتلاء بالإستعجال في قطف الثمار والوصول إلى النتيجة بين عشية وضحاها. إنه أمر يحتاج إلى علاج عميق ومتأن من القيادات بصورة عامة ومن الرئيس أردوغان بصفة خاصة وفقه الله خير توفيق إن شاء الله.
مصري جدا
الثلاثاء، 05-06-2018 08:56 م
لا نعرف قيمة الاشياء حتى القبيحة الا بعد ان نفقدها ،،، غالبية الشعب العراقي والليبي والمصري واليمني يتحسر على ايام صدام والقذافي ومبارك وصالح ،،، فهل هم فعلا محقون