صحافة دولية

فورين أفيرز: كيف استطاعت قطر تجاوز أزمة الخليج؟

فورين أفيرز: ضغط دول الحصار على الدوحة لم ينجح- جيتي
فورين أفيرز: ضغط دول الحصار على الدوحة لم ينجح- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للزميل المتخصص في الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، كريستيان كوتس أولريتشسن، حول الحصار الذي فرض على قطر في حزيران/ يونيو 2017، وكيف استطاعت قطر التعامل معه وتجاوز آثاره.

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن كلا من البحرين والسعودية والإمارات قامت في عام 2014 بسحب سفرائها من قطر؛ وذلك لغضبها من سياسات الأخيرة بعد الربيع العربي، التي نظر إليها على أنها داعمة للحركات الإسلامية، لافتا إلى أنه مع أن هذه الأزمة حُلت بعد تسعة أشهر، إلا أنها علمت القيادة القطرية أن هذا الأمر قد يتكرر.

 

ويبين أولريتشسن أنه "مع ذلك، فإن المقاطعة الِإقليمية فاجأت المراقبين الدوليين، وبعد إعلانها بيوم واحد صدم الرئيس دونالد ترامب الدوحة ووزيريه للخارجية والدفاع بسلسلة من التغريدات المؤيدة للحصار، مشيرا إلى أن قطر تؤيد التطرف، وقطر كغيرها من دول الخليج تعتمد في دفاعها على الولايات المتحدة، وفي وجه الضغط الشديد من دول أكبر وأقوى بدت قطر في وضع سيئ". 

 

ويستدرك الكاتب بأنه "بعد عام من الحصار يبدو أن قطر تفوقت على منافساتها، فعلمت أزمة 2014 قطر أهمية وجود خطط طوارئ، وفي وجه لعبة النفوذ الإقليمي الأخيرة، وتأييد ترامب غير المتوقع للحصار، سارعت قطر لبذل جهودها لتنويع اقتصادها، وتوسيع شراكاتها الدولية، والتقليل من تأثرها بالصدمات الخارجية، ومع أن الحصار لا يزال مفروضا، إلا أن قطر أثبتت أنها أكثر مرونة مما توقع الكثيرون".  

 

ويلفت أولريتشسن إلى أنه "قبل الحصار كانت أربعة أخماس واردات قطر من المواد الغذائية تدخل إليها برا من السعودية، أو بطريقة غير مباشرة من خلال طرق شحن برية تمر بالموانئ الإماراتية، مثل جبل بن علي، لكن في حزيران/ يونيو 2017 قامت كل من السعودية والإمارات بإغلاق الموانئ أمام البضائع المتوجهة لقطر، ومنعت الإمارات السفن القطرية من التزود بالوقود في الفجيرة، وهذه القيود أثرت على ناقلات النفط، التي كانت في السابق تحمل النفط الخام مع مثيلاتها من الكويت وعمان والسعودية والإمارات، لكن من المهم الإشارة إلى أن مصر لم تمنع قطر من استخدام قناة السويس، أو الطلب من المصريين، الذين يبلغ عددهم 300 ألف، مغادرة قطر، كما فعلت كل من البحرين والإمارات والسعودية، ولو حصل أي تحرك مثل هذا لأثر على تصدير الغاز المسال للأسواق الأوروبية، وأثر ذلك على الدوائر الرسمية في قطر، حيث توظف العديد من المصريين في مكاتبها".

 

ويفيد الكاتب بأنه "مع إغلاق معظم طرق التجارة التقليدية كان على قطر أن تبحث عن ترتيبات بديلة، وكانت قطر قد بدأت بتعديد شراكاتها الإقليمية والدولية بعد أزمة 2014، فاستخدمت قطر إمكانيات جهاز قطر للاستثمار الكبيرة، والأجهزة ذات العلاقة بتكثيف الاستثمار في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وروسيا، واشترت أسهما في كبرى الشركات في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، مثل سان جيرمان في باريس، و(دوتش بانك) في ألمانيا، و(كناري وورف) في لندن، وأصبحت شريكا رئيسيا في البنك الزراعي في الصين، واستثمرت في السياحة والطاقة ومشاريع البنى التحتية في آسيا، وأطلقت مشاريع مشتركة في قطاعات الأغذية والأمن والتجارة والاستثمار في الهند، وهذه العلاقات ساعدت في إعادة هيكلة طرق التجارة والشحن، فالهند مثلا أنشأت خدمة حاويات تربط قطر بميناءين هنديين خلال عشرة أيام من بداية الحصار".

 

وينوه أولريتشسن إلى أن "احتياطي قطر الضخم من الغاز الطبيعي، وكونها أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، ساعداها في جلب مجموعة الشركاء الخارجيين، الذين يهمهم استقرارها وأمنها، فمع حلول عام 2017 كانت قطر ثاني أكبر مورد للغاز المسال لكل من الصين واليابان، وموردا أساسيا للهند وكوريا الجنوبية ودول الآسيان، بالإضافة إلى أن بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وبولندا تشتري كميات كبيرة من الغاز المسال من قطر، وفي آذار/ مارس 2017 وافقت شركة النفط والغاز البولندية على مضاعفة مشترياتها من الغاز القطري المسال؛ للتقليل من اعتمادها على الغاز الروسي، وربما لم يكن تأثير الطاقة القطرية أكبر منه في المملكة المتحدة، وليس ذلك فقط لأن قطر وفرت 93% من حاجة بريطانيا للغاز بين عامي 2014 و 2016، لكن لأنها أيضا أصبحت مالكا لمعظم أسهم شركة (ساوث هوك غاز)، التي تشغل محطة الغاز المسال في ويلز، والتي تستقبل شحنات الغاز". 

 

ويجد الكاتب أن "صفقات الطاقة هذه جعلت من الصعب على رباعي الحصار الحصول على أي دعم دولي، ولا حتى إقليمي لعزل قطر، عدا عما حصلوا عليه ابتداء من الدائرة المقربة من الرئيس ترامب، وهذا بعث برسالة مهمة مفادها بأن أبواب التجارة القطرية لا تزال مفتوحة". 

 

ويبين أولريتشسن أن "الدوحة تأقلمت بسرعة مع الوضع الطبيعي الجديد، وتزايدت التجارة بين قطر وعمان بنسبة 144% عام 2017، حيث تم تحويل السفن القطرية للموانئ العمانية، وزادت التجارة مع إيران والصين وباكستان وتركيا بشكل كبير بعد الحصار، وفي شباط/ فبراير 2018 أعلنت (قطر بتروليوم) بأنها ستزيد من إنتاج الغاز المسال من 77 مليون طن إلى 100 مليون طن في العام مع حلول عام 2024، ما أثار الاهتمام في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية، وفتح الآفاق أمام أسواق إضافية على المديين المتوسط والبعيد".


ويشير الكاتب إلى أن "قطر قامت بخطوات منطقية لتعزيز أمنها، من خلال شراء أسلحة وتطوير شراكات، ففي 2014 اشترت قطر أسلحة من الصين بحوالي 24 مليار دولار، ومع حلول الأزمة الثانية قامت قطر بتعزيز إمكانياتها الدفاعية بشراء منظومة صواريخ بالستية صينية، التي قامت باستعراضها في احتفالات اليوم الوطني القطري في كانون الأول/ ديسمبر 2017". 

 

ويرى أولريتشسن أن "الأهم من ذلك على المدى القصير كان علاقة قطر بتركيا، ففي 2014 بدأت الدولتان تبحثان في اتفاقية تعاون عسكري، وفي نيسان 2016 فتحت تركيا قاعدة عسكرية تركية في قطر، وخلال يومين من بداية الحصار قام البرلمان التركي بعقد جلسة استثنائية، صادق فيها على إرسال قوات تركية إلى قطر، والسماح لها بتدريب القوات الأمنية القطرية، وخلال أسابيع قامت تركيا بإرسال الجنود الى الدوحة للقيام بتدريبات مشتركة، رافعة بذلك تكلفة أي عمل عسكري محتمل ضد قطر، بإرسال رسالة واضحة للخصم بأن قطر لن تكون وحدها ضد أي هجوم".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "قطر وقعت على عقود شراء طائرات مقاتلة جديدة من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، فعززت هذه الإجراءات من إمكانيات سلاح الجو القطري ومرافق التدريب والدعم المرتبطة به، بالإضافة إلى أنها انطوت على رسائل سياسية أيضا، فصفقة الطائرات الفرنسية وقعت أثناء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للدوحة، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، في إشارة إلى دعم فرنسا لقطر بالرغم من الحصار، وفي الوقت ذاته فإن صفقة الطائرات من بريطانيا، بقيمة 6.7 مليار دولار، أمنت إنتاج طائرات تايفون إلى عقد العشرينيات، وضمنت آلاف الوظائف في الشركة المنتجة (بي أيه إي)، كما تضمنت الصفقة تدريبا يقوم به سلاح الجو الملكي البريطاني لطياري سلاح الجو الأميري القطري على الطائرات الجديدة".

 

ويذهب أولريتشسن إلى أن "الصفقة مع أمريكا كانت رسالتها أقوى، فمع أن الصفقة، التي تكلف 12 مليار دولار، بدأ التفاوض بشأنها قبل الحصار، لكن تم توقيعها بعد ثمانية أيام من مهاجمة ترامب لقطر على (تويتر)، وهو ما شكل فرصة لوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، بالتأكيد على أهمية قطر بصفتها شريكا مهما لأمريكا، كما أن قطر كانت أول دولة خليجية توقع مذكرة تفاهم مع أمريكا على مكافحة الإرهاب في تموز/ يوليو 2017، وبعد أشهر قليلة عقدت حوارا في واشنطن حول مكافحة الإرهاب، وفي كانون الثاني/ يناير 2018، أطلقت الحوار القطري الأمريكي الاستراتيجي، وأمام هذا تراجع ترامب، وامتدح في مكالمة هاتفية للأمير تميم بن حمد آل ثاني قطر بصفتها شريكا في الحرب ضد الإرهاب، ودعا لحل سريع للأزمة الخليجية".

 

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه "بالإضافة إلى الشراكات، فإن قطر سرعت من جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، فأنشأت وزارة الدفاع ذراعا استثمارية أسمتها شركة (برزان القابضة)، وهدفها الأساسي بناء الرصيد التكنولوجي والبشري، فمثلا قامت بتوقيع عقد مع شركة (أسيلسان) الدفاعية التركية لنقل بعض التكنولوجيا والأبحاث والتطوير إلى قطر، كما أن الحصار حسّن من أمن قطر الغذائي، حيث اضطرها لتجاوز الاعتماد على المنتوجات الزراعية المستوردة من السعودية".

التعليقات (0)