مقالات مختارة

الإرهاب كما تصوره لنا وسائل الإعلام

محمد قيراط
1300x600
1300x600

إن عملية إنتاج الأخبار تخضع في غالب الأحيان إلى ما يسمى بتحديد الأجندة؛ حيث تنتقي وسائل الإعلام عددا معينا من الأحداث والأخبار وتقصي المئات، بناء على ما تراه أخبارا تنسجم مع أولوياتها وأهدافها ومصالحها الاقتصادية.

 

من جهة أخرى تخضع عملية صناعة الأخبار كذلك إلى ما يسمى بعملية التأطير التي ما هي في حقيقة الأمر إلا عملية بناء الواقع الاجتماعي. عملية التأطير إذن هي عملية وضع أطر معينة لإعطاء دلالة معينة وإطار محدد وسياق، يرى الصحفي والمؤسسة الإعلامية أنه ضروري لبناء الواقع الاجتماعي وليس لتصوير هذا الواقع. فالتأطير الإعلامي هو عملية مستمرة ومتواصلة لصناعة الواقع اليومي للجمهور، وإمداده بالمعلومات الضرورية التي يحتاجها في حياته اليومية. من جهة أخرى تسمح عملية التأطير للصحفيين باكتشاف وتحديد المادة الإعلامية وتعليبها بسرعة فائقة لتقديمها للجمهور. 


تقوم نظرية تحديد الأجندة أساسا على عملية "التأطير" framing حيث إن التركيز على قضايا وإهمال قضايا أخرى يعني وضع هذه الأحداث وهذه القضايا في سياق معين وخلفية محددة، وفق أطر يراها صانع الرسالة الإعلامية – الصحفي- والمؤسسة الإعلامية والبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ملائمة لفهم الحدث والقضية. فالتأطير هو "انتقاء وتسليط الضوء على جوانب معينة من الأحداث والقضايا، وإبراز الترابط بينها بهدف خلق وتطوير تفسير وتقييم وتقديم حل للقضايا المطروحة".

 

فالأخبار ليست بريئة وليست سلعة مجردة، وإنما هي منتج فكري ومعنوي تُقدم للجمهور من الزاوية التي يراها الصحفي صحيحة وملائمة وتفي بالغرض، وعلى حد قول الصحفي الأمريكي دون شابمان: "الأخبار هي ما أقرر أنا أنها أخبار".  فبالنسبة لغوفمان عملية التأطير هي عملية بناء محدد للتوقعات التي تراها المؤسسة الإعلامية ضرورية ليدرك الجمهور الحدث. فهي عملية مقصودة وجزء من عملية صناعة الخبر، يقوم بها القائم بالاتصال من أجل تقديم الحدث وفق إدراكات وأحاسيس الناس وفهمهم لما يحيط بها محليا ودوليا.


تمر عملية التأطير بعدة مراحل لتقديم المنتج الإعلامي النهائي للجمهور. فالخطوة الأولى تتمثل في حكم الصحفي وتقييمه للحدث؛ حيث إنه يصدر أحكاما واعية أو غير واعية، إرادية أو غير إرادية انطلاقا من البناءات الإدراكية والمعرفية وإطاره المرجعي، ومعتقداته وقناعاته التي تراكمت لديه من خلال عقود من الزمن من الممارسة الإعلامية، ومن خلال تفاعله مع البيئة التي يعيش فيها. أما المرحلة الثانية فتتمثل في وضع الحدث وفق الأطر المهنية والقيم الخبرية والخط الافتتاحي للمؤسسة الإعلامية ونظمها الظاهرة والخفية. أما المرحلة الثالثة فهي قراءة في الأطر  الخاصة بالجمهور، حيث يأخذها القائم بالاتصال بعين الاعتبار في تأطير الحدث. أما المرحلة الأخيرة فهي حصيلة تشابك وتداخل السياسات والممارسات المهنية وخلفية القائم بالاتصال ونوعية الحدث وخلفياته الثقافية والسياسية والأيديولوجية وموقعه في اهتمامات الجمهور، فتكون عملية التأطير من القائم بالاتصال والنص والمتلقي والثقافة.


تبدأ عملية التأطير بثقافة المجتمع ونظرته للإرهاب، وهنا نلاحظ بصمة الإطار الذي تحدده الحكومة من خلال مواقفها وبياناتها وتصريحات كبار السياسيين والمسؤولين. من جهة أخرى قد تكون هناك جماعات مختلفة في المجتمع المدني قد تؤثر في صناعة الأطر التي تتبناها وتعتمدها وسائل الإعلام. إطار الأخبار إذن يتشكل من خلال ثقافة المجتمع والإطار الذي تشكله الحكومة حول الحدث الإرهابي والمنظمات الفاعلة في المجتمع، ولو أن تأثيرها يكون محدودا في غالب الأحيان. الإطار الذي تتبناه وسائل الإعلام في تغطية الحدث الإرهابي يشكل الرأي العام، بالإضافة إلى التجربة الشخصية للفرد وتواصله مع الآخرين ومؤشرات العالم الحقيقي؛ فعملية التأطير لحدث إرهابي في أي مجتمع تتم عبر ثلاثة عوامل رئيسية؛ تتمثل في الرهانات والقضايا التي تحيط بالحدث الإرهابي نفسه، والطريقة التي تُقدم وتُفسر وتُحلل بها هذه الأحداث من قبل المصادر الرسمية في الحكومة (بيانات صحفية، خطب، مؤتمرات صحفية من قبل قادة سياسيين، ناطقين رسميين باسم الجيش، الأمن، المخابرات، وكذلك خبراء ومحللون. وأخيرا من خلال البيانات والتصريحات والمقابلات الصحفية مع المختصين الذين يقدمون التحاليل والتفسيرات لدوافع الإرهابيين ومطالبهم". 


فالتغطية الإعلامية للتطرف والإرهاب ليست بريئة، بل هي مركب من الآليات المهنية والأيديولوجية والاجتماعية والثقافية، يجب فهمها جيدا لفهم كيف تشكل وتحدد وسائل الإعلام فهمنا للواقع. فمن خلال استعراض تغطية حادثة شارلي إبدو وشابل هيل، وكذلك الحرب على غزة وحادثة 11 سبتمبر 2001 و11 سبتمبر 1973 في شيلي، وكذلك ظاهرة الإسلاموفوبيا وتناولها من قبل الإعلام الغربي، تم شرح الأطر المختلفة التي يستعملها الإعلام في أثناء تغطيته للتطرف والإرهاب.

 

ففي حادثة شارلي إبدو ركزت وسائل الإعلام على عملية اقتراف الجريمة من قبل الإرهابيين، لكنها أهملت جوانب عدة من الحادثة ولم تضعها في سياقها الصحيح، ولم تحاول الإجابة على عدة أسئلة مهمة. علقت الصحفية الأمريكية سالي كوهين، وهي كاتبة رأي بموقع "ديلي بوست" ومعلقة سياسية في شبكة "CNN" على حادثة شارلي إبدو، في سلسلة تغريدات: "لقد غطت وسائل الإعلام الأمريكية خبر قيام مسلمين بقتل آخرين في فرنسا بشكل متواصل لعدة أيام، لكن لا تغطية مماثلة لمقتل مسلمين هنا في أمريكا". وتابعت كوهين: "مهاجم إسلامي يساوي إرهابي، مهاجم أسود يساوي بلطجي، مهاجم أبيض يساوي مجرد خلاف على مكان ركن السيارة"، متسائلة بغضب عن سبب غياب التغطية الواسعة في أمريكا لما يجري قائلة: "لو أن مسلما قتل 3 طلاب من أصحاب البشرة البيضاء، لكانت القضية اليوم تهيمن على التغطية الإعلامية".

 

أما بالنسبة للحرب على غزة، وانطلاقا من نظرية التأطير، فلقد أصبح الجانب الفلسطيني هو المعتدي، بينما الجانب الإسرائيلي هو الطرف الحريص على الأمن، وهو الضحية والمعتدى عليه كما نسبت وسائل إعلام غربية مشاهد من الدمار الذي لحق بالمواطنين العزل في غزة، جراء القصف الإسرائيلي لبيوتهم وتقديمه للمشاهد على أنه لضحايا إسرائيليين طالتهم صواريخ المقاومة الفلسطينية.

 

أما بالنسبة لـ 11 سبتمبر الشيلي والأمريكي، فالتأطير الإعلامي جعل من 9/11 الذي راح ضحيته 4000 شخص على لسان العام والخاص في العالم بأسره، أما 11 سبتمبر 1973 الذي راح ضحيته 40 ألف شخص، فلقد صنفته وسائل الإعلام في خزائن النسيان.

 

أما بالنسبة لظاهرة الإسلاموفوبيا، فأصبحت كلمة العرب والمسلمين مرادفة للإرهاب والجهل والتعصب وإقصاء الآخر، وأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها تنسج وتبني صورا نمطية وأنظمة فكرية، ومعتقدات وادراكات تجعل من العربي ومن المسلم معاديا للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. فالعالم يشاهد تناميا كبيرا لهذه الظاهرة في ظل تشويه وتزييف وتضليل منهجي ومنظم.

 

الشرق القطرية

2
التعليقات (2)
ابو العبد الحلبي
السبت، 16-06-2018 12:36 م
أصل معنى الظلم أنه وضع الشيء في غير مكانه أو محلَه الصحيح عن قصد . بهذا المعنى ، يكون الإعلام العالمي (الذي يستقي منه إعلامنا الإقليمي الأخبار) شديد الظلم لأن غالبية ما ينقله من أخبار و تقارير و تحليلات تجافي الواقع و تتعمد الكذب. <br>قد يقول قائل أن آلة الإعلام العالمية تمارس الدجل من أجل خداعنا نحن كأمة مستهدفة (بضم الميم) و لكن من لديه متابعة لهذه الآلة ، بلغاتها الأصلية، يدرك أن النافذين يوجَهون سهام الخداع لشعوبهم و لشعوبنا على السواء من دون تمييز . <br>يدرك المثقفون المطَلعون المتابعون أن الإعلام فيه "تأطير" و توجيه و يعمل ضمن ما تبتغيه الدول العميقة الكبرى أساساً و هي دول يقوم بتسييرها "أقوياء" يهدفون إلى إدامة السيطرة و تضخيم الثروات المادية أو العلو في الأرض . هؤلاء القوم لا تتحكم فيهم مبادئ أو أخلاق ، في عالم اليوم, و إنما مصالح أنانية كريهة، وهم يؤمنون أن القوة تتنافى مع حقوق الآخرين و أن الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت غايتهم دنيئة. <br>ما دام الأمر كذلك ، فالإنسان العادي البسيط بحاجة إلى تعليم مع وجود التدخل السماوي في سير الوقائع على وقع تمييز الخبيث من الطيب مع مرور الزمن. من أساسيات التعليم أن ينظر الإنسان بعين الريبة و الشك لكل ما يأتي من الغرب " المتحكم في العالم" مع تذكير الناس بالمثل الشامي القديم (ما بيجي من الغرب شي بيسرَ القلب) رغم عمومية هذا المثل. ثم بعد ذلك ، ينبغي توعية الناس أن الصورة الزاهية للغرب ليست حقيقة حيث أنه يخضعون لأدوات الدول العميقة المتمثلة بالمخابرات و المحافل السرية التي تعمل من وراء الكواليس. حين يأتيك خبر ، تمهل قبل قبول ما يقوله الإعلام لك و استمع للخبر من جهات متعددة و ابحث عما يسمى "لحن القول" أو "زلات اللسان" ثم اربط الأمور ببعضها و توصل بنفسك للاستنتاج . قد تخطيء في البداية ثم مع الممارسة تكتسب الخبرة و تسير في الدرب الصائب في حكمك على الوقائع من دون أن يصوغ عقلك فلان أو علان حسبما يريد .