مقالات مختارة

مهازل العرب من اليونسكو إلى كأس العالم

محمد قيراط
1300x600
1300x600

بعد المهازل التي حدثت في انتخابات الأمين العام لمنظمة اليونسكو قبل أشهر في باريس، حيث تعجب العالم لموقف دول عربية فعلت المستحيل حتى لا يفوز مرشح قطر بالمنصب رغم أنه أكثر خبرة وتجربة وتأهيلا من المنافسة الفرنسية، ومن منطلق التاريخ يعيد نفسه شاءت الأقدار هذه المرة أن تتقدم المغرب لاستضافة كأس العالم 2026 ومرة أخرى تتعجب دول العالم من دول عربية فضلت ملف أمريكا - المكسيك -كندا على ملف المغرب. وهنا وبكل وضوح يستنتج أي ملاحظ أن العمل العربي المشترك أو أي تجمع يحمل صفة العربي لا يعني أي شيء له علاقة بالتنسيق والعمل المشترك والتحالف من أجل أهداف مشتركة.

 

السنوات الأخيرة كشفت عن أن العرب بعيدون كل البعد عن التحالف في زمن التحالفات من أجل مواجهة التجمعات والتكتلات الإقليمية والجهوية والعالمية. فمن جامعة الدول العربية إلى الاتحاد المغاربي إلى مجلس التعاون الخليجي تنسحب قاعدة "اتفق العرب على ألا يتفقوا". فالتاريخ مع الأسف الشديد يوثق لفشل العرب في التنسيق والتفاهم والتلاحم من أجل الدفاع عن قضاياهم المشتركة والاتحاد من أجل الموقف الواحد للنيل من العدو والتفاوض من موقف القوة. هذه الأيام نلاحظ أن عددا من الدول العربية تتحالف مع العدو ضد القضايا المصيرية المشتركة وضد دول عربية معينة. وأصبحت هذه المواقف والتصريحات علنية وفي ضوء النهار بدون حياء وبدون احتشام. ما فائدة دولة عربية تصوت لملف أمريكا – كندا - المكسيك لاستضافة كأس العالم بدلا من المغرب؟؟؟ وما مصلحة دول عربية تصوت للمرشحة الفرنسية بدلا من المرشح العربي القطري؟؟؟ 


فمنذ أكثر من ثلاثة عقود والعرب يطمحون إلى الحصول على منصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو من خلال ترشيحهم لشخصيات أدبية وثقافية مرموقة لكن بدون جدوى. المساعي للمنصب كانت دائما تتميز بالتشتت وعدم التخطيط وانعدام إستراتيجية محددة ينتهجها العرب للفوز بمنصب المدير العام لليونسكو. فالمعركة على منصب المدير العام لليونسكو بدأت مبكرا بالنسبة للعرب، لكن بدون تخطيط ولا إستراتيجية ولا تشاور بين دول المنظومة العربية. والحصيلة ستكون التشتت وضياع الأصوات وإعطاء الفرصة للمرشحين الآخرين للحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات والفوز بالمنصب.

 

التجارب السابقة ما زالت عالقة في الأذهان والخاسر الكبير كان العرب، لأن عدم التنسيق والتنظيم سيؤدي إلى إضعاف الفرص للفوز. فهل سيتعلم العرب الدرس؟ وهل سيضعون إستراتيجية للتنسيق والعمل المشترك مع التكتلات والمنظومات المختلفة للحصول على مناصب وللحصول على مقابل عندما يعطون أصواتهم للآخرين.

 

فالمؤتمر العام لليونسكو ومجلسها التنفيذي يتكون من أكثر من 200 دولة، وبذلك يجب الاهتمام بكل هذه الدول إذا أراد العرب المناصب التنفيذية العليا. الإشكال الآخر الذي يطرح بخصوص منصب المدير العام لليونسكو هو الفضاء الثقافي والفني والفكري والعلمي العالمي وخصوصيته، والمقصود هنا هو ضرورة الاعتماد على النخبة المثقفة العربية في محاورة المثقفين في العالم ومحاورة الآخر للوصول إلى أصوات الدول الأعضاء والمصوتة في اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية.

 

المشكلة بالنسبة للعرب تتمثل في أزمة المثقف العربي وفي الفجوة الكبيرة بين المثقف والسلطة وفي تهميش وإقصاء المثقف العربي من عملية صناعة القرار، ومن التجارب الفاشلة السابقة للعرب والمحاولات العربية خلال الجولات الثـــلاث الماضية، محاولة عام 1999 حين هزم الياباني ماتسورا السعودي الراحل غازي القصيبي، ثم في عام 2009 حين هزمت البلغارية بوكوفا المصري فاروق حسني، وأخيراً في عام 2013 حين فازت بوكوفا  مرة أخرى بالولاية الثانية على حساب الجيبوتي رشاد فرح واللبناني جوزيف مايلا.

 

في الدورة الحالة هيمنت الصراعات العربية العربية ووصلت إلى قمة السذاجة والانحطاط الأخلاقي عندما وصلت بعض الدول إلى حد التشهير والقيام بالمستحيل للإطاحة بالمرشح القطري لرئاسة اليونسكو. فهذه الدول أصبح شغلها الشاغل هو الوقوف أمام نجاح الدكتور الكواري والعمل على مساعدة منافسيه. 


غريب أمر بعض الدول العربية في تعاملها مع المرشح القطري الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو. بعض الفضائيات العربية خرجت عن أبجديات أخلاقيات العمل الإعلامي وعن الإيتيكت وأعراف ومبادئ الممارسة الإعلامية كما خرجت عن مبادئ احترام المهنة والجمهور وقامت بتقديم تهريج وشتم وتهويل وتشهير وكل ما لا يمت بصلة للعمل الإعلامي. فمنهم من قال "أخذوا كأس العالم والآن يريدون الاستحواذ على اليونسكو"، ومنهم من تعجب "من أمر قطر التي تمول الإرهاب الذي دمر المعالم الأثرية في العالم، هذه المعالم التي تعمل اليونسكو على المحافظة عليها وصيانتها". هناك دول أخرى مولت مظاهرات لشيطنة قطر ووصفها بالدولة الإرهابية.

 

من جهتها، لم تفوّت شبكات التواصل الاجتماعي الفرصة لفعل المستحيل للتشهير بقطر، وبشن حملات دعائية منهجية ومنظمة لفشل المرشح القطري للفوز بالانتخابات. جاءت العناوين في بعض الصحف المصرية والمواقع الخليجية على سبيل المثال لا الحصر صادمة وحاملة لكم هائل من التهم، تتمحور حول شراء المال القطري للأصوات العربية منها والأفريقية وعن ضغطه من اجل الحصول على المنصب، وعادت بعض العناوين لفوز قطر بتنظيم كأس العالم لكرة القدم دورة 2022 وما صاحبه من فضائح واتهامات. وعنونت بعضها "قطر تشتري اليونسكو بـ عزومة" و"رائحة الدوحة الكريهة" في انتخابات اليونسكو " وكتبت أخرى.. "مصر- نواب يطالبون بفضح دور قطر واستخدامها المال السياسي".. وكتب موقع اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري هاشتاغ "أنقذوا اليونسكو من الإرهاب" يتصدر تويتر. بينما كتب موقع اليوم السابع "الرشاوى ومنظمات حقوقية تلعب ضد مصر في اليونسكو"، وعرف تقدم المرشح القطري حملة كبيرة ضده وضد بلده على مختلف وسائل الإعلام وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تأسست صفحات فيسبوكية ضد مرشح قطر، وكذلك أطلقت "هاشتاغات" على تويتر، بعناوين كـ :أنقذوا اليونسكو من رئاسة قطر".

 

قد يتأسف المرء لما وصلت إليه أوضاع العرب الذين أصبحوا ينشرون غسيلهم في عواصم العالم مرة في نيويورك وأخرى في باريس... ودول وشعوب العالم تسخر منهم وتستغل ظروفهم لابتزازهم. والأخطر من ذلك تلك الأوضاع التي وصل إليها الإعلام العربي من انحطاط وانحلال مهني وأخلاقي، حيث أصبحت بعض الفضائيات العربية وبعض الصحف والمؤسسات الإعلامية كتلك الكلاب الهائجة الضالة المسعورة تعمل على تحنيط وتضليل الرأي العام العربي والعالمي وتشويه صورة العرب والانبطاح التام للسلطة ولصاحب القرار، الذي مع الأسف الشديد، ينشر الفساد ويقود البلاد والعباد إلى الهاوية. ففي الوقت الذي تتلاحم فيه دول العالم لمواجهة التحديات الجسيمة من خلال التجمعات والاتحادات والتكتلات نلاحظ تشرذما وتمزقا في الصف العربي الذي أصبح لقمة في متناول المتربصين به، وأصبح العرب يتآمرون ضد بعضهم البعض من أجل إرضاء عدوهم وبيع قضاياهم المصيرية بأبخس الأثمان.

 

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)