قضايا وآراء

تركيا الجديدة!

حمزة زوبع
1300x600
1300x600

ما الذي جعل من الانتخابات التركية الحدث الرئيس في المنطقة، وربما العالم؟

لماذا كل هذا الاهتمام بالرئيس رجب طيب أردوغان؟

السبب هو أن تركيا باتت على وشك الولوج إلى مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر، وهي مرحلة أريد لها أن تظل بعيدة المنال بالنسبة لتركيا (كل تركيا)؛ وبالنسبة لحزبها الحاكم ولرئيسها أردوغان.

الكل كان يسابق الزمن من أجل إيقاف عجلة التنمية التركية لصالح بلدان أخرى ومشاريع أخرى في المنطقة، سواء دول الجوار الأوروبي أو دول التآمر العربي التي ترى في تركيا غولا اقتصاديا؛ سيغزو باستثماراته المتنوعة أسواقا لطالما كانت حكرا على هؤلاء الذين لا يتجاوز عمر دولهم 40 عاما.

 

حين تصبح دولة بحجم تركيا مساحة وعدد سكان؛ منطقة نمو اقتصادي يصل معدل النمو فيها إلى 7.4 في المئة سنويا (في عام 2017)، فهذا أمر لا بد وأن يسترعي انتباه الخصوم والمنافسين


لم أتحدث بعد عن الجوانب السياسية، فهذا حديث يطول، وهو محط أنظار الجميع وموضع تفكير النخب السياسية، خصوصا في المنطقة العربية.

حين تصبح دولة بحجم تركيا مساحة وعدد سكان؛ منطقة نمو اقتصادي يصل معدل النمو فيها إلى 7.4 في المئة سنويا (في عام 2017)، فهذا أمر لا بد وأن يسترعي انتباه الخصوم والمنافسين.

حين تقوم تركيا بإنشاء واحد من أكبر مطارات العالم، بينما بعض الدول النفطية لا تزال ترمم مطارها الوحيد أو تحاول بناء آخر منذ عشرات السنين، رغم الوفرة المالية التي لديها، فهذا يعني أن تركيا التي لديها عشرات المطارات (102 مطار، بينها ثمانية مطارات دولية)؛ لا تفكر في اليوم ولا في الغد، بل تفكر في المستقبل البعيد، وتؤهل نفسها، ليس سياسيا بل تنمويا واقتصاديا، لمشروع هائل يتوقعه الجميع ويخشاه البعض في أوروبا وفي عالمنا العربي.

هذه هي البنية التحتية لمن يريد أن يتعلم كيف تبنى الدول، وليس بناء مدينة جديدة أو عاصمة جديدة وبيع الشقق!!!

حين تقوم تركيا بتطوير منظومة السياحة والصحة والتعليم، فهي تؤسس لجيل مختلف وبلد مختلف وطريقة مختلفة. وهذه الطريقة، وبدون الدخول في السياسة، هي ما يزعج الغرب ويجعله يفكر ألف مرة: كيف يواجه تركيا؟ وما هي خياراته في التعامل مع هذه الدولة التي بدأت في العودة من جديد؟

لا زلت أتحدث في الاقتصاد...

 

الشعب التركي، وليس فقط الحزب أو الرئيس أردوغان، يدرك أن التحدي الموجود ليس تحديا رئاسيا، بل تحديا شعبيا، وهذه نقلة في الفهم والوعي لا بد منها لمن يرغب في بناء دولة حقيقية تقوم على شراكة شعبية

فتركيا أشبه بالجزر وسط مرافق مائية رائعة، وهي تطل على أربعة أبحر (هي بحر إيجة والبحر الأسود وبحر مرمرة والبحر المتوسط)، وهي مرافق مائية تربطها بدول الجوار، كما تربطها بها حدود برية، ناهيك عن التواصل عبر الجو... هذا يجعل من تركيا دولة مركز اقتصادي حقيقي ودائم، وليست دولة مؤقتة أو فقاعة اقتصادية كتلك التي نراها في الإقليم...

وهذا ما جعل الشعب التركي، وليس فقط الحزب أو الرئيس أردوغان، يدرك أن التحدي الموجود ليس تحديا رئاسيا، بل هو تحد شعبي، وهذه نقلة في الفهم والوعي لا بد منها لمن يرغب في بناء دولة حقيقية تقوم على شراكة شعبية، وليس عبر تسليمها للجنرالات ليسيطروا على كل شيء والنتيجة هي لا شيء!

تملك تركيا التاريخ، ولكنها في عصر الجنرالات فقدت الماضي حين تخلت عنه، وفقدت الحاضر حين قضت على دور الشعب. وبطبيعة الحال، من يفقد الماضي ولا يملك الحاضر فكيف يكون له مستقبل؟

راهن الرئيس أردوغان والحزب الحاكم على أن بناء الحاضر هو نقطة البداية، وأن المواطن إذا ما شاهد بأم عينيه إنجازا على الأرض، فإنه سيؤمن بهذه القيادة ويساعدها أو يشاركها في بناء المستقبل. وهذا ما حدث في بلد متعدد الآراء والأفكار والمفاهيم، فقد استدعى أردوغان الشعب (أو العكس) لكي يكون شريكا، ولم يتردد الشعب في دعمه لحظة محاولة الانقلاب على السلطة وعلى الرئيس، ولكن هذا الشعب لم يمنح الرئيس شيكا على بياض حين أجريت الانتخابات، فقد منحه وحزبه فوزا مريحا من الجولة الأولى، ولكنه (أي الشعب) أرسل رسالة للجميع بأن الأتراك بلغوا درجة من النضج السياسي التي تجعلهم يفكرون في المستقبل بطريقة مختلفة عن بقية شعوب المنطقة.. وهذا أيضا مهم ومطلوب فهمه على نحو سليم.

 

راهن الرئيس أردوغان والحزب الحاكم على أن بناء الحاضر هو نقطة البداية، وأن المواطن إذا ما شاهد بأم عينيه إنجازا على الأرض، فإنه سيؤمن بهذه القيادة ويساعدها أو يشاركها في بناء المستقبل


ففوز محرم إنجه، المنافس الرئيس لأردوغان، بقرابة الـ31 في المئة من مجمل الأصوات، يعني أن الشعب التركي يرسل رسالة للحزب الحاكم، وهو حزب العدالة والتنمية، بأنه يجب الإعداد لمرحلة ما بعد الرئيس أردوغان، أطال الله عمره.. وهذا تفكير إيجابي رائع، ويجب على الحزب الحاكم الاستعداد لما هو قادم، من خلال بناء قيادات جديدة تواصل المسيرة في بلد يمارس الديمقراطية بأريحية وسلاسة منذ عقود.

العقل التركي الجديد هو مربط الفرس، فقد تخلصت تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية من انغلاقها وترددها وخوفها، وتحررت من قيود الماضي وغسلت ثوبها وطهرته من فساد الجنرالات، وهذا ما مكن الشعب التركي من الانطلاق..

لن أحدثكم عن الكيد السياسي والمؤامرات التي تتعرض لها تركيا من الشرق والغرب، فبالتأكيد لديكم الكثير من المعلومات عنها...

التعليقات (2)
مصري جدا
الثلاثاء، 26-06-2018 04:48 م
نجاح الرئيس اردةغان كان متوقعا ،، لكن غياب المعلومات عن خصوم الداخل والخارج اوقع الاعلام الاقليمي والدولي في ورطة غير مهنية وهذا متكرر في تركيا ،، وادعو الله ان تستكمل تركيا مشروعها التنموي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ليعطي الامل بان هناك نموذج من الممكن لدول المنطقة الاقتداء به بعيدا عن النموذج الغربي الذي يصادم في كثير من الاحيان ثقافة وطبيعة المنكقة العربية والافريقية ،،،، لكن هناك سؤال مشروع في زحمة الاحتفال بفوز اردوغان وتحالف العدالة والتنمية ،،وهو ،،، ما مصير عشرات الاف من السجناء والمعتقلين ،،، وما مصير المفصولين من اعمالهم ،،، وما مصير الشمات والممتلكات التي تم مصادرتها او التحفظ عليها ،،، وما العمل مع نلايين الاتراك المتضررين على خلفية انقلاب يوليو الفاشل ،،، نموذج متكرر في مصر وتركيا ،،، ارجو الا تنسينا الفرحة اقامة العدالة لانها اساس الملك ،، فضلا عن ان العدالة هو اسم الحزب الحاكم ،،، هنيئا تركيا
ادم
الثلاثاء، 26-06-2018 03:41 م
حفظ الله تركيا ورجلها الطيب. انها تكاد تكون الشمعة الوحيدة المضيئة فى هذا الظلام الدامس الذى يغلف العالم الاسلامى المترامى الأطراف. ويحدونا الأمل أن ينتشر نورها ليشمل سائر ارجاء الأمة الإسلامية. اللهم آمين.