مقالات مختارة

تشخيص لعلل العالم العربي من منظور دولي

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600

كيف يمكن تفسير الوضع الاستثنائي في العالم العربي؟ لماذا تتقدم الأمم والعرب يتخلفون؟ لماذا ينتشر السلام في معظم بقاع الأرض تقريبا إلا في العالم العربي؟ لماذا تستغل جميع الدول ثرواتها في تنمية البلاد وتقديم الخدمات الأساسية لشعوبها بينما يبدد العرب ثرواتهم، أو يتم نهبها والسطو عليها جهارا نهارا؟ كيف لأمة هي الأقرب إلى بعضها بعضا، عرقيا ودينيا وثقافيا وتاريخيا ولغويا وحضاريا، لكنها تتفتت عرقيا ودينيا وجغرافيا وسياسيا، وتحمل السلاح لا لأعدائها بل لإخوة الدم والعقيدة والتاريخ.

هل توجد منطقة في العالم تشهد مثل هذا الاقتتال الداخلي وهدر الثروات وقمع الحريات والتجاذب الطائفي؟ أنظر إلى الدم المسفوح في غزة المحاصرة من الأعداء والإخوة وأهل الدار، وتأمل المشهد الدموي في سوريا واقرأ عن الخراب في العراق وعرّج على اليمن، أو ما بقي منه، وشاهد مآسيه التي فاقت كل التوقعات، وتوقف وأنت في طريقك لليبيا في مصر واسأل عن تكميم الأفواه وعن عدد المعتقلين في السجون، ثم توقف قليلا قرب درنة قبل الوصول إلى طرابلس لتذرف دمعة على أهلها المحاصرين من أبناء البلاد. ثم انظر إلى التطبيع مع إسرائيل وإرسال الوفود الصحافية والرياضية إليها والتنسيق معها واستقبال وفودها. وانظر إلى مهزلة الانتخابات وآخرها ما جرى في مصر وقارنها مع الانتخابات التركية لتعرف عمق المأساة التي تعيشها الأمة، وتابع مسألة تغيير الدساتير بناء على رغبة الحاكم ليبقى في كرسيه (حتى لو كان طبيا) إلى الأبد «أو يحرق البلد». 

أكثر اللاجئين في العالم من العرب، وأكثر المشردين من العرب وأكثر الجوعى من العرب وأكثر المترفين من العرب وأكثر ضحايا الحروب والإرهاب والاقتلاع والاضطهاد وسجناء الرأي والمنتظرين دورهم إلى المقصلة من العرب. 

أسئلة تحير العقول ولو سألتها لألف خبير ومتخصص لخرجت ربما بألف جواب. ولكنني لا أريد أن أجتهد كثيرا في هذا المقال، بل سأقدم للقراء مجموعة من التعليقات والاقتباسات طرحت مؤخرا في جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولي، تحت بند «مراجعة شاملة للأوضاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» والمقصود طبعا بلاد العرب. استمرت الجلسة نحو ست ساعات، أدلى فيها أكثر من 35 مندوبا بدلائهم في مستنقع العلل العربية ما جد منها وما شاخ، وأحببت أن أقتبس بعض ما قيل عنا وعن مصائبنا من قوم، يتضامن بعضهم معنا بالكلمة مرة ويدعمون أسباب فرقتنا وتناحرنا مرارا. وأتمنى على القراء جميعا أن يتأملوا في ما قيل عنا ولنا لعلنا نرعوي أو نتأمل أو ننتبه أو نغير المسار.

الداء والدواء

الأمين العام أنطونيو غوتيريش افتتح الجلسة بكلمة في منتهى الجدية والاتزان وشخص العلة قائلا: «تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انقسامات عميقة، وأوضاعا تثير القلق، وتمزقا مؤسفا لنسيجها الديني والعرقي والثقافي المنوع، كما يقوّض السلامَ والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان الصراعاتُ القديمة والحديثة، والمظالم الاجتماعية، وتقلص المساحة الديمقراطية، وظهور الإرهاب والأشكال الجديدة للتطرف العنيف». وتابع في توضيح العلل قائلا: «فبعد أن كانت المنطقة واحدة من أعظم المواطن في التاريخ للازدهار الثقافي والتعايش، أصبح بها الكثير من خطوط المواجهة القديمة والجديدة، بما في ذلك الجرح الفلسطيني الإسرائيلي، وعودة ظهور منافسات شبيهة بحقبة الحرب الباردة، والانقسام السني الشيعي، والمواجهات السياسية». ولمعالجة هذه التحديات، «يجب أن نتذكر سلسلة تقارير التنمية البشرية العربية، التي أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بدءا من عام 2002 التي تحدد مواطن القصور الكبيرة في مجالات التعليم والحريات الأساسية والتمكين، خاصة للنساء والشباب في المنطقة». واعتبر غوتيريش أن حل مشاكل المنطقة يبدأ بـ: «التوصل إلى حل الدولتين الشامل والعادل والدائم، الذي يسمح للفلسطينيين والإسرائيليين بالعيش جنبا إلى جنب في سلام، في إطار حدود آمنة معترف بها، وهو أمر أساسي للسلم والاستقرار في المنطقة بأسرها». 

نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فرشينين، أنحى باللوم على الاستحواذ والتفرد وعدم اللجوء للعمل الجماعي متعدد الأطراف، أي أن اللوم يقع على تسليم جميع أوراق المنطقة للولايات المتحدة الأمريكية: «ولكي تنجح أي قرارات، يجب أن تكون جماعية بحق، وتتماشى مع المعايير القانونية الدولية. لقد كانت محاولات الحل دائما أحادية الجانب لحل الأزمات وهذه الحلول محكوم عليها بالفشل، خاصة عندما أعلنت أن الآخرين منبوذون وسعت إلى تقويض الأنظمة التي لم تعجبهم، فقط لإنشاء أنظمة جديدة». والحل هو في «وضع جدول أعمال موحد للمجتمع الدولي من أجل تسوية الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع التأكيد على احترام السيادة والسلامة الإقليمية والوحدة والاستقلال». 

السفير الصيني في الأمم المتحدة، وو هايتاو، اقترب من المقترح الروسي في اتباع نهج تعددي بعيد عن الاستفراد بالمنطقة إذ قال «يتعين على البلدان الإقليمية والمجتمع الدولي قبول نهج مشترك ومتكامل ومستدام للأمن، وإيجاد طريق للتنمية والازدهار». ودعا إلى الحوار والتشاور في الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسويات سياسية، مشيرا إلى أن قضية فلسطين هي جوهر القضايا في الشرق الأوسط، مؤكدا على حل الدولتين. «فالمساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أمران مهمان ، وكذلك احترام إرادة البلدان في دفع عجلة العملية السياسية. وهناك حاجة إلى نهج متكامل لمعالجة دوافع الصراع، التي يمكن أن تعزى جميعها إلى الفقر والتخلف». 

العلة الأساسية في الوطن العربي من وجهة نظر السفير الفرنسي، فرنسوا دي لاتر، تتمثل في غياب نظام الحكم التعددي الشامل، الذي يعتبر شرطا مسبقا وأساسيا لحل النزاعات في الشرق الأوسط، «إن الصراعات الإقليمية في المنطقة جاءت بسبب غياب سيادة القانون والانفتاح السياسي. وانظر مثلا إلى سوريا فسنوات طويلة من الديكتاتورية خلقت الشروط المناسبة للصراع والتطرف». سفيرة التاج البريطاني، كارن بيرس، دعت إلى عقد مؤتمر شامل تكون فيه بريطانيا طاحونة الرحى على طريقة مؤتمر هلسنكي عام 1975، «كل صراع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يمكن اعتباره في عزلة. فالصراعات جميعها تشترك في عديد من الأسباب الجذرية ويجب النظر إليها بشكل شمولي، وأن تتخذ المنطقة شيئا شبيها بـ»وثيقة عمل هلسنكي النهائية» ويسعد المملكة المتحدة الانضمام إلى هذه المسألة». وهذه الفكرة الخبيثة تساوي بين عدوانية إسرائيل وجرائمها مع ما يجري في ليبيا أو اليمن.

سفير الولايات المتحدة وأحد تلامذة نيكي هيلي، كوهين، وضع اللوم على الجميع إلا بلاده وإسرائيل. فالمأساة الفلسطينية ومعاناة غزة سببها حماس، وتفاقم المأساة السورية بسبب روسيا، وصراعات المنطقة كلها بسبب إيران وحزب الله. والحل كما قالت الولايات المتحدة من قبل: «إن العنصر المفقود من أجل السلام وجود زعماء مثل الرئيس المصري السابق أنور السادات، الذي تقدم إلى الأمام واعترف بالحقائق الصعبة وقدم تنازلات». وبلغة بسيطة الحل هو الاستسلام.

من الأصوات الشجاعة التي ترفع صوت الحق أمام غطرسة القوة، السفير البوليفي ساشا سيرجيو لورنتي. «القضية الفلسطينية هي لب الصراع في الشرق الأوسط ، وطالما لم تحل، لن يكون هناك سلام دائم في المنطقة والقضية الأساسية هي احتلال إسرائيل للأراضي التي ليست ملكا لها، ما يعرض أمن المنطقة للخطر». ولم ينس أن ينتقد محاولات البعض للتدخل في شؤون المنطقة الداخلية، والعمل على تغيير أنظمة الحكم بالقوة، ما أدى إلى «غياب الحكم الرشيد وعدم السيطرة على حدود الدول، ولا على المصادر الطبيعية للبلاد، وكل ذلك خلق حالات الفوضى والصراعات التي نشاهدها الآن». سفيرة باكستان النشيطة في قضايا الدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة انتقدت الاستفراد الذي تمارسه بعض الدول، متجاوزة صلاحيات مجلس الأمن: «إن الإجراءات الأحادية التي تقودها المصالح الضيقة والافتراضات الخاطئة، لم تؤد إلا إلى خلق المزيد من المعاناة ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة الخارجية ما زالت تحاول تشكيل المنطقة وفقًا لأولوياتها السياسية. ولم يكن ذلك أكثر وضوحا في أي مكان مما عليه في فلسطين، حيث تم تدمير حل الدولتين وفشل المجلس في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة خلال «مسيرة العودة الكبرى»، وهو تقصير من المجلس في تحمل مسؤوليته».

ونختتم المقتطفات هذه بما قالته السفيرة الفلسطينية فداء عبد الهادي في تلخيص الموقف: «إن الشعور بالظلم ازداد فقط، وإن تراجع سلطة مجلس الأمن أدى إلى تفاقم الصراع بسبب غياب المساءلة عن جرائم إسرائيل، وإلى إضعاف المعايير الدولية فكانت التكلفة البشرية هائلة. إن أولئك الذين أنكروا هذه الحقائق ورفضوها لم يؤد رفضهم إلا إلى تغذية التوترات والصراعات».

القدس العربي

1
التعليقات (1)
محمد .د
الجمعة، 29-06-2018 07:48 ص
المقال وضع يده على الجرح وحلل المشكلة من وجهات نظر مختلفه. ولكن ماهو الحل؟ لقد اخذنا من الغرب كل شي ( علوم ، تكنلوجيا،...... ) الا شي واحد والتي تعتبر جوهرة الغرب الا وهي : الديمقراطية.