مقالات مختارة

من تدعمه أليكساندريا كورتيز لا يخيفه مطبعو «فرقة عشقي»

علي الصالح
1300x600
1300x600

يحصل دوما لرفع المعنويات، وطبعا حرمان الفلسطيني فرحة الانتصار المعنوي،


في كل مرة تواجه دولة الاحتلال هزيمة سياسية أو دبلوماسية، وأخيرا رياضية، تُخرج لنا ما في «جرابها» للرد على تلك الهزيمة، ولو تستطيع الرد عسكريا لما توانت للحظة.


حصل في الماضي ويحصل الآن وسيحصل في المستقبل، إذ يرى المسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية ضرورة ملحة للرد ورفع معنويات الشارع الإسرائيلي. ولديها كما يبدو طابور من «العرب المطبعين» الجاهزين للتحرك، أو الخلايا النائمة التي يعاد تنشيطها كلما دعت الحاجة.


ومستوى رد إسرائيل، يكون بمقدار الوجع، فمثلا بعد الهزيمة التي منيت بها بقرار إلغاء مباراة ودية كانت مقررة بين المنتخب الأرجنتيني ونظيره الإسرائيلي، جاء الرد سريعا، وحاولت الوزارة أن يكون بالمستوى الذي يغطي على الهزيمة والانتصار المعنوي والسياسي الفلسطيني، فأطلت علينا بعد ثلاثة أيام فقط من إلغاء المباراة، بالإعلان عن زيارة وفد مغربي، ولم تكتف بوفد، بل ألحقته بوفد ثان في غضون أيام، ثم كشفت عن وصول وفد ثالث هذه المرة من جمعية إسلامية إندونيسية، في إطار ما يسمى دفع الحوار بين الديانات.


وزادت المحاولات الإسرائيلية للتغطية على فشلها، ليس في قضية المباراة فحسب، بل في نجاحات وانتصارات أهم وأكبر حققتها حركة المقاطعة الدولية «BDS»، في الأسابيع القليلة الماضية، وهي انتصارات ليست معنوية فحسب، بل سياسية ذات أبعاد مستقبلية، خطيرة على مستقبل دولة الأبرتهايد، وذلك بالكشف عن زيارة لـ«إعلامية» كويتية اسمها فجر السعيد، حلت فيها هذه «الإعلامية» التي تسعى دوما للشهرة والأضواء، ضيفة على الصحفي الصهيوني أيدي كوهين، الذي وصفته في تغريدة بـ«ابن العم»، وتبادل الطرفان عبر موقع تويتر المديح، وزادت السعيد، من دون أن يرمش لها جفن بتوجيه الشكر لجنود الاحتلال، الذين استقبلوها عند إحدى بوابات الأقصى بالقهوة والتمر والبسكويت، على حد زعمها، وهو «كالاستقبال الذي يحظى به الفلسطينيون!»، هل كانت السعيد تتوقع أن يستقبل جنود الاحتلال «أحد المنشقين العرب» بالرصاص مثلا، كما يستقبلون الفلسطينيين؟ وأقول للسعيد، إنه لو علم الفلسطينيون بأمر زيارتها لأعدوا لها استقبالا حافلا يليق بموقفها من قضيتهم.


وكشفت أو لنقل فضحت سلطات الاحتلال، التي تبحث عن أي انتصار وسط النجاحات التي تحققها حركة المقاطعة «BDS» في أوروبا، التي ازدادت كما ونوعا، خاصة في إسبانيا في الأيام والأسابيع الأخيرة، لاسيما بعد إسقاط حكومة اليمين وتشكيل حكومة ائتلاف يساري، زيارة لملكة جمال العراق للقدس المحتلة، بحثا عن مطعم يقدم أكلة البامية، وكأن البامية انقطعت في العراق، كما سربت صورة سيلفي لعداءة مصرية مع عداءة إسرائيلية في إيطاليا، زعمت المصادر الإسرائيلية أن العداءة المصرية أصرت على التقاطها. 


وهذه حقيقة تعكس مدى فشل إسرائيل في اختراق الشارع العربي، ما يجعلها تحتفل بصورة لعداءة مصرية مع نظيرتها الإسرائيلية، وتتحدث عنها وسائل إعلامها وكأنها شيء خارق، علما بأن مصر تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ توقيع معاهدة سلام كامب ديفيد عام 1979، وإن عكست هذه الكشوفات شيئا، إنما تعكس مدى هذا الفشل في تحقيق الاختراقات وزيف هذه «الانتصارات». 


وبالمناسبة، يجب ألا تخيفكم الضجة التي تثيرها دولة الاحتلال عبر هؤلاء المطبعين، بقيادة عدد من «السعوديين المتأسرلين والعرب الجدد»، الذين يحاولون إعطاء الانطباع بأنهم يمثلون توجها يكسب زخما، وهم في الحقيقة ليسوا إلا قلة قليلة.

 

ولو دققنا بالأسماء والوجوه، لوجدنا أنها هي الأسماء والوجوه نفسها تتكرر وتتنقل من فضائية إلى أخرى للترويج لأفكارها. وهي مجموعة كنت قد أطلقت عليها اسم «فرقة أنور عشقي» الجنرال السعودي المتقاعد، الذي يقود عبر مركز أبحاثه في جدة، طبعا بدعم من ولي العهد محمد بن سلمان، مجموعة من دعاة التطبيع تمهيدا للاعتراف المتبادل.


حصل ذلك أيضا خلال هبة الأقصى في تموز/يوليو 2017 بعد اضطرار حكومة الاحتلال إلى التراجع عن إجراءاتها حول الأقصى، واعتبر هذا التراجع هزيمة لسلطات الاحتلال وانتصارا للفلسطينيين، فطلت علينا بوفد تطبيعي عربي قادم من البحرين، تحت عنوان التسامح الديني. ثمة حقيقتان يجب توضيحهما في هذا السياق، الأولى أن نظام البحرين آخر من يتحدث عن التسامح الديني، وهو الذي يضطهد النسبة الأكبر من مواطنيه. والثانية أن عدد اليهود في البحرين أقل من 40 فردا.
هذه الكشوفات أيضا أتت بعدما أعلنت السلطات المحلية في مدينة فالنسيا، وهي ثالث أكبر مدينة في إسبانيا، عن قطع كل علاقاتها مع دولة الاحتلال، واعتبار نفسها مدينة خالية من الأبارتهايد الإسرائيلي. ووصف إيغليسياس توريون زعيم الحزب اليساري «بوديموس» أحد أركان التحالف في السلطات المحلية، إسرائيل بدولة مجرمة، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية. داعيا للتعامل على نحو أكثر حزما مع بلد غير شرعي مثل إسرائيل، وهذا الوصف يعتبر تطورا جديدا، حسب وسائل إعلامية إسرائيلية.


وجاءت كذلك بعد مطالبة بلدية برشلونة عاصمة إقليم كتالونيا الإسباني، الذي لم ينجح في سعيه للانفصال عن إسبانيا، بفرض «حظر عسكري وأمني شامل» على إسرائيل، يشمل وقف أشكال التجارة العسكرية والأمنية كافة. ويصف المجلس دولة الاحتلال بنظام «الأبارتهايد» العنصري الاستعماري، الذي يمارس أبشع سياسات الاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني. وأصبحت برشلونة أكبر مدينة تستجيب لدعوة «فرض حظر عسكري شامل على إسرائيل»، وطالبت الحكومة الإسبانية بضمان تنفيذه. 


ويشكل القرار «سابقة مهمة» نحو قطع العلاقات العسكرية والأمنية الدولية مع دولة الاحتلال، إلى حين امتثالها للقانون الدولي واحترام الحقوق الإنسانية الفلسطينية.


واخيرا، لا تحبطكم هذه الفرقعات الإعلامية التي تريد إسرائيل منها أيضا تشجيع آخرين من العرب على الإقدام على مثل هذه الزيارات، ولا تهنوا ولا تحزنوا فهي حقا تعكس الوهن الإعلامي الإسرائيلي والإفلاس السياسي لحكومة مصاصي الدماء، بدءا من رئيسها نتنياهو وحتى وزيرة القضاء إيليت شاكيد، التي لا ترى في الأجنة في بطون الأمهات الفلسطينيات الحوامل، سوى أفاع ولا بد من قتلها.


هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، وأن نضع يدنا في ماء بارد، يجب أن تكون هذه الإنجازات حافزا لمضاعفة الجهود وتصعيد العمل في إطار خطة مدروسة وحملات توعية للعرب والفلسطينيين قبل غيرهم من الأجانب، الذين تتضح الصورة أمامهم وينظرون إليها بشفافية ومن دون رادع أو خوف، ومن دون دوافع مصلحية أو دينية أو قومية، بل لدوافع أخلاقية إنسانية مبدئية، ورفضا للظلم القائم على الشعب الفلسطيني.


وأختتم بخبرين يرفعان المعنويات، الأول أن مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي كان معقلا لإسرائيل، ويضم أكثر من مئة وخمسين حزبا، بعضها أحزاب حاكمة كالمؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، تبنى قرارا بفرض العقوبات والمقاطعة على إسرائيل وسحب الاستثمارات منها.


والثاني أن شابة من الحزب الديمقراطي الأمريكي وصفت قتل الفلسطينيين على حدود غزة في «الاثنين الأسود» بالمجزرة، هزمت جو كراولي أحد زعماء الديمقراطيين في الكونغرس، في الانتخابات الحزبية التمهيدية لعضوية المجلس، ولا يستهان بهذا النصر، أولا لأنه حصل في مدينة نيويورك حصن اليهود، وثانيا أن هذه الشابة وهي إليكساندريا أوكاسيو كورتيز (28 عاما) تمثل الجيل الصاعد في الولايات المتحدة، الذي بدأ يتحرر من قيود النفوذ الصهيوني ويتجه نحو تفهم مدى الظلم الذي يحل بالفلسطينيين، ويتخذ مواقف مغايرة لمواقف للحرس القديم، إزاء قضيتهم. وهذا يعكس مدى التغيير الحاصل في أوساط الشباب في الجامعات والكليات والنقابات في أمريكا وأوروبا وهذا هو المهم. 
ومن لديه هذا التأييد لا تقلقه تحركات المطبعين العرب، التي لا تخلق رأيا عاما وتتغير مواقفها بتغير الأسياد، ومن تؤيده إليكساندريا لا تخيفه «تهويشات فرقة عشقي»، ومن لديه دعم «شباب الغرب» لا يخيفه «خذلان الأشقاء العرب»، ولا شيء يبقى على حاله.

 

القدس العربي
0
التعليقات (0)

خبر عاجل