مقالات مختارة

هل انتصر النظام العربي على الربيع العربي؟

فيصل القاسم
1300x600
1300x600

كي لا نكذب على بعضنا، وكي نضع النقاط على الحروف للاستفادة من التجارب المريرة، يجب أن نعترف أننا اكتشفنا متأخرين أن النظام الدولي بقيادة ضباع العالم هو الذي يختار لنا حكامنا وأنظمتنا وحكوماتنا، وحتى مناهجنا التعليمية والدينية، كما اعترف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعظمة لسانه عندما قال: «إننا اعتمدنا الوهابية ليس لأننا وهابيون متطرفون، بل لأن أمريكا كانت تريد استخدام الإسلام المتشدد لتواجه به الاتحاد السوفياتي».

 

وبما أن القوى الكبرى المتحكمة بالعالم تختار لنا حتى عقائدنا الدينية، فلا شك أنها أيضا تختار لنا من يحكمنا وحتى طريقة العيش التي يجب أن نعيشها. لهذا فإن أي شعب يحاول أن يتمرد على النظام الدولي وذيوله العربية لا بد أن يتعرض لعقاب شديد كما حدث للشعوب العربية التي ثارت على أنظمتها.

لا تقولوا لنا أبدا إن أوروبا الشرقية ثارت على الأنظمة الشيوعية وانتصرت عليها. لا أبدا. إن الذي أدار المعركة مع الشيوعية ليس شعوب أوروبا الشرقية، بل الأنظمة الغربية بقيادة أمريكا، وهي التي انتصرت على الاتحاد السوفياتي، ومن ثم وضعت شعوب أوروبا الشرقية تحت المظلة الغربية. وهذا أكبر دليل أنه لم يكن مسموحا لأوروبا الشرقية أن تختار نظام الحكم الذي يناسبها بعد سقوط الشيوعية، بل كان عليها أن تنتقل بشكل أوتوماتيكي إلى المعسكر الرأسمالي. وهذا درس لأي شعب يريد أن يتحرر ويقرر مصيره. وإذا كانت أمريكا قادرة على التحكم بشعوب أكثر تطورا بكثير من الشعوب العربية، فما بالك بشعوبنا المسكينة التي تعرضت لهزيمة نكراء فيما سُمي بالربيع العربي.

ما حصل في كل بلاد الربيع العربي لم يكن شأنا داخليا أبدا، بل كان لعبة أكبر من الشعوب والأنظمة معا. من أسقط حسني مبارك في مصر والقذافي في ليبيا وعلي عبدالله صالح في اليمن وزين العابدين في تونس، وصدام حسين في العراق، كان بإمكانه أن يُسقط بشار الأسد في سوريا، لكنهم استخدموه لأغراض أخرى كانوا يريدون تحقيقها في المنطقة عن طريقه، بحيث حمل الأسد بجدارة مشعل الفوضى الهلاكة التي رسمت مشروعها كوندوليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا السابقة. أكبر نكتة تسمعها في سوريا الآن أن الأسد انتصر على أمريكا. مضحك فعلا. 

الذي انتصر حقا في منطقتنا فيما سموه بالربيع العربي هي القوى الكبرى، أو بالأحرى النظام الدولي والنظام العربي الذي صنعه أصلا النظام الدولي ليكون وكيلا له في المنطقة العربية.

هل سقط النظام أو تغير في أي بلد عربي من بلاد الثورات؟ بالطبع لا. كما هو ومعروف أن النظام في أي مكان في هذا العالم هو عبارة عن منظومة أمنية وعسكرية واقتصادية وإدارية ذات عقيدة معينة. فلننظر إلى تلك المنظومات العربية التي ثارت عليها الشعوب في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا والعراق. هل تغير أي شيء فيها؟ لا أبدا، لا بل يمكن القول إن تلك المنظومات أصبحت اقوى، وأخذت شرعيات جديدة بحجة محاربة الإرهاب، أو بانتخابات مزيفة شاركت فيها الشعوب، وأعطت جلاديها صكا على بياض.

لنأخذ سوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق وتونس مثلا. ألم تزدد المنظومة الأمنية والعسكرية قوة وتغولا في تلك البلدان؟ هل اختفى النظام الإداري البيروقراطي الذي يحكم المصريين والسوريين واليمنيين والليبيين والعراقيين والتونسيين منذ الاستقلال المزعوم؟ بالطبع لا، فما زال الإنسان في تلك البلدان عبدا للنظام والبيروقراطية القاتلة التي تتعامل مع الفرد كعبد يمكن إذلاله بلقمة عيشه وأصغر معاملة إدارية لتركيب ساعة كهرباء. اسأل السوريين الآن بعد أن ضحوا بأكثر من مليون شهيد وخمسة عشر مليون نازح ولاجئ: هل عندما تدخل دائرة حكومية الآن ستجد معاملة أفضل بعد كل تلك التضحيات؟
لا شك أنه سيقول لك: إن الوضع إلى الأسوأ وإن النظام الإداري صار أكثر شراسة بتحريض أمني. هل خفت قبضة الجيش عن السلطة في مصر وسوريا، أم إن الجيش عاد أقوى وأوحش؟ هل ستلين القبضة الأمنية في تلك البلدان، أم إنها ستتغول أكثر بحجة إعادة الاستقرار ومحاربة الإرهاب؟ هل تغير النظام الاقتصادي الذي ترزح تحته الشعوب الثائرة منذ عشرات السنين، أم إن الاقتصاد صار أكثر وطأة وضغطا على المواطن البسيط من خلال رفع الدعم وارتفاع الأسعار وتغول القطاع الخاص الذي أصبح ذراعا للأجهزة العسكرية والأمنية؟

لا تغرنكم الديمقراطية العراقية التي صنعتها أمريكا لعملائها، فهي أسوأ من أسوأ نظام عسكري في المنطقة، لا بل إنها أخطر على العراق من حكم الجنرالات، فقد عادت بالعراق إلى حكم الطوائف، وبات المواطن العراقي البسيط يتحسر حتى على أيام الطغيان الخوالي. وفي ليبيا سقط القذافي، لكن الذي أسقطوه يدعمون الآن نسخة جديدة منه متمثلة بالجنرال حفتر الذي اعترف بشكل صريح أن الديمقراطية تحت حذائه العسكري. أما اليمن فبات بدوره يتحسر على حكم الشاويش. لا تقل لي أبدا إن تونس تختلف عن البقية. لا أبدا.

 

هل تطورت المنظومة الأمنية التي صنعها بن علي وثار عليها الشعب، أم إن حليمة عادت إلى عادتها القديمة، لا بل إن أحد ضباط الأمن طالب باغتصاب الصحافيين المتمردين مؤخرا.؟ هل تغير النظام الاقتصادي الذي أرساه الرئيس المخلوع أم صار أسوأ؟ هل تحسن النظام الإداري؟ هل اختفت الطبقة السياسية التي تتحكم بمفاصل الدولة؟

للأسف، لقد عاد النظام القديم بأوجه أكثر قبحا. لكن هيهات أن ينجحوا، فهم يخوضون معركة خاسرة مهما فعلوا وتغولوا، وحسبهم يوفرون للشعوب لقمة الخبز، لأن حكم الجنرالات صار من الماضي، حتى لو دعمتهم كل قوى الأرض. وهذا يذكرنا بإخفاق الثورة الفرنسية التي أسقطت النظام الملكي، ثم عاد النظام أقوى، لكن مهما كان النظام الدولي وعملاؤه الداخليون أقوياء، فلن يكونوا أقوى من عجلة التاريخ التي غيرت وجه فرنسا وأوروبا ولو بعد عشرات السنين من الدماء والمعاناة والقهر.

القدس العربي

1
التعليقات (1)
الأحد، 01-07-2018 09:23 ص
حكم العملاء و الوكلاء في بلاد العالم الثالث و في بلاد المسلمين الذي أوجده الإحتلال اللائيكي اللقيط أوكلت إليه المهمة القذرة التي فرضت خطوطا حمراء على البلدان الصغيرة من طرف 'النظام العالمي' الظالم المجرم الإرهابي كما عرفناه و يرتكز على عشر نقاط: 1. تمزيق النسيج الإجتماعي بخلق الطبقات و تكريس الطائفية (سياسة فرق تسد) 2. ضرب التعليم و الهوية الوطنية في مقتل من خلال طمس التاريخ و اللغة 3. الإمعان في تدمير مجال الصحة خاصة عبر ترويج المخدرات و نقص الأدوية و تقليص الخدمات الصحية إلى أدنى مستوى ممكن لقتل أكبر عدد ممكن من المواطنين 4. التجويع الممنهج الشعوب كي لا يرقى همها إلى المطالبة بالحرية و الحقوق المشروعة 5. التدمير الممنهج للإقتصاد بحيث لا يسجل في أي حال من الأحوال نهضة حقيقية و ذلك عن طريق نشر الفساد و حمايته بقوة القانون و إطلاق يد الرشوة و إنهاك المواطن بالضرائب و إغراقه في الديون و الدفع بالأدمغة إلى الهجرة 6. تعمد خلق مناخ عدم إستقرار أمني و اجتماعي بتفعيل شبكات إرهابية و إجرامية كلها خرجت من كليات المخابرات تستعمل فزاعة لبقائهم في الحكم و ما قضية حميد عايش الرائد في جهاز المخابرات الجزائري و إسمه الحركي 'سراقة' الذي جال و صال في كل أوروبا و أمريكا الشمالية و أشرف على عمليات إرهابية منها ما تم تنفيذه و منها ما كاد أن يقع مثل مؤامرة الألفية في أمريكا لولا فطنة كاتب هذه السطور و إبلاغه للسلطات المختصة و التي سارعت إلى تهديدي بالعربي و بدون أدنى دبلوماسية بالويل و الثبور إن أنا تكلمت مع الصحافة... إذ لا يمكن لأي أمة أن تنهض بدون إستقرار أمني 7. تكريس فساد الجهاز التشريعي و الإمعان في تقويض العدالة و نشر ثقافة اللاعقاب للمجرمين بل و عقاب المظلومين كما يحدث في الجزائر و مصر 8. القصف الإعلامي بلا هوادة الشعوب مضمونه التهديد المباشر و الغير مباشر لإيصال رسالة مفادها 'إما نحن و إما النار و الدم' و قد رأى الشعب الجزائري مثلا كيف يسوق النظام لنفسه بطريقة غير مسبوقة من الوقاحة عن طريق مسؤولين و عن طريق الإعلام الإرهابي يقولون للشعب 'إما نحن أو سوريا' 9. إستعمال الدين لقمع الحريات و كبت المنظمات الحقوقية و تخوين كل من ينتقد النظام بواسطة سماسرة النفاق و الشقاق و سوء الأخلاق من الحثالة 10. العمل الدؤوب على إفساد الأسرة و خاصة المرأة بتشجيعها عبر سيل من القوانين بالتنمر على الرجل و خلق حالة من عدم الإستقرار العائلي الذي يؤدي بدوره إلى الحد من النمو الديموغرافي الذي يشكل هاجسا ما انفك يقض مضاجع الإحتلال اللائيكي اللقيط لكن هل كل هذا يكفي؟ لا و هيهات بل إن كل ذلك لابد من أن ينقلب خرابا و دمارا على كل من خطط و نفذ و أيد بلسانه أو بلسان حاله و إن غدا لناظره قريب.