صحافة دولية

ساينس مونيتور: لماذا تراجع أعداء روحاني عن موقفهم المتشدد؟

ساينس مونيتور: مع تنامي التحدي لروحاني فإن الإدراك تنامى بأن الحملة ضده تأتي بنتائج عكسية- جيتي
ساينس مونيتور: مع تنامي التحدي لروحاني فإن الإدراك تنامى بأن الحملة ضده تأتي بنتائج عكسية- جيتي

نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للكاتب سكوت بيترسون، حول اندلاع المظاهرات ثانية خلال عطلة نهاية الأسبوع في مدينة خورمشهر، التي تعاني من الجفاف، ما زاد من الضغط على الرئيس حسن روحاني بتحويل مطالبتهم الحكومة بالمياه إلى مظاهرات غاضبة ضد النظام.

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أحد الهتافات التي صدح بها المتظاهرون كانت: "باسم الدين سرق منا اللصوص كل شيء"، بالإضافة إلى هتافات "الموت لروحاني" و"الموت لخامنئي". 

 

ويلفت بيترسون إلى أن مظاهرات خورمشهر، التي جاءت بعد أسبوع من مظاهرات طهران، التي استمرت ثلاثة أيام، تعد آخر مؤشر على حالة الغضب العام بسبب الاقتصاد الإيراني المتداعي، والعملة المتراجعة، واحتمال فرض عقوبة أمريكية مشددة. 

 

وتستدرك المجلة بأن الحيز الضئيل الذي شغلته تلك الأخبار في وسائل الإعلام المتشددة يختلف جدا عن الفرح الذي أبداه ذلك الإعلام، والنغمة المعادية لروحاني، التي ظهرت عندما وقعت مظاهرات بازار طهران السابقة، مشيرة إلى أن رد الفعل لتلك المظاهرات -التي يظن أن للمتشددين يدا في تنظيمها، حيث أغلقت المحلات لأيام طويلة- هي ذروة حملة لأشهر من المتشددين لتشويه سمعة الرئيس واضطراره للاستقالة. 

 

وينوه التقرير إلى أن التغطية الإعلامية تحولت خلال هذا الأسبوع من هجوم شامل على روحاني إلى دعوة من الطيف السياسي كله لمواجهة المشكلات الداخلية والأعداء الخارجيين.

 

ويورد الكاتب نقلا عن محللين، قولهم إن هذا التحول يكشف مدى عجز المتشددين عن التنظير لمسار بديل، بل أقل من ذلك إقناع خامنئي بأنهم أكثر قدرة على الحكم بفعالية أكبر، فيما يقول آخرون إن الدعوات للوحدة دليل على أنه، وبعد 20 عاما، يزيد عجز الفصائل في الجمهورية الإسلامية عن التعاون على حل مشكلات البلد.

 

وترجح المجلة أن تستمر المظاهرات في طول البلاد، في الوقت الذي يستمر فيه الإيرانيون في التنفيس عن همومهم، ويحاول المسؤولون حلها، مشيرة إلى أن المتشددين ربما يستمرون في محاولة استغلال الأوضاع سياسيا؛ لإظهار الرئيس الذي يبغضونه على أنه ضعيف. 

 

ويشير التقرير إلى أن "هذا كان آخر فصل يثبت فيه روحاني أمام التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية بعد حوالي 40 عاما من تاريخها، ويقوم بلعبته السياسية داخليا، حتى في الوقت الذي تهدد فيه أمريكا بزيادة الضغط على إيران، لدرجة محاولة تغيير النظام، في سعيها لقيام إيران بتغيير حساباتها الاستراتيجية، ولتنهي تدخلها في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، إلا أن المحللين يقولون بأن الجمهورية الإسلامية بعيدة عن الوصول إلى نقطة التحول تلك، بالرغم من الخلافات الداخلية الحادة والمظاهرات في الشوارع". 

 

وينقل بيترسون عن الخبيرة المخضرمة في الشأن الإيراني في جامعة هاواي فريدة فهري، قولها: "يمكن للمتشددين أن يشتكوا، لكن ليست لديهم استراتيجية لكسب السلطة.. ويبقى روحاني عمليا وواقعيا الخيار الأفضل للتعامل مع الوضع الصعب الذي تواجهه إيران"، وأضافت أنه لو حصل شيء لروحاني سيشعر العالم الخارجي بأن إيران في وضع أسوأ مما يتوقع، ولذلك ليس أمام المتشددين سوى التمسك بروحاني. 

 

وتذكر المجلة أن العناصر المتطرفة سابقا قامت بافتعال الفوضى لتشويه سمعة روحاني، كما فعلوا في المظاهرات التي حصلت في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي في مدينة مشهد، التي انتشرت بسرعة على مستوى البلد، وخرجت عن السيطرة لتصبح مظاهرات ضد النظام.

 

ويفيد التقرير بأن المتشددين طالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة، وحتى برئيس عسكري، فيما سماه موقع "مونيتور" الإخباري "خطة محكمة"، فقال موقع "مونيتور": "هذه المرة لا يريد المتشددون إضعاف الرئيس المعتدل فقط، لكنهم يريدون إخراجه تماما أيضا"، وردا عليهم، أعلن روحاني أن المعارضين الذين يظنون أن حكومته "خائفة وستستقيل مخطئون"، وألمح بأنه لا يزال يحظى بدعم خامنئي، وقال: "لا نستطيع أن نقف في وجه أمريكا وأن نستمر في حربنا الداخلية". 

 

وتقول فهري للمجلة إن تلك التصريحات قلبت الطاولة على معارضي روحاني، و"صبت الماء على مخططاتهم"، وتضيف: "إيران ليست مسرح ثورة.. فليست هناك تنظيمات يمكنها أن تغير تلك المظاهرات اليائسة إلى حركة أكبر تطالب بتغييرات جذرية".

 

ويجد الكاتب أن ذلك لم يمنع أعداء الرئيس الكثر من اتخاذ خطوات لإيذائه، خاصة بعد ما انسحب الرئيس ترامب في أيار/ مايو من الاتفاقية النووية، التي كانت أهم إنجازات روحاني على المستوى الخارجي، التي وعد أنها ستؤدي إلى الازدهار والعلاقات الطبيعية مع الغرب.

 

وتقول المجلة إن الدليل على أن أمريكا تريد تغيير النظام في إيران بالنسبة لطهران، جاء عندما تحدث عمدة نيويورك السابق رودي جولياني خلال عطلة نهاية الأسبوع أمام المؤتمر السنوي لمجاهدي خلق في باريس، الذين لا يوجد لهم دعم على الأرض في إيران، ويدفعون الأموال للمسؤولين الأمريكيين السابقين لإلقاء الخطابات في أنشطتهم.

 

ويورد التقرير نقلا عن محامي ترامب جولياني، وهو مشارك دائم في أنشطة مجاهدي خلق، قوله: "يمكننا الآن واقعيا أن نرى نهاية النظام في إيران.. يجب أن يذهب الملالي ويجب أن يذهب آية الله.. الحرية أصبحت وشيكة.. أريد أن يعقد هذا المؤتمر العام القادم في طهران".

 

ويعلق بيترسون قائلا إن مثل هذا الكلام يشعل المعركة في إيران، حيث عارض المتشددون الاتفاق النووي منذ البداية، وقالوا إنه لا يمكن الوثوق في أمريكا، وحاولوا بعد قرار ترامب استغلال ذلك بالقول: "لقد أخبرناكم بأن هذا سيحصل".

 

وتبين المجلة أن مظاهرات طهران الأسبوع الماضي كانت متعلقة بمصير الريال الإيراني، الذي خسر نصف قيمته هذا العام، وزاد منها الكشف عن أن مستوردي الهواتف الذكية أثروا بتجاوزهم قواعد العملات الأجنبية.

 

ويستدرك التقرير بأن النواب المتشددين اصطفوا لدعوة روحاني إلى الاستقالة، أو أن يتم توجيه التهم له، حيث قال مستشار عسكري لخامنئي إن إيران أفضل دون حكومة من روحاني، لافتا إلى أن هناك كتابا مؤلفا من 370 صفحة يتهم الرئيس بأنه عميل للموساد الإسرائيلي.

 

ويذهب الكاتب إلى أن حملة التشويه هذه تعني أن معارضي روحاني يرون الفرصة سانحة أكثر من أي وقت آخر، مستدركا بأنه مع تنامي التحدي لروحاني فإن الإدراك تنامى بأن الحملة ضد روحاني تأتي بنتائج عكسية في إيران وخارجها. 

 

وتوضح المجلة قائلة: "فمثلا عاد مستشار خامنئي العسكري يحيى رحيم صفوي، ودعا الإيرانيين لمساعدة الحكومة في حل المشكلات الاقتصادية؛ لإبطال مؤامرات الأعداء، وحتى أن صحيفة (كيهان)، التي تعد صوت المتشددين، دعت إلى الوحدة الداخلية لحل مشكلات إيران في افتتاحية لها في تاريخ 2 تموز/ يوليو، قالت فيها إن الوقت غير ملائم للمحاسبة على الأخطاء وسوء الإدارة".

 

ويورد التقرير نقلا عن الزميل في معهد غراديويت في جنيف فرزان سابت، قوله: "واضح أن روحاني أصبح أضعف مقارنة مع هذا الوقت العام الماضي"، بعد انتخابه ثانية، مشيرا إلى تحطم أهم إنجازاته وهي الاتفاقية النووية، ووعوده بالمزيد من الحريات الاجتماعية والسياسية تبقى غير مطبقة.

 

وأضاف سابت: "لكني أشك في أن المحافظين، الذين يسيطرون على مراكز السلطة غير المنتخبة، لا يريدون الإطاحة به، فماذا سيفعلون دونه؟.. إن المحافظين يفهمون أن عدم كفاءتهم في الدبلوماسية الدولية وسوء الإدارة والفساد هي من بين العوامل الأساسية التي قادت الجمهورية الإسلامية إلى شفير الكارثة". 

 

وتابع سابت قائلا إنه في الوقت الذي استخدمت فيه المظاهرات منذ كانون الأول/ ديسمبر لتسجيل النقاط ضد روحاني، فإن النظام السياسي الإيراني غير الشفاف "قابل للمشاحنات والجمود"، وبأن ذلك بحد ذاته أصبح يشكل أزمة؛ "لأنه بعد عشرين عاما من تمزيق سياسيي الجمهورية الإسلامية لبعضهم دون نتيجة، فلم يفقد الإيرانيون أملهم في النظام، لكن على المستوى العملي أصبح عناصر النظام لا يستطيعون العمل معا لحل المشكلات".

 

 

ويبين بيترسون أنه بعد أن أصدرت الحكومة والقضاء تحذيرات قاسية لـ "المخربين"، بعد مظاهرات بازار طهران، فإنه كانت هناك مؤشرات على أن المظاهرات كانت منظمة جزئيا على الأقل، فقال أحد تجار الذهب في البازار لـ"فايننشال تايمز": "لقد أجبرنا على إغلاق متاجرنا، فقد أرسل معارضو روحاني أدواتهم للبازار، ويبدو أن هناك خطة لجعل روحاني ضحية للأزمة الاقتصادية الحالية"، لكن الأزمة لن تذهب.

 

وتنقل المجلة عن الخطيب كاظم صديقي، قوله في خطبة الجمعة الأخيرة: "شعبنا يعاني من وضع كمن في حلقه شوكة سمكة"، وأن على حكومة روحاني "أن تتوب وتتفهم آلام الناس"، وأضاف الخطيب أن المشكلات الاقتصادية لا علاقة لها بالعقوبات، لكن لسوء الإدارة والفشل في السماع لدعوة خامنئي بجعل الأولوية للاقتصاد.

 

وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن هذا الشعور له صدى في شوارع طهران، حيث أجاب صاحب بقالة صغيرة عن التغيرات اليومية في الأسعار، بالقول غاضبا: "لا أدري إلى أين نحن ذاهبون.. نحن نقوم فقط بملء جيوب النخبة، الذين يتمتعون برخص الاستيراد.. لا علاقة لهذا بترامب، يجب أن نبدأ (بالبحث عن السبب) في بلدنا هنا".

التعليقات (0)