قضايا وآراء

انقلاب 30 يونيو... المسرحية التي صدقها البسطاء

مصطفى أبو السعود
1300x600
1300x600
اللفظة طابة مطاط.. يقذفها الحاكم من شرفته للشارع.. ووراء الطابة يجري الشعب ويلهث.. كالكلب الجائع.. اللفظة، في الشرق العربي أرجوازٌ بارع، يتكلم سبعة ألسنةٍ.. ويطل بقبعةٍ حمراء، ويبيع الجنة للبسطاء وأساور من خرزٍ لامع، ويبيع لهم.. فئراناً بيضاً.. وضفادع، اللفظة جسدٌ مهترئٌ ضاجعه الكاتب، والصحفي وضاجعه شيخ الجامع.. اللفظة إبرة مورفينٍ يحقنها الحاكم للجمهور.. من القرن السابع، اللفظة في بلدي امرأةٌ تحترف الفحش.. من القرن السابع..

هذه قصيدة لنزار قباني سماها "مورفين"، شرح فيها طبيعة الوعود التي يطلقها الحاكم للشعب مستخدماً أداوته، من نساء وكتاب وإعلاميين ومشايخ باعوا ضمائرهم، وكل ظنهم بفعلتهم هذه "أنهم يحسنون صنعا". لكن لماذا سمى نزار هذه القصيدة بـ"مورفين"؟ ربما فيها بعض مواصفات المورفين من الناحية العضوية، فمادة المورفين كما أخبرتنا شبكة "ويكيبيديا": "هي مسكّن ألم قوي من فئة الأفيونيات، تعمل بشكلٍ مباشرٍ على الجهازِ العصبي المركزي لتقليل الشعور بالألم، يمكن استخدامها لكل من الألم الحاد والألم المزمن"، وهذا يخلق نوعاً من التطابق بين الوعد والافيون، حيث أن كليهما يُهدئ ثورة الجسد ويخفف من آلامه.

في ذات السياق، يذكر الرائع المفكر الإسلامي على عزت بيجوفيتش، قصة في كتابه "هروبي إلى الحرية"؛ أن الفلاحين في إيطاليا وبدلاً من ضرب الحمار لحثه على المشي، والذي قد لا يحدث أي تأثير أحياناً، بسبب قساوة رأس الحمار، اخترعوا خدعة: يربطون على رأسه عشباً طازجاً بطريقة يراها الحمار أمام ناظريه، ويعتقد بأنه سيصل إليها. ألا يشبه الكثير من الناس هذه الحمير؟ أليس بعض الناس يصنعون من الآخرين حميراً؟

لكن قد يتساءل القارئ: ما علاقة ما سبق بمسرحية 30 حزيران/ يونيو؟

كلنا شاهدنا المسرحية التي مولتها دولٌ لا ترغب بصعود تيارات إسلامية إلى سدة الحكم، ولعب دور البطولة فيها رجل نال ثقة رئيس الجمهورية، لكنه غدر به، وأجلس على جانبيه كومبارس المسرحية من رجال دين وسياسة، مسلمين ومسيحين. استخدم بطل المسرحية الأكاذيب في تبرير فعلته أنه يريد بذلك حفظ الوطن والمواطن، ووعدهم بغد أفضل إن هم قالوا له: "نعم"، وأن سفينة مصر ستصل إلى بر الامان، وأطلق العنان فيها لسحرة فرعون الذين اعتلوا المنابر ولعبوا أدواراً كبيرة في قلب الحقائق وتأليب الناس، ووزعوا وعودا زائفة على الملايين التي عطلوا فيها الحواس؛ بأن اخرجوا ضد مرسي وغدا سيثمر الشجر.. وتعاونوا مع إبليس في ترويج نظرية أن "كل الآفات جاءت لمصر من بوابة الإسلاميين".

وبعيداً عن شرح الواقع المصري الآن، الذي لا يحتاج كثير عبقرية في وصفه وتحليله، فإن المتأمل بموضوعية في وضع مصر منذ أن جثم النظام الحالي على صدرها، يبكيه حالها في كل النواحي، فلم يجلب النظام الحالي لمصر إلا الخراب بكل أنواعه ومقاييسه. وهنا استذكر آية قرآنية تقول "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ. هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم".. من المؤكد أنهما لا يستويان.

ختاما أسألُ: هل كان المشارك في مسرحية 30 حزيران/ يونيو ينظر للوعود على أنها عشباً طازجاً ويعتقد أنه سيصل لها كما كان يظن الحمار الإيطالي؟ والآن بعد مرور خمس سنوات على المسرحية، هل وجد المصريون ما وعدهم به قائدهم وإعلامهم حقا؟ أم أن القائد والإعلام قالا لهم مثلما قال الشيطان للإنسان الذي اتبعه: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم" (سورة إبراهيم)؟
التعليقات (0)