كتاب عربي 21

تونس مركزاً للتطرف والإرهاب؟

محمد هنيد
1300x600
1300x600

تونس هي مركز للتطرف الدولي وهي كذلك أكبر مصدّر للدواعش في العالم بل هي كذلك المغذي الرئيسي لمجموعات العنف العابر للحدود. تونس هي كذلك أكبر مصدّر لمقاتلات "جهاد النكاح" في سوريا والعراق وأغلب الجبهات الساخنة في المنطقة العربية ثم إن أغلب قيادات الجماعات الإرهابية تأتي من تونس. وهو ما يجعل من هذه البلاد دولة فاشلة ومرتعا للفوضى وانعدام الأمن.


هذه السرديات وغيرها كثير جدا هو ما تعج به عمدا منصات الإعلام العربي الرسمي أو ما اصطلح عليه على مواقع التواصل الاجتماعي " إعلام العار العربي" بأبواقه المختلفة. لكن المشكلة الأساسية التي تواجه القارئ المتتبع لا تتعلق بمدى صدق هذه السرديات بل تتعلق أساسا بالأسباب الأساسية وراء رواجها وانتشارها والهدف من التنصيص عليها عربيا ودوليا وحتى تونسيا. بادئ ذي بدء لا يمكن فهم الخلفيات الحقيقية وراء هذه الادعاءات دون التذكير بالسياق الخاص للتجربة التونسية وبخصائصه الفارقة مقارنة ببقية المنوالات العربية الأخرى: 

 

تونس هي مهد ربيع الثورات وهي الأرض التي منها انطلقت حركة التغيير المباركة التي عصفت بأسس النظام الاستبدادي العربي وأسقطت ثلاثة من أهم أركانه في تونس وفي ليبيا وفي مصر. فهي بذلك مركز من مراكز الحركة الأساسية في المنطقة العربية ومحور من محاور التردد والدفع رغم صغر مساحتها وضعف عدد سكانها ووزنها الاقتصادي. إنها مصدر حيوي يهدد الهيكل السياسي للنظام الرسمي العربي بما هو وكيل للمنظومات الاستعمارية العالمية. 


ثوريا نجحت تونس في الصمود أمام موجة الثورات المضادة التي استعادت كل المجالات الثورية الأخرى فعجزت الدولة العميقة فيها عن تحقيق المطلوب منها عربيا ودوليا بتصفية المنجز الثوري وإسقاط المسار الانتقالي في العنف والدم كما حصل ذلك في مصر وليبيا وسوريا. كما نجحت التجربة التونسية في تنظيم كل الاستحقاقات الانتخابية من رئاسيات وبرلمانيات وصولا إلى الانتخابات البلدية الأخيرة مؤكدة بذلك عن نضج سياسي كبير وعن قدرتها على الذهاب بعيدا في مسار التغيير الذي يصفي تدريجيا الإرث الاستبدادي ويؤسس للدولة المدنية في إطار ديمقراطي وبمعايير دولية.

 

بناء عليه فإن التجربة التونسية هي تجربة واعدة بكل المقاييس ورغم كل العثرات إذ تحمل في طياتها القدرة على تأسيس أول نظام سياسي عربي ديمقراطي يكذّب سرديات الاستبداد التي ترى أن قدر المنطقة العربية هي الأنظمة الشمولية وأن الشعوب العربية شعوب غير قابلة للديمقراطية أو هي غير ناضجة لممارستها. هذه القدرة على تسفيه الأطروحات الاستبدادية والاستعمارية ووسم الشعوب العربية والمسلمة بالدونية المدنية هي التي تشكل جوهر الخطر القادم من التجربة التونسية على النظام السياسي الرسمي العربي. تأسيسا على ما سبق فإن التجربة التونسية تشكل خطرا عظيما على كل القوى والهياكل والأبنية التي راهنت على موت الشعوب العربية والتي ربطت بين هذا الموت والعجز عن الفعل وبين مواصلة نهب ثروات الأمة والإبقاء عليها سجينة المنظومات القمعية التي تحكمها. 

 

بعد فشل كل المحاولات الانقلابية كان لزاما على القوى المضادة للثورات السعي إلى ضرب النموذج التونسي وشيطنته وشيطنة كل من يرفض شيطنته أو كل من يمده بمصادر الصمود والمقاومة. في هذا الإطار تتنزل السرديات التي بدأنا بهذا هذا المقال وهي التي جعلت من تونس ومن التجربة التونسية مصدرا للشرور ومصدّرا للفوضى والخراب لأن شيطنة النموذج هدف عزيز يمهّد لنزع كل أنواع التعاطف والتحمس لهذه التجربة الوليدة التي قد تلهم غيرها بالنسج على منوالها واحتذاء طريقها وتتبع مساراتها.

 

أما عن علاقات المعطيات التي يروّج لها إعلام العار العربي عن التجربة التونسية بالواقع فكل من يعرف تونس وشعب تونس جيدا يدرك للوهلة الأولى أن كل الادعاءات كاذبة ومغرضة. كيف يمكن أن تتحوّل الدولة التي طالما نُعت أهلها بأنهم شعب متعلم مثقف خلوق إلى دولة إرهابية تصدّر الإرهابيين والدواعش؟ وإذا كان ذلك كذلك فهذا حجة للثورة لا عليها لأن هاته الأجيال هي نتيجة التعليم والتربية الاستبدادية لنظام القمع في عهد الرئيس الهارب بن علي. ثم إن كل مراحل الثورة التونسية ومسارها الانتقالي برهنت بما لا يدع مجالا للشك على سلمية شعب تونس رغم كل المجازر وكل العنف الذي مورس عليها طوال عقود من عمر المرحلة الاستبدادية التونسية. لم تنصب ثورة تونس المشانق ولا انتقم الضحايا من جلاديهم ولا سُحل المجرمون في الشوارع كما فعلت كل النماذج الثورية عبر التاريخ بل إن رموز الاستبداد أنفسهم لم يصدقوا في فترة ما أن يصفح عنهم شعب تونس بهذه السهولة. 


الدرس الأساسي من كل هذه القضية إنما يتمثل في أن الهزات العنيفة هي وحدها القادرة على كشف معدن الشعوب وطبيعة علاقتها بالعنف سواء بالنزوع إليه أو بالترفّع عن ممارسته ونبذه. إن طبيعة المجتمع التونسي وتركيبته الداخلية وعلاقة مختلف المكونات ببعضها هو الذي يفسر الطابع السلمي الغالب على حركة هذه المجموعة البشرية وردود أفعالها في اللحظات التاريخية الحاسمة كما أن نجاحه في التخلص من الرواسب الطائفية والقبلية والعشائرية هي التي تفسر أيضا غياب النزعة الدموية عنه وعن ردود أفعاله عامة.

 

لا يخلو مجتمع ما من نزعات العنف والتحريض عليه وتغذيته سواء في شكله الفردي أو الجماعي خدمة لأجندات سياسية إقليمية ودولية ولا يمكن أن تحصّن مجموعة بشرية كاملة ضد خلايا التوظيف والتجنيد بشكل نهائي وهو ما يفسر تورط بعض العناصر التونسية في عمليات إرهابية هنا أو هناك. لكن السعي إلى توظيف الأعمال الفردية المعزولة الشاذة من أجل شيطنة شعب بكامله فتلك لعمري خطة بائسة تعيسة هدفها شيطنة الثورة الأكثر سلمية في التاريخ الحديث وهي ثورة الشعوب العربية انطلاقا من تونس.

2
التعليقات (2)
ظافر
الجمعة، 20-07-2018 08:20 ص
ما ذكرته في مقدمتك هي مؤامرة دبرها ازلام النظام السابق لتعطيل مسار الثورة ذهب ضحيتها شباب مهمش وفقير وعاطل عن العمل الفساد الذي استفحل في عهد بن علي جله من نخبة انتهازية لاوطنية همها خدمة بن علي وعائلته واصهاره منخم من نال جزاءه ومنهم من ينتظر .
فاطمة بوربيع
الجمعة، 13-07-2018 07:30 م
شكرا لك