مقالات مختارة

العفو الدولية تدين الإمارات بانتهاك حقوق الإنسان

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600

إذا كان «القمع الخشن» من قبل أنظمة الاستبداد ممارسة عادية في أوقات التوتر والصراع السياسي الشديد أو الحراك الشعبي الواعد بالتغيير، فإن «القمع الناعم» من قبل هذه الأنظمة لا يتوقف على مدار الساعة. فالتعذيب الممنهج يمارس على نطاق واسع بشكل علني عندما يتعرض النظام السياسي الحاكم في الدول الديكتاتورية للاحتجاج أو الرفض الشعبي، وتتلاشى المشاعر الإنسانية لدى هؤلاء الحكام ويتحول الواحد منهم إلى شيطان قاس، ليس في قلبه مكان للرأفة أو الرحمة. وهذا ما شهدناه في بلدان عربية عديدة، ابتداء بمصر مرورا بالبحرين ووصولا إلى السعودية والإمارات. حدث القمع الخشن علنا على نطاق واسع في مصر والبحرين على وجه الخصوص في الأعوام التي أعقبت ثورات الربيع العربي في العام 2011، وادى لاعتقال عشرات الآلاف من النشطاء، والتنكيل بهم بلا رحمة. ثم تراجعت خشونته وعلنيته ليصبح ممارسة روتينية تحت تدريب خبراء أجانب، ما يزالون يعملون على نطاق واسع. وفي الأسبوع المقبل سيكون هناك نقاش علني في البرلمان البريطاني حول «الدعم» الذي تقدمه بريطانيا لحكومة البحرين في مجال الأمن، بعد أن استطاع نشطاء حقوق الإنسان الحصول على وثائق تؤكد تخصيص موازنات مليونية لذلك «التدريب». 


البريطانيون يقولون إن خبراءهم الأمنيين يقومون بتدريب ضباط الأمن والمحققين لكي يصبحوا «أكثر احتراما لحقوق الإنسان» و «أكثر التزاما بالمواثيق الدولية التي تمنع سوء المعاملة». ولكن التجربة تقول إن التعذيب في سجون البحرين لم يتوقف يوما. وهناك من إفادات النساء المعتقلات في الشهور الأخيرة ما يؤكد ممارسة المسؤولين الأمنيين الذين دربهم الخبراء البريطانيون أبشع وسائل التعذيب ومنها اغتصاب النساء.


في الأسبوع الماضي دعت منظمة العفو الدولية لإجراء تحقيق مستقل في ممارسات القوات الإماراتية في اليمن، خصوصا معاملة المعتقلين في سجون عدن. واتهمت المنظمة الإمارات والقوات اليمنية المتحالفة معها بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوب اليمن، مطالبة بالتحقيق في هذه الانتهاكات التي تصفها بأنها جرائم حرب. وقالت إن عشرات الأشخاص تعرضوا «للاختفاء القسري» بعد «حملة اعتقالات تعسفية» من جانب القوات الإماراتية وقوات حكومة هادي منصور. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية 13 حالة احتجاز تعسفي على مدار العام، واحتُجز بعض هؤلاء المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، وتعرض بعضهم للاختفاء القسري. وفي 27 إبريل/نيسان، قبضت قوات حكومة هادي على العلامة والسياسي البارز مصطفى المتوكل بشكل تعسفي في مأرب. ولا يزال محتجزا دون تهمة. واتهمت المنظمة الأطراف الأخرى في اليمن بانتهاكات وتجاوزات حقوقية. وفي الشهر الماضي اعتبرت منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان الحكم بالسجن على الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور «ضربة قاسية لحرية التعبير». وكانت محكمة استئناف أبو ظبي قضت بسجن منصور عشر سنوات، وتغريمه مبلغ مليون درهم إماراتي، وأدانته بالتشهير بالإمارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.


وهناك سجناء رأي آخرون مثل محمد الركن، بالإضافة للعشرات الذين سحبت جنسياتهم وأبعدوا إلى بلدان قاصية مثل تايلاند.


وتكشف دعوة العفو الدولية للتحقيق في الأداء الحقوقي لدولة الإمارات، عمق القلق الذي يساور المنظمات الحقوقية الدولية، ليس بسبب سادية ضباط الأمن في دول مثل مصر والإمارات والبحرين والسعودية فحسب، بل بسبب ما يبدو من تواطؤ غربي مكشوف مع حكومات هذه البلدان. هذا التواطؤ لا ينحصر بالدعم السياسي والمادي فحسب، بل تؤكد شهادات الضحايا أنه تواطؤ يهدف لإخفاء جرائم التعذيب. وذكر بعض النشطاء أن توجيهات الخبراء الأمنيين الغربيين تشمل ما يلي: أولا منع وفاة أي شخص تحت التعذيب، الذي يجب أن يتوقف قبل أن يموت الضحية، ثانيا: أن يتم إنكار وجود التعذيب في كل الحالات، وعدم الاعتراف بوقوعه أبدا.


ثالثا: منع الزيارات العائلية للضحية إذا كانت آثار التعذيب واضحة على جسده، رابعا: منع زيارة المنظمات الحقوقية الدولية وخبراء الأمم المتحدة لهذه البلدان، وبالتأكيد منعهم من دخول السجون ولقاء الضحايا. خامسا التقليل من وسائل التعذيب التي تترك آثارا واضحة على الجسد مثل الكهرباء والمخاريز والكي، والاستمرار في الاساليب الاخرى مثل الحرمان من النوم واجبار الضحية على الوقوف اياما متواصلة والتهديد بالاغتصاب وسواها. هذه التوجيهات ساهمت في استمرار الانتهاكات. ولإضعاف دعاوى الضحايا حول معاناتهم، أوعز الخبراء الأمنيون لهذه الدول بإقامة تشكيلات «حقوقية» كخط دفاع «حقوقي» عن النظام، وتوفير المستلزمات المادية كافة لعملها، وتمكينها من حضور المؤتمرات الدولية واستخدام لغة الحقوق على أوسع نطاق. 


هذه المؤسسات أصبحت خطا دفاعيا يوفر مادة إعلامية للتشويش على إفادات الضحايا. فأصبح لدى البحرين والسعودية والإمارات هيئات للتظلم وهيئات وطنية لحقوق الإنسان، وأصبح استخدام لغة المعارضين وسيلة دفاعية أخرى تستخدمها هذه الأنظمة، وتساعد الدول الغربية الداعمة على تبرير استمرار دعمها الأمني لها.


الحقيقة التي أصبحت واضحة للرأي العام، أن المنظومة الحقوقية تراجعت كثيرا لدى المشروع الغربي. وأصيبت هذه المنظومة بتصدع كبير بعد العام 2001 عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس هذه الانتهاكات علنا. فالرئيس جورج بوش الابن اعترف في مذكراته بأنه أقر أسلوب «الايهام بالغرق» كوسيلة للحصول على المعلومات من المتهمين، بينما تعتبر المنظمات الحقوقية هذه الممارسة تعذيبا. وكشفت الوثائق التي كشفت في بريطانيا في العامين الأخيرين تواطؤ حكوماتها في الرحلات السرية التي حدثت بعد حوادث 11 سبتمبر، والتي قامت بنقل المتهمين من بلد لآخر ضمن عمليات مطاردة عناصر تنظيم القاعدة. وتقول الوثائق (ومنها تقريران صدرا مؤخرا عن لجنتي الأمن والاستخبارات أن عملاء جهازي الاستخبارات البريطانية (إم آي 5 و إم آي 6) كانوا على علم بالرحلات السرية وجلسات التحقيق التي مورس فيها التعذيب. وهناك ضغوط على الحكومة لإجراء تحقيق بإشراف القضاء حول هذه المزاعم.

 

فبريطانيا تفتخر دائما أنها ضد ممارسة التعذيب، برغم نزعة بعض زعمائها للتحرر من القوانين الأوروبية التي تجبرها على احترام قوانين حقوق الإنسان وعدم المساومة عليها. وقد أصبح واضحا أن تعاطيها مع الدول الخليجية يتوسع ولم يعد منحصرا بالتعامل التجاري والسياسي فحسب، بل أصبح هناك تعهد بريطاني بتوفير الدعم الأمني كذلك. ففي الأسبوع الماضي مثلا التقى المسؤولون البريطانيون عددا من خبراء الأمن البحرينيين، في خطوة تهدف لترويج مقولة يكذبها الناشطون الحقوقيون وضحايا التعذيب البحرانيون بأن «هناك جدية رسمية لمنع الانتهاكات». فقبل أسبوعين فحسب وقفت الناشطة البحرانية نجاح أحمد يوسف أمام القاضي، بعد أن حكم عليها بالسجن ثلاثة أعوام قائلة: أخبرتك مرارا بما تعرضت له من تعذيب ومنه التحرش الجنسي، فلم تفعل شيئا، واليوم تسجنني ثلاثة أعوام.


البريطانيون يستطيعون أن يمارسوا دورا أكثر إيجابا في مجالي حماية حقوق الإنسان وترويج الديمقراطية. وفي كليهما خير ليس للمنطقة فحسب، بل للأمن والسلم الدوليين. تستطيع بريطانيا أن تستفيد من تجاربها في الخمسة عشر عاما الأخيرة، وهي تجارب أصبحت تلاحقها في الوقت الحاضر. فبالإضافة للحرج الناجم عن صدور التقريرين المذكورين عن اللجنتين البرلمانيتين، ما تزال قضية الليبي عبد الحكيم بلحاج تلاحق عددا من المسؤولين البريطانيين السابقين. فقد كسب قضية رفعها ضد الحكومة البريطانية بدعوى تسليمه لنظام القذافي وتعرضه للتعذيب بأيدي جلاديه، وأصبح عليها تقديم اعتذار وتعويضات عن معاناته. فمناضلو اليوم الذين يقمعون على أيدي أنظمة مدعومة من بريطانيا سينتصرون غدا، وجلادو اليوم سيقفون أمام القضاء ويكشفون خفايا عملهم ومدربيهم. فالدنيا لا تستقيم على حال، والقوي قد يهزم والضعيف قد ينتصر. فالذين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في سجون عدن سيلاحقون جلاديهم، وضحايا التعذيب في مصر والبحرين والسعودية وفلسطين سينهضون يوما ململمين جراحهم ليلاحقوا أعداء الإنسانية.

القدس العربي
0
التعليقات (0)

خبر عاجل