كتاب عربي 21

الرعاة الرسميون للانقلاب

سليم عزوز
1300x600
1300x600

لا قيمة لاعتراف "خافيير سولانا" بعلمهم (الناتو) المسبق بالانقلاب في تركيا، وعدم مساعدة لأردوغان في مواجهة هذا الانقلاب العسكري! والذي يقال إنه لم يقل هذا الكلام، ولكن حسابه مخترق!

نسب لـ"سولانا" اعترافه في الوقت الضائع، وبعد أن غادر موقعه كأمين عام لحلف الناتو، وبعد عامين من الانقلاب، وجاء هذا الاعتراف في تدوينه له، فليس في اعتذاره يعبر عن المنظمة الدولية، ولكنه يتطهر بصفته الشخصية، ويبحث عن الخلاص الشخصي!

القيمة الوحيدة لهذا الاعتراف (إن صح) أنه يأتي كاشفاً عن الموقف الغربي، وليس منشئاً لهذا الموقف، فالغرب هو الراعي الرسمي للاستبداد، وهو المتآمر على شعوب المنطقة، والحيلولة دون حقها في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها بإرادتها الحرة، وهو الحق المقرر للمواطن في الدول الغربية، التي لا تزال تتعامل معنا على أننا مجرد مستعمرات، وهي ذات النظرة القديمة للمستعمر!

عندما وقع الانقلاب في تركيا، كان واضحاً أن الدول الغربية متورطة فيه، وقد قال أردوغان في الساعات الأولى أن الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة فيه، ولم ينف البيت الأبيض هذا الاتهام على خطورته، وهناك كلام عن بارجة أمريكية كانت في المياه التركية، وقد كلفت بأسر الرئيس التركي بعد خطفه، إذ قام المخطط الانقلابي على اختطافه، وبعد فشل الانقلاب تم تجاوز هذا الجانب، كما تم تجاوز ما نشر عن تورط إماراتي في الانقلاب، فإعلام القوم كان يتابع خط سير الانقلاب خطوة بخطوة، والبيانات التي نشرتها قناة "العربية" و"وسكاي نيوز عربية" باسم الجيش التركي، وقائد الانقلاب، لم يتم إلى الآن تقديم دليل على أنها صدرت فعلاً، فهى بيانات معدة سلفا، ولا تحتاج لمن يصدرها، فقد كان هذا دور الإعلام الإماراتي!

عندما وقع الانقلاب في تركيا، كان واضحاً أن الدول الغربية متورطة فيه، وقد قال أردوغان في الساعات الأولى أن الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة فيه، ولم ينف البيت الأبيض هذا الاتهام على خطورته


وهذا الأمر يكشف أن الانقلاب أكبر من تمرد جرى في الجيش التركي، وأنه تم وفق مخطط دولي واقليمي، وقد تجاوزه الجانب التركي، لأسباب غير معلومة، فإن كان قد لخص كل مطالبه من الولايات المتحدة الأمريكية في تسليم "فتح الله غولن"، فإنه سكت تماماً على الدور الإماراتي، وهو ما أغرى الإماراتيين بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والإمارات ليست قوى عظمى ليعمل له أردوغان حساباً.

الدليل على المؤامرة الغربية، أن هذه الدول صمتت تماماً على محاولة الانقلاب، في انتظار نجاحها لتعلن تأييدها، وأعلن البيت الأبيض في البداية أنه يتابع الموقف عن كثب، وكأن هذا هو منتهى الدور الذي يقوم به الأمريكيون الذين يتعامل معهم البعض على أنهم "العالم الحر"، وهم ليسوا أكثر من قوى استعمارية، ترى في العسكر أنهم الأصلح للقيام بدور "وكيل الأعمال" في عالم ربما لم يعد يتقبل الاستعمار بشكله القديم، ولأن هذا الاستعمار فاتورته مكلفة!

بعد انتصار إرادة الشعب التركي على العسكر، أعلنت عواصم غربية اعترافها بالحكومة المنتخبة في تركيا، ومن ألمانيا إلى واشنطن، وكذلك فعل حلف الناتو!

الموقف الأمريكي يشبه نفس الموقف من الثورة المصرية، فواشنطن أعلنت في نهاية اليوم الأول أن مبارك باق، ثم بعد ذلك كان الموقف يتراوح بين الانحياز للثورة والانحياز لمبارك


والموقف الأمريكي يشبه نفس الموقف من الثورة المصرية، فواشنطن أعلنت في نهاية اليوم الأول أن مبارك باق، ثم بعد ذلك كان الموقف يتراوح بين الانحياز للثورة والانحياز لمبارك، وفق سياسة توزيع الأدوار بين "أوباما" ووزير خارجيته "هيلاري كلينتون".. تبدو الثورة قوية فيخرج "أوباما"، وتبدو السلطة أقوى من أن تهزم فتتصدر "كلينتون" المشهد. وفي الانقلاب ظهر وزير الدفاع الأمريكي مؤيدا، وسكت الرئيس الأمريكي خوفا من نجاح الشعب المصري في هزيمة الانقلاب! بيد أن هذا الشعب كان يلعب في الحدود التي رسمها له "التنظيم" والتنظيم كانت عينه في أدائه على البيت الأبيض، فلا يريد أن يتنفس الثوار نفساً مختلفاً فتخسر الشرعية تأييد البيت الأبيض!

ولا شك أن الدرس التركي قد كشف عن أن الشعوب وحدها هي القادرة على فرض إرادتها، وتقرير مصيرها، ليصبح الموقف الغربي بعد ذلك هو تحصيل حاصل، كما حدث بعد اعلان دوائر غربية انحيازها للحكومة الشرعية في أنقرة، ولكن بعد أن دحر الشعب التركي الانقلاب، وقام بالالتفاف حول قائده وحول تجربته الديمقراطية الوليدة.

ولا يمكن اعتبار الانحياز الأمريكي للانقلابات العسكرية، سواء في مصر أو في تركيا، على أنه مرتبط بكرهها للإسلاميين. فواشنطن خططت مع الخونة من العسكر في فنزويلا، فهوجو شافيز فاز بإرادة الشعب، لتخطفه عصابة الجيش، لكن الشعب أخرجه من سجنه، وأعاده لكرسي الحكم، وأحبط مؤامرة العسكر الموالين للبيت الأبيض!

فواشنطن، ومعها الدول الغربية، هي معادية لإرادة الشعوب، وضد أي حاكم وطني، ليس تابعاً ويعمل لمصلحة بلاده، ولم تكن الديمقراطية هي قضيتها في يوم من الأيام؛ لأنها الراعي الرسمي للاستبداد في المنطقة، ولا تجد استمراراً لبقاء المستعمرات القديمة على حالها إلا في وجود حكم العسكر في الحكم!

واشنطن، ومعها الدول الغربية، هي معادية لإرادة الشعوب، وضد أي حاكم وطني، ليس تابعاً ويعمل لمصلحة بلاده، ولم تكن الديمقراطية هي قضيتها في يوم من الأيام


ومهما يكن، فإن "خافيير سولانا" هو الأفضل إذا ما قورن بـ"كاثرين آشتون"، المبعوثة الأوروبية لتفكيك الأزمة المصرية، والتي لم نسمع لها صوتا بعد انتهاء مهمتها في تعزيز حكم العسكر لتغادر القاهرة بعد ذلك وهي مطمئنة على نجاح الانقلاب.

هل يعقل أن وسيلة إعلامية لم تحاول أن تلتقي المذكورة وهى تحتفظ بأسرار ربما لا يعرفها غيرها؟

إن صمتها كاشف عن أنها كانت جزءاً من المؤامرة، ولا تملك الحد الأدنى من الاستقامة النفسية فتسعى للخلاص الخاص كما فعل "خافيير سولانا"!

لقد انتصر الشعب التركي على المؤامرة التي لم يكن الجيش فيها سوى منفذ للأوامر!

التعليقات (4)
Mo za
الثلاثاء، 17-07-2018 07:45 م
أروع تحليل في واقع سياسي ومرير تعيشه الأمة الاسلامي والعرؤية في الوقت...
هشام ميشلان
الثلاثاء، 17-07-2018 11:35 ص
من طرائف ما سمعت ، أن الاستخبارات الغربية التي فشلت بكل خبرتها و خبراءها و دهاتها و تجاربها في إفريقيا السوداء و إفريقيا البيضاء ، و بالأموال الإماراتية " اللي زي الرز " و مباشرة بعد فشل الانقلاب أعلنت مصادر بارزة في حلف شمال الأطلسي لموقع ألدير ميرور النرويجي الشهير أن قادة الحلف يؤمنون بأن أردوغان هو من دبر انقلاباً عليه. ونقل الموقع عن مسؤول في الناتو قوله "إن ضباطاً مخضرمين في الحلف يحملون ثلاث وأربع نجوم، ويتعاملون مع تركيا منذ 30-40 عاماً ويشرفون على تدريب الضباط الأتراك منذ 4 و5 سنوات، لا يرون أن ما حدث في تركيا انقلاباً. وأوضح المسؤول الحلفي أن القوات المسلحة التركية من المؤكد أنها كانت ستنجح لو رغبت فعلياً في تنفيذ انقلاب نظراً لأن الانقلابات تقليد وعادة متجذرة في المؤسسة العسكرية التركية. والجنود الأتراك الذين لا يزالون على اتصال بالحلف يرون أن أردوغان وضع خطة منذ عام لتنفيذ الانقلاب على نفسه ، وأنه كان يمتلك قائمة بأسماء الأشخاص الذين خطط لتصفيتهم ونفذ خطته هذه في صبيحة الانقلاب الفاشل. قائلاً أنا لم أصادف شخصاً يرى أن ما حدث هو انقلاب حقيقي.! وإذا ضممنا هذه التصريحات إلى التصريحات الصادمة التي أدلى بها (برونو كال)رئيس الاستخبارات الخارجية في ألمانيا العضو في الحلف وهي إحدى أهم الاستخبارات في العالم لصحيفة بيلد الألمانية وكذلك التصريحات التي أدلى بها رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي ديفين نونيس بخصوص الانقلاب الفاشل فإنه يتبين أنها رأي الناتو ككل وإن لم يعلن ذلك رسميا " في حينها "ً لاعتبارات كثيرة. وكان ( برونو كال)رئيس المخابرات الألمانية قد قال في تلك التصريحات: "إن الحكومة التركية حاولت على مستويات مختلفة إقناعنا بأن حركة غولن هي التي دبرت محاولة الانقلاب لكنها فشلت في تقديم أي دليل مقنع في هذا الصدد. وتابع : هذه المحاولة لم تكن عملاً منظماً شارك فيه كل أجهزة الدولة. الحكومة التركية كانت قد أطلقت حملة تصفية كبيرة حتى قبل هذه المحاولة الانقلابية وتوقعت بعض المجموعات في المؤسسة العسكرية أن تطالهم هذه التصفيات أيضاً، فرأت ضرورة المسارعة إلى إحداث انقلاب لإنقاذ أنفسهم. لكنهم تأخروا وحصدتهم تلك التصفيات التي بدأت بعد إفشال الانقلاب. حتى لو لم تقع هذه المحاولة فإن هذه التصفيات كانت ستجرى وإن لم تكن بهذه الشدة والعمق والتوسع. فمحاولة الانقلاب باتت ذريعة مرحبة بها. لكن حركة غولن ليست منظمة إرهابية بل هي حركة مدنية دينية تعليمية. (ولعله يشير بعبارة مرحبة إلى وصف أردوغان لمحاولة الانقلاب بالهدية الإلهية!) يعني بعد الانقلاب الفاشل بأيام اعترف الناتو بتورطه المباشر ، و ليس بعلمه المسبق كما صرح خافيير سولانا ، بفشلهم في إدارة خيوط الانقلاب ، مما أصابهم بالإحباط و الغضب على عملائهم العسكريين الأتراك الخونة من الفاشلين رغم الخبرة العسكرية التركية في الانقلابات ، و رغم الدعم من الناتو و أمريكا ، و الأموال " اللي زي الرز " من الإمارات ، " كل شيجن انكشفن و بان " ، و تعرى الغرب كله أمام تركيا ، و العالم ، لكن أردوغان و كما ذكرت يا أستاذ سليم لم يرد فضحهم ، أو على الأقل الإمساك بالإمارات و تخليص حقه منها ، لانها لا وزن لها في أي شيء ، و لا قيمة و لا صفة و لا دور لها إلا المال الحرام .
صاحب رأي آخر
الثلاثاء، 17-07-2018 11:26 ص
الأستاذ سليم عزوز له إسهاماته الهامة في التصدي للانقلاب وله جزيل الشكر على ذلك. ولكن لنا أن نختلف معه في بعض الجوانب. فهو يلوم تركيا على عدم فضح الموقف الأمريكي مثلاً من الانقلاب وأنها حصرت هذا الموقف في المطالبة بتسليم عقل الانقلاب غولن، وأنها لم تفضح دور الإمارات. وأختلف مع ذلك تماماً. فتركيا لو فتحت أبواب الاتهامات، ولها من حيث المبدأ كل الحق في ذلك، لقوضت العلاقات التي تربطها بمعظم الجيران وكل الغرب وعلى رأسه أمريكا. وحسناً فعلت تركيا أنها لم تصعّد الموقف مع أمريكا وإلا لكان أردوغان والنظام الديمقراطي التركي قد ذهبا في مهب الريح حتى الآن. فتركيا تمشي على قشر البيض وأحياناً من شدة انتقاد أردوغان لأمريكا أضع يدي على قلبي خوفاً عليه وعلى تركيا وهي الدولة الوحيدة الباقية لنا. الذي أستطيع أن أقرره بكل ثقة أن أردوغان يتحرك إلى أقصى الحد الذي تسمح به شعرة معاوية حتى لا تنقطع ويقع ما لا تُحمد عقباه. هكذا السياسة الدولية وقد أدارها أردوغان بكل ذكاء ودهاء في تعامله مع أوروبا وطلب العضوية في الاتحاد الأوروبي التي استغلها خير استغلال في تحجيم العسكر وكسر شكوتهم شيئاً فشيئاً بذريعة التواؤم مع قوانين ومتطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كذلك لوم عزوز للإخوان بأنهم حجّموا تحرك الشعب المصري ضد الانقلاب لأن عينهم كانت على واشنطن ولم يكن يريدون إغضابها! فإن الأغلبية الساحقة ممن تحركوا ضد الانقلاب في مصر هم الإخوان ولا أحد غيرهم سوى قلة من الإسلاميين وبضعة أفراد من التيارات الأخرى. فلم نر تحركاً لأي قوى أخرى حتى يتهم سليم عزوز الإخوان بأنهم قيدوا تحرك الشعب! أعلم أن الإخوان أقدر مني على الدفاع عن أنفسهم ولكن لأنهم إما في القبور أو المعتقلات أو هائمون على وجوهم داخل البلاد أو خارجها هرباً من جحيم الانقلاب وجب على الآخرين إيضاح الحقيقة في غيابهم لأنهم كانوا يعملون من أجل الوطن، وكاتب هذا التعليق هو أحد هؤلاء الآخرين. أقرب طريق إلى التأثير هو الموضوعية. وشكراً للأستاذ عزوز على أية حال.
شاكر أبو عادل
الثلاثاء، 17-07-2018 03:09 ص
كفى بهذه المقالة وزنا أن تكتب بماء الذهب . لا جف قلمك أستاذ سليم عزوز