ملفات وتقارير

على غرار "تحيا مصر".. صندوق سيادي غامض جديد يقره البرلمان

وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإنشاء صندوق سيادي تحت مسمى "صندوق مصر"- الأناضول- أرشيفية
وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإنشاء صندوق سيادي تحت مسمى "صندوق مصر"- الأناضول- أرشيفية

بين سلسلة تمرير لقوانين مثيرة للجدل، وافق مجلس النواب المصري، الاثنين، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإنشاء صندوق سيادي تحت مسمى "صندوق مصر"، برأس مال قدره 200 مليار جنيه.

والصندوق يخضع لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بشكل مباشر، على غرار صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأه السيسي منتصف 2014، ومن حق إدارة الصندوق بيع وشراء أملاك وأصول الدولة المنقولة والثابتة، وتأسيس شركات جديدة بشراكات مع شركاء محليين أو أجانب لتطوير مشاريع قائمة أو إنشاء مشروعات جديدة، والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد، وتداول الأسهم بسوق الأوراق المالية، مع حق الاقتراض الداخلي والخارجي دون موافقة الجهات الرقابية.

وكلمة صندوق سيادي تمثل أزمة لدى المصريين، وتثير مخاوفهم من ضياع تلك الأموال والأصول الحكومية، في ظل سلطة لا تسمح بتداول المعلومات ولا المكاشفة، ولا إعلان الحقائق للشعب والإعلام، وهو ما تمثل بإخفاء حقائق مدخلات ومخرجات "صندوق تحيا مصر"، وغياب الشفافية حول مصير مليارات الخليج التي دعمت بها السعودية والإمارات والكويت والبحرين النظام العسكري الحاكم، والتي وصلت لـ50 مليار دولار ببعض التقديرات.


ويتخوف المصريون من أهداف ذلك الصندوق الجديد، خاصة في ظل التعتيم على أسلوب عمله، وآليات نقل ملكية الأصول التي ستؤول إليه من الجهات الحكومية، كما يتوجس البعض من مخاطر التهام ذلك الصندوق عوائد الدولة، مثل التهام حكومات حسني مبارك أموال صناديق التأمينات والمعاشات، وكذلك تأثيره السلبي على الاقتصاد في ظل مشروعات النظام الحالي الكبرى، كقناة السويس والعاصمة الإدارية، والتي لم تنقذ المصريين من الفقر، بل زادت نسبه، حيث إن ثلث المصريين يقبعون تحت معدل خط الفقر العالمي.

ورغم أن لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان أكدت أن الصندوق يعد أسوة بالصناديق السيادية الناجحة بالصين وسنغافورة والنرويج والإمارات والسعودية، إلا أن القانون لاقي معارضة بعض النواب، بينهم ضياء الدين داوود، الذي قال أثناء مناقشة القانون إن "الصناديق التي يتم الاستشهاد بها تقوم على فوائض ثروة، لكننا بمصر نعاني فوائد الدين".

وفي الجلسة، أكد وزير المالية، محمد معيط، على ضرورة استغلال الأصول غير المستغلة عبر الصندوق السيادي، وهو ما وافقه عليه رئيس مجلس النواب علي عبد العال، بقوله: "إنشاء صندوق مصر السيادي تأخر كثيرا".

وفي تعليقه، أكد الخبير الاقتصادي، رضا عيسى، أن "مجمل القضية في مدى توافر الشفافية"، متسائلا: "كيف سيكون شكل الصندوق وتكوينه؟ وهل له قوائم مالية واضحة يتم الرقابة عليها؟ وهل سيكون متاحا للمصريين التعرف على ما يجري من أعماله؟ وهل سيعود بالفائدة عليهم؟ أم أن مجرد صندوق سري لا يختلف كثيرا عن سابقه؟".

وأضاف بحديثه لـ"عربي21"، أنه "لا يصلح أبدا أن يكون هناك صندوق خاص وسري وخارج عن رقابة أجهزة الرقابة"، مشيرا إلى أن "ما سيضمه الصندوق هي أملاك الدولة وليست أملاكا خاصة".

وقال: "هناك عشرات التساؤلات التي لا نجد لها إجابة، حيث لا نعرف كيفية ضم تلك الأصول، ولا ماهيتها؟ وهل بينها مباني الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية التي ستنتقل إداراتها من القاهرة للعاصمة الجديدة في 2019؟ وما دور وحجم شراكة القطاع الخاص وجنسيته مع الصندوق؟ وفي أي مجال؟".

وواصل تساؤلاته: "هل يضم الصندوق بين ما يضمه من عقارات وأراض وأملاك وشركات أراضي القوات المسلحة؟، تمتلك نحو 97 بالمئة من إجمالي مساحة الأراضي بمصر، وهل ستعرض تلك الأراضي ضمن الشراكة مع القطاع الخاص؟".

وحول الأسماء المرشحة لقيادة مثل ذلك الصندوق، توقع عيسى ترشيح الاقتصادي المصري الأمريكي المتخصص في أداء الصناديق السيادية، الدكتور محمد العريان، لإدارة هذا الصندوق، موضحا أنه عمل مستشارا اقتصاديا للسيسي منذ 2014.

 

كما توقع عيسى أن توكل الحكومة لشركة خاصة مصرية أو أجنبية مهمة إدارة الصندوق، مشيرا إلى أن أعباء الوزارات والجهات الحكومية قد لا تضاف إليها أعباء الصندوق.

وختم عيسى حديثه بالقول إنه لا يمكن الجزم بوجود فوائد لهذا الصندوق، في ظل التعتيم حوله، مشيرا إلى أن الفيصل في الأمر هو وجود الشفافية والرقابة على الإنفاق، مؤكدا أن أهم عيوب ذلك الصندوق هو الإنفاق خارج الموازنة العامة للدولة، وهو ما يجعل موازنة الدولة رديئة.

من جانبه، أعلن الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم مخاوفه من أن يقوم الصندوق السيادي بمهمة "بيع ممتلكات الدولة، خاصة مباني الوزارات؛ بزعم الانتقال للعاصمة الإدارية، وإخلاء قلب القاهرة من أي وجود للحكومة"، مشيرا عبر صفحته بـ"فيسبوك" إلى أن الصندوق له تشكيل خاص، وستنقل إليه كل أصول الدولة من شركات ومبان وأراض حتى ممتلكات المحافظات والمحليات، إلى جانب تحصين عمليات البيع وتقنينها".

وقال الخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار: "تجربة المصريين مع استحواذ الدولة على مدخراتهم مؤلمة، ومن الصعب تجديد الثقة بالدولة، التي استحوذت على أموال صندوقي التأمين والمعاشات (العام والخاص) وأضاعتها بدمجها في إيرادات الموازنة العامة".

وأضاف عبر صفحته بـ"فيسبوك": "الدولة الآن لن تستحوذ على مدخرات المصريين فقط، لكنها تستحوذ على ثروتهم بموجب قانون خاص يضع الدولة وإدارة الصندوق فوق القانون".

وفي مقال له بصحيفة "الأهرام الاقتصادي"، قال الكاتب عماد غنيم: "لو لم يكن لهذا الصندوق من فائدة سوى حصر الأصول التي تمثل ملكية عامة للمصريين، فإنه يكون قد حقق إنجازا".

ولكنه أضاف أن "فكرة الصندوق ما زالت غامضة وغير محددة، فالمعلومات مقتضبة حول أهدافه وأسلوب عمله وحول آليات نقل ملكية الأصول التي ستؤول إليه"، موضحا أن الصندوق تؤول إليه الأراضي والمنشآت الخاضعة لملكية الدولة، وأنها تمثل ثروة عقارية هائلة، في إشارة إلى آلاف القصور والفيلات الأثرية في القاهرة والمحافظات.

التعليقات (0)