قضايا وآراء

دوافع التدخل العربي والدولي في ليبيا

جمعة القماطي
1300x600
1300x600

أصبحت ليبيا (خاصة في السنوات الأربع الأخيرة) مسرحا لتدخل العديد من الأطراف العربية والدولية فيها. ويشكل هذا التدخل أكبر عوامل التأزيم وتغذية الصراع بين الأطراف الليبية، وترسيخ التشظي وعدم الاستقرار.

رأت كثير من الدول أن ليبيا أنهت حقبة سياسية مع سقوط نظام القذافي، لتدخل حقبة جديدة من تاريخها تتشكل فيها دولتها ونظامها السياسي على أسس ودعائم مختلفة تماما. وتنظر العديد من الأطراف العربية والدولية إلى ليبيا على أنها تمتلك ثروات هائلة وموقعا استراتيجيا هاما، وبالتالي فمن يستطيع أن يوجه تكونها السياسي الجديد لصالحه؛ فإنه سيجني مصالح وغنائم كبيرة منها. فمن هي هذه الأطراف وما هي دوافعها الحقيقية؟


تنظر العديد من الأطراف العربية والدولية إلى ليبيا على أنها تمتلك ثروات هائلة وموقعا استراتيجيا هاما، وبالتالي فمن يستطيع أن يوجه تكونها السياسي الجديد لصالحه؛ فإنه سيجني مصالح وغنائم كبيرة منها

الدافع الرئيسي لتدخل مصر بقيادة السيسي في ليبيا ودعمها العسكري والسياسي الواسع لحفتر، هو الحرص على منع وصول الإخوان المسلمين في ليبيا، ولو جزئيا إلى الحكم، وبالتالي يصبحون مصدر دعم وسند لجماعة الإخوان المسلمين المصرية. كما ترى مصر أن ليبيا تشكل مصدر تهديد أمني من خلال إمكانية تسرب الأسلحة وتواجد الجماعات الإرهابية المصرية على حدودها الغربية مع ليبيا. ولا تخفي مصر طموحاتها الاقتصادية في الحصول على النفط الليبي، وكسب تنفيذ مشاريع واسعة لصالح الشركات المصرية داخل ليبيا، وكذلك إمكانية استيعاب ليبيا لملايين من العمالة المصرية، التي ستكون مصدرا هاما للعائدات بالعملة الصعبة للاقتصاد المصري.

وبينما تشترك دولة الإمارات مع مصر في هدف محاربة تيار الإسلام السياسي في ليبيا، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، تنظر الإمارات إلى ليبيا كذلك على أنها تمثل إمكانية بروزها كأكبر مشروع منافس اقتصادي لها على المدى المتوسط والبعيد. فليبيا تملك موقعا جغرافيا استراتيجيا على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وعلى مرمى حجر من أوروبا، وتملك ثروات طبيعية هائلة ومناخا معتدلا، وبالتالي فإن استقرار ليبيا بكل مميزاتها الجغرافية والمناخية والبشرية والسياحية؛ سيجعلها غالبا الوجهة المفضلة والمركز التجاري والمالي الجديد للاستثمار وإدارة المشاريع، وتجارة العبور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وما تخشاه دولة الإمارات هو أن ليبيا المستقرة الناجحة ستسحب البساط من تحت نموذجها الاقتصادي، ولذلك فهي تسعى إما إلى السيطرة السياسية على ليبيا من خلال دعم حفتر أو غيره من الذين لديهم استعداد لخدمة الأجندة الإماراتية، أو منعها من الاستقرار والنهوض، وذلك من خلال تغذية الصراع واستمراره فيها.


تشترك دولة الإمارات مع مصر في هدف محاربة تيار الإسلام السياسي في ليبيا، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، تنظر الإمارات إلى ليبيا كذلك على أنها تمثل إمكانية بروزها كأكبر مشروع منافس اقتصادي لها على المدى المتوسط والبعيد

وتقف قطر وتركيا، في المقابل، في مواجهة المشروع الإماراتي المصري لدعم حفتر، وذلك بدعم الطرف الليبي الآخر الرافض لحفتر. ولكن انحسر هذا الدعم مؤخرا، وخاصة مع اندلاع أزمة قطر مع جيرانها؛ إلى مجرد دعم سياسي. ولا يخفى كذلك أن قطر تعتمد بشكل شبه كلي على إنتاج وتصدير الغاز، وبالتالي فهي ترى في تطوير وإنتاج الغاز الذي تملك ليبيا احتياطات ضخمة منه، وتصدره إلى سوق أوروبا القريب من خلال خط أنابيب تحت البحر المتوسط، مجالا مهما للاستثمار القطري مستقبلا.

كما تسعى تونس والجزائر والمغرب إلى دعم استقرار ليبيا ووحدة أراضيها، من خلال التواصل السياسي مع كل أطراف الصراع الليبي، واستضافة مؤتمرات الحوار والاجتماعات السياسية المهمة، وذلك لارتباط استقرار ليبيا ووحدتها المباشر بالأمن القومي لهذه الدول الجارة والشريكة في الاتحاد المغاربي..

أوروبيا، تنظر إيطاليا إلى ليبيا، القريبة جدا جغرافيا والمستعمرة السابقة لها، على أنها أهم شريك تجاري في أفريقيا، ومصدر حيوي للغاز والنفط، وكذلك أكبر معبر للهجرة من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى ايطاليا، حيث يشكل ملف الحد من الهجرة التحدي السياسي والأمني الأكبر للحكومات الإيطالية المتتابعة.
تراهن فرنسا على وصول حفتر إلى الحكم في ليبيا، سواء عسكريا أو من خلال انتخابات رئاسية، وتقدم دعما عسكريا وأمنيا كبيرا لحفتر في شكل طائرات رصد وخبراء عسكريين متواجدين مع قواته، وكذلك الدعم السياسي

وتسعى فرنسا إلى بسط نفوذها، خاصة في الجنوب الليبي، حيث الاحتياطيات الضخمة للنفط والغاز والمعادن، ومنها اليورانيوم. وتعتبر فرنسا الجنوب الليبي مجالا استراتيجيا هاما لها لتجاوره مع النيجر وتشاد، وقربه من مالي، حيث تتواجد فرنسا سياسيا وعسكريا بقوة في هذه الدول الثلاث كمستعمرات فرنسية سابقة. كما تراهن فرنسا على وصول حفتر إلى الحكم في ليبيا، سواء عسكريا أو من خلال انتخابات رئاسية، وتقدم دعما عسكريا وأمنيا كبيرا لحفتر في شكل طائرات رصد وخبراء عسكريين متواجدين مع قواته، وكذلك الدعم السياسي من خلال استضافته في مؤتمرات دولية في باريس، وإضفاء شرعية سياسية دولية عليه. ويعتبر لودريان، وزير خارجية فرنسا الحالي ووزير دفاعها السابق، هو عرّاب سياسة دعم حفتر في ليبيا، واستطاع إقناع الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون بتبني هذه السياسة.

كما تسعى بريطانيا وألمانيا وإسبانيا إلى تحقيق مكاسب اقتصادية لشركاتها في ليبيا ما بعد القذافي، وتحرص على الظهور بعدم الانحياز سياسيا لأي طرف من أطراف الصراع الليبي ضد الآخر.

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن مكافحة الإرهاب وإحتواء خطر داعش من ليبيا من أهم أولوياتها، وتتدخل عسكريا (إلى الآن) من خلال توجيه ضربات جوية ضد فلول هذا التنظيم الهاربة داخل ليبيا. كما لا تغفل أمريكا المصالح التاريخية لشركاتها النفطية في ليبيا، وتسعى كذلك إلى مواجهة محاولات التغلغل والنفوذ الروسي في ليبيا، كما تعتبر أمريكا أن استقرار ليبيا مهم جدا لاستقرار حلفائها الآخرين في المنطقة، ومنهم مصر وتونس والمغرب.

 

تعددت الأسباب والدوافع للتدخل العربي والدولي في ليبيا، والذي في أغلبه تدخل سلبي، ولكن النتيجة واحدة، وهي تغذية مستمرة لصراع وحروب بالوكالة ينتج عنها عدم استقرار ومعانات أمنية واقتصادية لكافة الليبيين

تسعى روسيا إلى الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية السابقة مع نظام القذافي، والتي تمثلت في إبرام عقود قيمتها مليارات الدولارات لم تنفذ بعد، في مجالات النفط والغاز وبناء السكة الحديدية، إلى جانب استرجاع ديون روسية قديمة مستحقة على ليبيا من بيع الأسلحة إلى نظام القذافي، والتي تصل إلى قرابة الخمسة مليارات دولار. وعلى الرغم من تقاربها ظاهريا مع حفتر، إلا أن روسيا أبقت على نفس مستوى التواصل السياسي مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس كذلك، ورفضت روسيا فعليا خرق الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة؛ بتزود حفتر بالأسلحة، رغم طلباته المتكررة.

تعددت إذن الأسباب والدوافع للتدخل العربي والدولي في ليبيا، والذي في أغلبه تدخل سلبي، ولكن النتيجة واحدة، وهي تغذية مستمرة لصراع وحروب بالوكالة ينتج عنها عدم استقرار ومعانات أمنية واقتصادية لكافة الليبيين. ولا زال الليبيون ينشدون حلمهم في الخروج من نفق الصراع والوصول إلى بر الأمان، وإرساء دعائم دولتهم الجديدة المنشودة، وأهمها الاستقرار والحريات والديمقراطية، وانطلاق مرحلة واعدة من التطوير والتنمية الشاملة.

التعليقات (1)
صالاح
الثلاثاء، 17-07-2018 10:17 م
الكلب لا يسمعه الا مثله