قضايا وآراء

إسلاميو المغرب ومخاض ما بعد المشاركة

بلال التليدي
1300x600
1300x600

يعيش إسلاميو المغرب مرحلة دقيقة من عمرهم الحركي والسياسي، فالتوحيد والإصلاح التي تعتبر الحركة الدعوية الأم، تعقد مؤتمرها السادس في بداية آب/أغسطس برهان إعادة تحيين أوراقها التأسيسية (الميثاق)، وتقييم طبيعة العلاقة بين الدعوي والسياسي، فضلا عن تحديد أولويات المرحلة القادمة، أما حزب العدالة والتنمية، فيعيش على إيقاع حوار داخلي ممتد الجولات، للتوافق على جواب سياسي جماعي للمرحلة، بعد أن أدخلته ظروف تشكيل حكومة سعد الدين العثماني في تباينات حادة، واصطفاف غير مسبوق على  خلفية الاختلاف في قراءة اللحظة السياسية وطبيعة الخط والتموقع السياسي المطلوب.


قد يبدو في الظاهر التباين بين استحقاقات الحركة والحزب، وأن كلا منهما ينشغل بأسئلته الخاصة، لكن في الجوهر،  يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه الإسلاميين المغاربة، سواء منهم الدعويين أو الحركيين، هو إعادة تعريف الهوية الحركية والسياسية ورسم الدور، في ظل شروط ما بعد المشاركة في  مربع الحكم.

 

يبدو وضوح هذا التحدي لدى الفاعل الحزبي أكثر، فحزب العدالة والتنمية الذي دخل لحد الآن في جولتين للحوار، تمحورت الأولى حول قراءة السياق الدولي والإقليمي وانعكاساتهما على مسار الدمقرطة في المغرب وعلى وضعية الإسلاميين فيه، والثانية، حول قواعد المنهج وخصوصيات الخطاب السياسي، هذا الحزب، يعيش على إيقاع سؤال تطور الهوية السياسية، وليس تحول الهوية المرجعية.


نعم، ثمة من يحاول أن يعتم المشهد، ويصور الخلاف كما ولو كان خلافا حول تمثل قواعد المنهج أو انزياحا عن ثوابت الخطاب، لكن، في المحصلة، مهما تم الاجتهاد في إبراز الثوابت الأصولية والمنهجية  والخطابية لدى حزب العدالة والتنمية، فإن ذلك لن يجيب عن سؤال تطور الهوية السياسية، وما إذا كان حزب العدالة والتنمية اليوم، حزب الحركة الإسلامية المنشغلة برهان تحصين المكتسبات وتأمين المشروع وخلق بعض شروط انسيابه وتوسعه، أو حزبا تجاوز  هموم وانشغالات الحركة الإسلامية، وأصبح حالة إصلاحية مفتوحة في المجتمع، منشغلا برهان الدمقرطة وخوض متطلبات الإصلاح السياسي.

 

سؤال تطور الهوية السياسية لحزب العدالة والتنمية هو الذي يبرر اليوم كل الخلافات الناشئة سواء في بنية قيادته، أو داخل النخب التي تتعايش ضمنه، أما ما يرتبط بقضايا المرجعية والهوية وأسئلة العلاقة بين الدعوي والسياسي، فهي قضايا لا يستطيع المركزون عليها أن يضيفوا شيئا عما استقر من الكسب والتراكم الذي استوعبته أطروحة النضال الديمقراطي وأطروحة الشراكة، وأن أقصى ما يمكن لهذه المقاربة أن تقدمه أن تستعين بجزء من تاريخ الحزب ومواقفه لإسناد النزعة المحافظة، والتركيز الانتقائي على بعض مفردات المنهج، وبالتحديد ما يتعلق بالتدرج، والتوافق، والإصلاح التراكمي، وفقه ترجيح المصالح والمفاسد، وفقه مراتب الأعمال، وفقه الأولويات، وغيرها من المفردات المنهجية والأصولية، التي صارت ملكا وسلاحا للجميع في معركة الحجاج الفكري والسياسي.

 

حركة التوحيد والإصلاح التي تبدو في الظاهر محافظة على أولوياتها القديمة المتمثلة في "المساهمة في الإصلاح وترشيد التدين"، تحاول اليوم أن تغطي على أزمة تراجع دورها التدافعي في المجتمع، برهانات تجديد الأوراق، وإعادة تقييم علاقتها بالحزب في ضوء خلافات المرحلة، وتقديرها للدور الذي يمكن أن تقوم به للتدخل لمعالجة بعض الظواهر القيمية التي ظهرت في سلوك أعضائها المنتسبين لحزب العدالة والتنمية.

 

المؤشرات التي برزت خلال أربع سنوات من ولاية قيادتها التي ستنتهي مع انعقاد المؤتمر السادس في  الأسبوع الأول من آب/أغسطس، غير كافية للحكم على جدية الديناميات الداخلية التي تعيشها الحركة، ففضلا عن انكفائها على الوظائف التقليدية التي رسمتها في السابق ورقة التخصصات (التربية والتكوين والتنظيم)، وفضلا عن الاستنزاف الذي عرفته بسبب رحيل أغلب  قياداتها إلى الحزب أو التخصصات الأخرى، فهي تعيش اليوم حالة جمود وتراجع غير مسبوق في أدائها المجتمعي، وحتى رهاناتها الإشعاعية السابقة، تراجعت أو فقدت كثير منها مبرراتها الموضوعية. فقد توقفت أداتها الإعلامية (جريدة التجديد) التي كانت تمثل تعبيرها القوي عن دورها التدافعي في المجتمع، وتراجع بشكل ملفت أداء منظمتها الطلابية (منظمة التجديد الطلابي)، ولم يسجل في خانة إنتاجها الفكري ما يعكس رهاناتها المجتمعية، وتعمقت فيها أزمة الخلف القيادي، وضاق أفق رهانها الإشعاعي ذي البعد الترشيدي والوسطي، فالسلفية "التجديدية" المشرقية، التي راهنت حركة التوحيد والإصلاح على تجسير العلاقة معها وترشيدها، ذهبت في اتجاه معاكس، ومنتديات الوسطية التي انخرط جزء من قيادات الحركة في فعالياتها، صارت أشبه ما تكون بفرص سياحية من غير مردودية تذكر، في حين لم يثمر الرهان على غرب إفريقيا سوى علاقات محدودة الأفق وغير قابلة للامتداد  في المكان ولا في الفعالية.

 

في المحصلة، وفي الجوهر، يعيش حزب العدالة والتنمية، كما حركة التوحيد والإصلاح، التحدي نفسه، أي إعادة تعريف الهوية والدور في سياق ما بعد المشاركة. فلا الحركة قادرة على أخذ مسافة عن الحزب وتجدير هويتها المدنية، وإعادة رسم أدوارها بمعزل عن الدور السياسي الذي يقوم به حزب العدالة والتنمية، ولا الحزب قادر على أن يعيد تركيب هويته السياسية بعيدا عن سؤال تحصين مكتسبات الحركة في مجالاتها المختلفة. والمفارقة، أنه بدلا من الانكباب على التفكير في هذه المعادلة المعقدة، تطرح على الطاولة مقاربات تزيد الوضع تعقيدا وسوءا، تشترك كلها في طلب دور الحركة، ولا تدرك أن الحركة تعيش الأزمة ذاتها، وأن حل الأزمة في التنظيمين، يكمن في إعادة النظر في الهوية والدور، وليس في إعادة ترسيم العلاقة بين الدعوي والسياسي، بالنحو الذي تمكن فيه الحركة من الملاحقات التربوية والتنظيمية، ورصد الظواهر القيمية السلبية التي ظهرت في ممارسات الحزب والتفكير في أجوبة تدخلية لمواجهتها.

 

نتيجة الحوار الداخلي في الحزب، ونتيجة المؤتمر السادس للحركة، لن تكونا في التقدير مختلفتين كثيرا، فالحركة ستواجه أزمة الخلف القيادي ربما بخيار التجديد، والحزب سيربح في أحسن الأحوال بعض الوقت في تهدئة الداخل، ويبقى الوضع الجامد لأربع سنوات قادمة، دون أن يكون للقيادة الحالية سواء في الحزب أو الحركة، الجرأة على الجواب عن سؤال التحدي المرتبط بإعادة تعريف الهوية والدور في سياق ما بعد الشراكة مع الحكم.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل