مقالات مختارة

الرابح اقتصاديا وماليا من المونديال .. روسيا أم الـ «فيفا»؟

أمين ساعاتي
1300x600
1300x600

بعد الانتهاء من ضجيج وصخب مباريات كأس العالم.. تروح الفكرة وتطفو الذكرى فوق سطح الأحداث، وتبدأ عمليات كشف حساب الأرباح والخسائر للمونديال.

 

وإذا كنا نريد أن نكشف حساب مونديال موسكو 2018، ونسأل عن المكاسب الاقتصادية والمالية التي حققها المونديال للدولة الروسية مقارنة بمونديالات سابقة أقيمت في عدد من الدول الكبرى والوسطى، فإننا سنبدأ باستعراض هول النفقات، ثم نعرج على قراءة الإيرادات حتى نصل إلى مؤشرات تفيد بحجم الأرباح أو الخسائر.

 

ولكن بالنسبة لكأس العالم، فإن المكاسب الرياضية والمعنوية لا تقل أهمية عن المكاسب المادية، إذ إن الحصول على البطولة هو البطولة الأشمل على مستوى كل فعاليات الحدث. في البدء تبذل الدول جهودا مضنية وأموالا طائلة حتى تظفر بشرف تنظيم البطولة، ناهيك عن أن الدولة التي بسبيل تنظيم كأس العالم تتعهد بتنفيذ مشاريع تنموية مكلفة جدا، لكن حينما تنتهي من تنظيم البطولة تبرز هذه المشاريع التنموية في كشف الحساب كمكاسب اقتصادية وتنموية مبهرة.

 

ولكن المفاجأة التي باغتت الدول المنظمة، أن الدول المنظمة للمونديالات بدأت تكتشف أن الكاسب الأعظم من تنظيم مونديالات كأس العالم، تذهب إلى الاتحاد الدولي الـ"فيفا" وليس إلى الدول المنظمة، وإذا جاز التعبير يمكن أن تكون الدولة المنظمة هي الخاسر الأكبر ماليا! إن السيطرة على النفقات اللازمة لتنظيم هذا الحدث الكبير يجب أن تسبق كشف الحساب، وفي هذا الصدد تمثل تكلفة بناء المنشآت الرياضية والملاعب والمرافق الرياضية الجزء الأهم من التكلفة الإجمالية، وتضاف إليها مجموعة النفقات التي تنفقها الدولة المنظمة على البنى التحتية، مثل الطرق والأنفاق والكباري والمطارات والفنادق وشبكات الاتصالات والمواصلات.

 

لنأخذ على سبيل المثال كأس العالم في البرازيل 2014 فقد ارتفعت تكلفة استضافة البطولة بصورة غير مسبوقة، حتى وصلت ما بين 15 و20 مليار دولار، بينما وصل إجمالي تكلفة استضافة بطولة لندن 2010 ما بين 5 و6 مليارات دولار، أما تكلفة تنظيم مونديال موسكو 2018 فقد تقترب من 12 مليار دولار. ويجب أن نلفت النظر إلى أن التكاليف المشار إليها آنفا، لا تشمل تكاليف التشغيل وإدارة البطولة، وهي تكلفة يتحملها الاتحاد الدولي الـ"فيفا" وليس الدولة المنظمة، وينفق الاتحاد الدولي الـ"فيفا" على التشغيل والإدارة من عائداته المتضخمة. ولقد وصلت تكلفة التشغيل التي تحملها الاتحاد الدولي في مونديال البرازيل 2014 نحو ملياري دولار .

 

أما بالنسبة للعائدات، فإن جزءا كبيرا منها - كما أومأنا - يذهب إلى خزانة الـ"فيفا" لقاء تشغيل وإدارة المونديال، منها على سبيل المثال حقوق البث التلفزيوني، وحقوق التسويق والرعايات والشراكة والعلامات التجارية، وكذلك إيرادات تذاكر المباريات. ولقد غنم الـ"فيفا" من مونديال البرازيل 2014 عائدات تقدر بـ 2.5 مليار دولار من بيع الحقوق التلفزيونية لبث المباريات، كما حقق إيرادات من حقوق تسويق البطولة وصلت إلى 1.6 مليار دولار. إضافة إلى إيرادات حقوق الضيافة والعلامة التجارية التي بلغت 300 مليون دولار، إضافة إلى إيرادات بيع التذاكر التي تخطت مبلغ 500 مليون دولار.

 

أما العائدات التي تخص الدولة المنظمة، فتتمثل معظمها في إيرادات السياحة الخارجية المرتبطة بالحدث، إضافة إلى جزء مما ينفقه الاتحاد الدولي من نفقات تشغيل وإدارة البطولة. هذه هي الخطوط العريضة لكشف حساب مونديالات كرة القدم، وهو كشف يصب في مصلحة الـ"فيفا" في الدرجة الأولى، أما بالنسبة للدول المنظمة، فقد أصبح هدفها هو المكاسب الرياضية التي سيجنيها المستوى الرياضي العام للدولة المنظمة، وكذلك المكاسب المعنوية والدعائية، وأهم من هذا وذاك، فإن المشاريع المساندة التي يتعين على الدولة المنظمة تنفيذها حتى تحصل على شرف تنظيم البطولة، هي مشاريع تنموية عملاقة تبقى في الدولة وتسهم في بناء البنى التحتية، وتفيد المجتمع وتحقق التقدم للبلاد على مدى التاريخ.

 

وربما يسأل سائل، أين يوجه الـ"فيفا" هذه الأموال الطائلة؟ والحقيقة أن الـ"فيفا" استن سننا حميدة تجاه المنتخبات المشاركة في تصفيات المونديال، حيث أغدق على منتخبات المقدمة ملايين الدولارات مكافآت على التفوق بحجة أنه يريد أن يطور لعبة كرة القدم، لكن من ناحية أخرى أصبح صندوق الـ"فيفا" مغريا للطامعين والفاسدين، فقد تعرض الـ"فيفا" في العقود الثلاثة الأخيرة لعمليات فساد ونهب من قبل بعض كبار المديرين التنفيذيين، وما زالت التحقيقات تبحث عن الأموال المفقودة! وإذا ظلت الأموال تتدفق على الـ"فيفا" بهذا السخاء، فإنه سيتعرض لمزيد من الفساد، ولذلك حان الوقت كي يتحرك رؤساء الأندية الكبيرة للعمل على زيادة حصص الدول المنظمة للمونديال من إيرادات المونديال، دون إبقاء هذه الدول على فتات السياحة الخارجية، بينما يسبح الـ"فيفا" في نعيم ملايين الدولارات دون مبرر معقول! الأمل كبير في دهاقنة الأندية الكبيرة لإزالة النتوءات من كشف حساب مونديال بطولات كأس العالم!

 

عن صحيفة الاقتصادية السعودية

0
التعليقات (0)