قضايا وآراء

حاول تفتكرني

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600

هل كان يتحتم على الفنان أن يُقّدّم شهادة وفاته لكي يتذكره رفاق الأمس؟ ليكيلوا له المديح، ويشيدوا بأخلاقه الرفيعة وصفاته المحمودة وفنه النادر. لتكتب عنه الصحف، عن نجوميته، ومواهبه. وترغي عنه برامج التوك شو، وتعرض له التلفزيونات أعماله ليشيدوا بها، وتكرًمه المهرجانات إن كان "سعيد الحظ"، وتُهدي إلى روحه دورة المهرجان، وتمتلئ صفحات الفيسبوك بالمديح به والثناء عليه؟!


ثم يأتي أصحاب النظارات السوداء إلى الجنازة لكي يودعه إلى مثواه الأخير. أصحاب النظارات السوداء متأثرين إلى حد الانهيار. وتكاد تلمح دموعهم تنساب من وراء تلك النظارات الغالية الثمن.


ثم يأتي العزاء وتتلاحق السيارات الفارهة من كل حدب وصوب، لينزل الرجال والنساء بملابسهم الفاخرة وأربطة أعناقهم وشالاتهم المُترفة. رائحة البرفانات تملأ المكان وتخنق أنفاس المعزيين.


الحزن والخشوع يرتسم على الوجوه، وبين وصلات القرآن يتبادلون التحية والسلام بكل حب، وأيضا يتبادلون أرقام الهواتف.


ماذا قدم كل هؤلاء للفنان أو الفنانة في أثناء حياتهم الممتلئة بالعطاء لإسعادهم وإسعاد الناس؟ ماذا قدموا للفنان أم الفنانة من مساعدات تُذكر عندما امتدت لهم يد التدهور سواء على المستوى المادي أو الصحي؟


لقد أهملتهم وسائل الإعلام، واحتقرتهم شلل العصبوية، وتجاهلهم المنتجين والموزعين، وابتعد عنهم أصحاب وزملاء الأمس. لقد أصبحوا نسيا منسيا حينما بدأ العد التنازلي يغزو حياتهم ومدخراتهم التي نفذت وسط زحمة المصاريف الباهظة التي لا ترحم.


يلتفت الفنان من حوله فلا يجد أي اهتمام أو مساعدة. يغادر المشفى طواعية بالرغم من خطورة وضعه الصحي واحتياجه الماس إلى المتابعة والعناية. يعلم الفنان أنه بذلك قد قرر الموت البطيء. إنه يُفضل كرامته.


ليس هناك من غطاء حقيقي يسعف الفنان في غمار خوض تجربة النهاية. فحق"الأداء العلني" غير مُفّعل في بلادنا لأسباب غير بريئة. هذا الحق الذي قد يتيح راتبا تقاعديا، وضمان صحي يحفظه ويحفظ كرامته، ليعيش عيشة كريمة تعفيه من الذل والإهانة. "حق الأداء العلني" للمثل، هو بالأساس ليس منحة أو مكرمة. إنه نوع من الكسب لقاء جهد قدمه الممثل لقاء عمله، وذلك يتم بضمان قانوني حيث تُخصص نسبة مالية معينة، لقاء عرض أي عمل من أعمال الفنان أو الممثل.


يجد الفنان نفسه محاصرا عندما يُستضاف بالصدفة أو كنوع من الإشفاق عليه في أحد البرامج. تسأله المذيعة لم تركت المشفى مع علمك بسوء حالتك؟ ليجيبها بأنه ليس لديه ما يكفي للبقاء هناك. تسأله المذيعة: وأين أصدقاؤك وأصحابك الفنانون؟ يجيبها الفنان بنوع من التهكم، ولكنه تهكم مشوب بمرارة عميقة: (هم فاكريني بس لما أموت).


0
التعليقات (0)