صحافة دولية

هآرتس: من يربح صراع فرض الهيبة بين الرياض وطهران باليمن؟

هآرتس: السعودية تبحث عن مخرج من اليمن- جيتي
هآرتس: السعودية تبحث عن مخرج من اليمن- جيتي

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالا للمعلق تسفي برئيل، يتحدث فيه عن حرب المكانة في اليمن بين السعودية وإيران، التي يحاول من خلالها المتنافستان الإقليميتان تحقيق نصر سياسي على حساب اليمنيين.

ويبدأ الكاتب مقالته بالقول: "لا مكان لقصص الهزيمة في تلفزيون المسيرة، القناة الإعلامية الرئيسية للمتمردين الحوثيين في اليمن، وهي تحفل بالبيانات والتقارير مثل ذلك الذي يشمل على: (أطلقت قواتنا صواريخ على قافلة للغزاة والمرتزقة)، ودمرت (قواتنا) دبابة للمرتزقة، ودمر جيش الحوثيين في يوم واحد 21 عربة مصفحة وأربع دبابات، وانتهى التقرير بشعار الحوثيين (الله أكبر، الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، واللعنة على اليهود، والنصر للإسلام)". 

ويشير برئيل في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "ليس هناك أي ذكر لغارات التحالف العربي على الحوثيين أو القتلى والجرحى من المقاتلين الحوثيين، خاصة أن القناة تقدم نفسها بأنها (الإعلام الحربي)، ووظيفتها رفع المعنويات لا قول القصة بالكامل، وتعد (المسيرة) واحدة من 25 قناة إعلامية ساعدت الحوثيين على تجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين، وتقول التقارير إن عددهم الآن وصل إلى 120 ألف مقاتل، وهو أضعاف أضعاف ما كان عليه حال الحوثيين قبل ثلاثة أعوام، حيث كانت أعدادهم تتراوح ما بين 3 آلاف إلى 7 آلاف مقاتل".

 

ويعلق الكاتب قائلا إن "الحرب اليمنية ليست موجودة تقريبا في الإعلام الغربي، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه اليمنيون؛ أكثر من 10 آلاف قتيل مدني، و5 آلاف طفل ماتوا بسبب الكوليرا والجوع، وملايين النازحين، ومئات الآلاف من الذين يعانون من سوء التغذية".

ويستدرك برئيل بأنه "رغم موقع اليمن الاستراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وحقيقة تحوله إلى ميدان للحرب بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى، إلا أن الحرب فيه لم تلفت انتباه الإعلام ولم تكن على أجندة الدبلوماسية الدولية".

ويلفت الكاتب إلى أن الحرب في اليمن بدأت عام 2015، بعد فترة قصيرة من صعود الملك سلمان للعرش السعودي، وكان يتوقع أن تكون قصيرة وحاسمة، فالسعودية لديها أفضل المعدات العسكرية الحديثة، وتدرب طياروها في أمريكا، ووفرت لها واشنطن المعلومات الأمنية المميزة، ووعدت السعودية بهزيمة الحوثيين، وإعادة اليمن للحكومة المعترف بها، التي يترأسها عبد ربه منصور هادي الذي لجأ إلى الرياض.

ويقول برئيل إنه "بعد استثمار سعودي هائل في اليمن، حيث أنفقت في الشهر خمسة مليارات دولار، التي دفعت للمرتزقة من أمريكا الجنوبية من بين أشياء أخرى، وأكثر من 100 ألف طلعة جوية، فالسؤال الذي يشغل بال الرياض وحلفائها اليوم هو كيفية الخروج من اليمن دون أن يظهر وكأنه انتصار إيراني".

وينوه الكاتب إلى أنه نظرا للكارثة الإنسانية التي تسببت بها، فإن الحرب استطاعت خرق اللامبالاة الأمريكية قريبا، حيث أصدر الكونغرس قرارا يحظر على الطيران الأمريكي تزويد الطائرات السعودية والإماراتية بالوقود وهي في الجو، إلا في حال وافقت الرياض على العمل على حل دبلوماسي، وتخفيف الأضرار على المدنيين، والسماح بشحن المواد الغذائية والطبية للمناطق المتضررة.

ويجد برئيل أنه "رغم ما يحتويه القرار على تقييد استخدام السلاح الأمريكي، إلا أنه يسمح للقوات الأمريكية بتزويد الوقود للمقاتلات السعودية المشاركة في مهام ضد تنظيم القاعدة في اليمن، وعليه فإن محاولة معاقبة السعودية لن تساعد اليمنيين؛ لأن من السهل التخفي وراء قتال تنظيم القاعدة وضرب المدنيين، ولم تهاجم السعودية قواعد تنظيم القاعدة في الجنوب من البلاد، وبحسب تقارير من اليمن فإن السعودية والإمارات تقومان باستخدام مقاتلي تنظيم القاعدة لتعزيز عصابات العشائر التي تقاتل الحوثيين في الشمال وبدعم مالي سعودي".

 

ويفيد الكاتب بأنه في الوقت الذي منع فيه الرئيس باراك أوباما بيع القنابل الذكية للسعودية، إلا أن دونالد ترامب ألغى ذلك القرار، بل إنه شجع السعودية وإيران على مواصلة قتال الحوثيين، كجزء من الحرب الأوسع لمواجهة إيران.

 

ويشير برئيل إلى أنه "عندما وجّهت السعودية (دعوة) لأمريكا للمشاركة في الهجوم على ميناء الحديدة، رفض ترامب تلبية الدعوة، وأرسل رسالة مفادها بأن الحرب في اليمن محلية أو إقليمية وليست موضوعا استراتيجيا يقتضي دورا أمريكا قويا، وهذا الموقف الأمريكي يعكس مواقف أخرى في الشرق الأوسط غابت فيها الاستراتيجية، بشكل سمح لإيران بإقامة قواعد لها، أو تعمل على إقامة قواعد لها في مناطق، مثل سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان".

 

ويرى الكاتب أنه "بعيدا عن التجاهل الأمريكي للقدرات العسكرية المخيبة للآمال والبادية في الأداء السعودي والإمارات، رغم الاستثمارات الهائلة ومليارات الدولارات التي أنفقت على شراء المعدات العسكرية، فإن اليمن تحدى الحكمة التقليدية، وهي أن الحرب فيه هي ضد التوسع الإيراني".

ويؤكد برئيل أنه "لا جدال في كون إيران تدعم الحوثيين بأسلحة متقدمة نسبيا، بما فيها الصواريخ التي ضربت السعودية والسفن في البحر الأحمر، وحتى في مطار أبو ظبي، وتسعى طهران لتشكيل جناح عسكري في اليمن يشبه حزب الله في لبنان، وهناك عدد غير معروف من مقاتلي حزب الله يعملون إلى جانب الحوثيين، ويقدمون لهم التدريب على الطرق القتالية ونقل الأسلحة".

ويذكر الكاتب أن زعيم حزب الله، حسن نصر الله عبر في نهاية حزيران/ يونيو عن أمنيته بأن يكون جنديا في جيش الحوثيين، يقاتل أعداء اليمن على الجبهة الغربية من البلاد، ورد وزير الخارجية اليمني برسالة شديدة اللهجة لنظيره اللبناني، متهما حزب الله بالتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، فيما رد لبنان بأنه لا يتفق دائما مع سياسات الاحزاب السياسية كلها فيه، و"حتى لو أرادت الحكومة التحرك فليست لديها القدرة على إجبار حزب الله على سحب قواته من اليمن".

ويجد برئيل أنه "مع ذلك فإن التحالف العسكري الحوثي مع إيران ليس أيديولوجيا ولا استراتيجيا، فزعم الرابطة الأخوية يتجاهل حقيقة كون الحوثيين زيديين بعيدة عن ممارسات الشيعة في إيران، بالإضافة إلى أن مبادئ الزيدية هي قريبة من السنة، وغالبا ما ينظر الشيعة إليها على أنها طائفة منحرفة".

ويلفت الكاتب إلى أن الزيديين يمثلون 35% من سكان اليمن، حيث يمثل الحوثيون الجماعة الأكبر فيهم، لكن ليس كل الزيديين في اليمن يوافقون الحوثيين على ممارساتهم، حيث يظهر الخلاف بين قبائل حاشد وباقل القبائل في الطرف الزيدي، فكلاهما يعد نفسه منحدرا من الأصل ذاته، وتبنيا الزيدية، لكنهما اختارا المضي في طريق سياسي مختلف، فحاشد دعمت علي عبدالله صالح، الذي أطاح به الربيع العربي، وقتله الحوثيون في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، أما بكيل فقاتلت إلى جانب الحوثيين ضد الحكومة، ومن هنا فإن الرأي القائل بأن العلاقة الحوثية الإيرانية تقوم على فكرة التضامن الشيعي تتناقض مع التنافس بين القبائل الزيدية التي اختارت طرفا في النزاع وقاتلت إلى جانبه".

ويبين برئيل أنه "علاوة على ذلك فإنه ليست لدى الحوثيين، الذين يحصلون على الدعم العسكري من إيران، الرغبة في خلق جمهورية إسلامية على شاكلة إيران، وبمرشد أعلى لها، فاليمن بلد منقسم قبليا، ولا يتحقق الاستقرار فيه دون بناء تحالفات قبلية ودينية توحد القبائل الجنوبية مع الشمالية، والسنة مع الشيعة، ويجب توزيع الميزانية الحكومية، ليس بناء على نتائج الانتخابات، لكن على أساس السلطة القبلية".

ويقول الكاتب: "لأن القبلية هي العامل المتسيد في اليمن، على خلاف الوضع في لبنان والعراق، فكل ما تأمل إيران في تحقيقه هو الحفاظ على صلاتها مع الحوثيين، وهذه تعتمد على الدعم الذي تقدمه لهم إيران، ويمكنهم الحصول عليه من دول عربية أو أمريكا."

 

ويضيف برئيل: "علينا ألا ننسى أن الحوثيين قرروا حمل السلاح ضد التمييز الذي مارسته عليهم الحكومة المركزية منذ عقد، وقبل أن تقرر إيران توفير الدعم لهم، ونصحتهم إيران بتجنب الحرب الشاملة، وتقوم الآن بالمساعدة على وقف النزاع".

 

ويستدرك الكاتب بأن "الساحة اليمنية تحولت إلى حرب المكانة، التي يحاول فيها السعوديون والإيرانيون تحقيق انتصار على حساب اليمنيين، وفشلت المحاولات كلها التي حاولتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وعلى رأسها الكويت وعُمان، حيث تحطمت أمام المطالب التي وضعتها السعودية والإمارات، وتبنت هاتان الدولتان حكومة هادي، مع أن هذه الحكومة غير موجودة على الأرض أو فاعلة، ولم تعد عبارة (الحكومة الشرعية) ذات معنى، ولم تغير انتصارات التحالف العربي الجزئية من ميزان القوة على الأرض".

ويختم برئيل مقاله بالقول إنه "يمكن للإدارة الأمريكية أداء دور حاسم لوقف الحرب لو قامت بالضغط على السعودية والإمارات للتفاوض مع الحوثيين، لكن عندما تقوم واشنطن بالموازنة بين فرص إبعاد إيران عن البحر الأحمر، والمذبحة المستمرة دون انتصار، والضغط على حليف دون أن يظهر هذا الضغط وكأنه يمنح دعما للموالين لإيران، فإنه من غير المرجح أن تتحرك واشنطن قيد أنملة".

التعليقات (0)