مقالات مختارة

السعودية والتغيير المؤلم

حسن البراري
1300x600
1300x600

لا يستقيم النهج الانفعالي في السياسة الخارجية مع الرؤية التي قدمتها القيادة السعودية للانتقال بالسعودية من اقتصادي ريعي ونفطي إلى اقتصاد إنتاجي، تقف فيه السعودية على قدم المساواة مع دول متقدمة أخرى من حيث التطور والإبداع والاختراع، وهو اقتصاد منشود سيجد فيه السعودي فرصة العمل ليعتاش منها بدلا من الاعتماد على مكرمات الدولة. فالقيادة السعودية كانت قد تقدمت بخطة تحتاج إلى أموال، كما تحتاج إلى سياسة خارجية تستند إلى الاعتدال بدلا من المواجهة.

والحق أن هناك معضلتين ستواجهان القيادة السعودية حتى عام 2030 وهو الموعد الذي ضربته القيادة السعودية لتتحول معه السعودية إلى الشكل والمضمون المطلوبين. فأسعار النفط تتهاوى ولا يمكن ضمان أن تتوافر الأموال المطلوبة إلا إذا قامت الرياض بالفعل لبيع حصة من شركة أرامكو وهذا بمثابة فتح صندوق الشرور لأن هناك حسابات مالية داخلية ربما لا تريد القيادة السعودية أن تكون عرضة للرقابة والتدقيق. وهناك معارضة الحرس القديم في الدولة السعودية لفتح باب أرامكو وبياناتها السرية وهو أمر تشترطه بورصة لندن وبورصة نيويورك وما زالت تتردد السعودية في القيام به.

أما المعضلة الثانية فتكمن في المستثمرين الذين باتوا يخشون على مصيرهم بسبب سياسات متعجلة تقوم بها القيادة السعودية ، فالحرب في اليمن وحصار قطر الظالم واحتجاز رئيس وزراء لبنان واحتجاز بعض أعضاء العائلة المالكة في السعودية من أجل تحصيل الأموال منهم هي كلها سياسات تفزع المستثمرين الذين عادة ما يبحثون عن بيئة آمنة لاستثماراتهم ولا يجازفون باستثمار المليارات في بلد يبدو أن استقرارها يرتكز على رمال متحركة. وزاد من الطين بلة الرد السعودي المتشنج على انتقاد الحكومة الكندية لسجل السعودية في حقوق الإنسان، واللافت أن الرياض مستعدة لاتخاذ إجراءات عقابية لحسابات سياسية وهو أمر لا يبعث على الارتياح بالنسبة للعديد من المستثمرين.

لا يبدو أن معادلة الحكم والاستقرار في بلد كبير مثل السعودية يمكن أن تستمر كما هي الآن، فهناك ضرورة ملحة لإصلاح النظام السياسي وهو أمر تقر به القيادة السعودية، فالاقتصاد السعودي لا يمكن له أن يستمر في ذات العلاقة مع الشعب السعودي، كما أن الانفتاح الاقتصاد لابد أن يواكبه الانفتاح السياسي وهنا مربط الفرس. طبعا، لن تنفع كل حملات العلاقات العامة التي تقوم بها السعودية ولن يساعدها الكتاب الغربيون الذين يمتدحون القيادة السعودية لجرأتها فيما يسمى ب "الإصلاحات" الداخلية، فالشعب السعودي يحتاج إلى عملية تغيير شاملة حتى يكون هناك فرصة لترجمة رؤية 2030 إلى واقع.

قريبا سيدرك القادة في الرياض أن التغيير الشامل ليس ترفا وإنما ضرورة، وسيدركون أن التغيير سيكون مؤلما لكن الفشل فيه سيكون أكثر إيلاما! فالانتقال إلى اقتصاد إنتاجي يدفع فيه المواطن السعودي الضرائب ويرفد خزانة الدولة سيرافقه مطالب السعوديين بالتمكين السياسي والمشاركة الفعلية بصناعة القرار السياسي، لتنهي بذلك ظاهرة الفرد الواحد الذي يستطيع أن يأخذ البلاد والعباد في حروب خارجية غير محسوبة وخاسرة في نهاية الأمر.

 

كما أن التغيير المنشود لا يقتصر على السماح للمرأة بقيادة السيارة وإصلاحات تجميلية أخرى لا تؤثر على جوهر صناعة القرار، ويمكن للقيادة السعودية الآن أن تقدم الإصلاحات كمنجز كبير بفضل وجود إدارة ترامب التي تغض الطرف عن ممارسات القيادة السعودية ، غير أن أيام ترامب قد تقترب وقد لا يعاد انتخابه وعندئذ ستأتي إدارة أخرى لا يمكن أن تسكت على المغامرات السعودية الكثيرة.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)