سياسة دولية

لماذا تواصل مصر سلسلة خساراتها لقضايا التعويض الدولية؟

محكمة دولية غرمت مصر 2 مليار دولار لوقف إمداد شركة إسبانية بالغاز- جيتي
محكمة دولية غرمت مصر 2 مليار دولار لوقف إمداد شركة إسبانية بالغاز- جيتي

فجر تغريم البنك الدولي لمصر مبلغ 2 مليار دولار، الاثنين، لصالح شركة إسبانية، ملف القضايا الدولية التي تواجهها القاهرة، والتي يبلغ إجمالها حسب الدوريات المتخصصة 22 قضيه تحكيم دولية بقيمة تعويض إجمالية تتعدي 20 مليار دولار.

ومن هذه القضايا 9 قضايا في مركز التحكيم الدولي التابع للبنك الدولي، المعروف بمصر بالأوكسيد (ICSID ) أنشئ عام (1965)، وهناك أيضا 13 قضية في تحكيم دولي سري تحت إشراف غرف تجارية أو بلاد المستثمر بناء علي قوانين دوليه تسمي (ISDS).

وحسب تقارير حكومية، فإن عدد قضايا التعويض المقامة ضد القاهرة بالمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، أنشئ عام (1979) هي 30 قضية في 19 عاما، بينها 19 منازعة في 5 سنوات إبان ثورة 2011، كما أنه خلال 10 سنوات مضت دفعت مصر 74 مليار جنيه تعويضات لدول وشركات أجنبية، وتعد مصر رقم 149 من 189 دولة على العالم بقضايا التحكيم الدولي.

وفي الوقت الذي تخصص فيه القاهرة 4 مليارات جنيه سنويا بموازنتها كاحتياطي طوارئ لأحكام قضايا التعويضات، فإنه وحسب تقديرات هيئة قضايا الدولة فإن  قيمة التعويضات المتوقعة على البلاد نحو 100 مليار جنيه، كما أن مجموع ما تنظره مراكز التحكيم الدولي بالخارج إلى جانب ما ينظره مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم هو 37 قضية ضد مصر.

ومن أهم قضايا التعويض التي خسرتها مصر كانت لصالح إسرائيل بمجموع 4 قضايا، وكانت إحداها لشركة أمبال الإسرائيلية للغاز في 21 شباط/ فبراير 2016، بتعويض 174 مليون دولار ، وفي 27 نيسان/ أبريل 2017، غرمت المحكمة الفيدرالية العليا السويسرية، مصر ملياري دولار، لصالح شركة الكهرباء بإسرائيل، وفي 9 شباط/ فبراير 2018، تم تغريم مصر 1.03 مليار دولار لصالح شركة غاز شرق المتوسط، بسبب توقف ضخ الغاز المصري لدولة الاحتلال إبان الثورة.

فما أسباب وضع مصر بهذه الطريقة تحت طائلة القانون الدولي وتغريمها بمبالغ فلكية برغم وجود "الإدارات القانونية بكل وزارة"، المنوط بها مراجعة العقود مع الشركات الأجنبية؟ وما سبب فشل مصر في كسب تلك القضايا، على الرغم من وجود قسم للمنازعات الخارجية بهيئة قضايا الدولة يتولى مباشرة قضايا التحكيم الدولي؟

الفساد والاستبداد والقادم مرعب


وفي رده يرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية باسطنبول، الدكتور ممدوح المنير، أنه "يكاد يكون السبب الوحيد الذي تتفرع عنه كل الأسباب الأخرى هو الفساد والاستبداد الذي تعيش فيه مصر  حاليا وأيام مبارك".

المنير، قال لـ"عربي21"، إن "الكارثة التي لا يعلمها الكثير أن إجمالي القضايا المرفوعة ضد مصر أمام التحكيم الدولي والتي لم تصدر فيها أحكام بعد يصل إجمالي التعويضات المتوقعة بها 100 مليار دولار".

وأكد أن "كل هذا نتيجة الاستبداد والفساد"، موضحا أن "من يُبرم هذه العقود شخصيات غير مؤهلة لإتمام التعاقدات، فالذي يعيّن بمعظم الوظائف غير كفء وغير متخصص بهذه الأمور"، مضيفا: "فقط رضاء النظام عنه هو الشرط الأساسي وربما الوحيد للعمل بهذه الأماكن".

الباحث السياسي، تابع قائلا: "ضع كذلك حجم العمولات والرشاوي التي يحصل عليها كثير من هؤلاء لإتمام الصفقة بشروط لصالح الشريك الأجنبي"، موضحا: "ولأنه لا توجد محاسبة، والنظام نفسه فاسد ويشجع على الفساد، نجد هذه الكوارث الاقتصادية التي تدمر حاضر ومستقبل الوطن".

وبين المنير أنه "حتى يتضح حجم المأساة التي يعيشها الاقتصاد نتيجة للفساد يكفي أن يعرف المواطن أن مصر منذ العمل بنظام التحكيم الدولي لديها عام 1994 خسرت  76 قضية من إجمالي 78 قضية مع مستثمرين أجانب، فيما كسبت قضيتين فقط"، موضحا أن "إسرائيل" استفادت بمبلغ تعويضات نحو 13 مليار دولار بأربع قضايا منهم".

وأكد أن "هذه  الخسائر لا يمتد أثرها فقط على التعويضات التي تدفعها الدولة حاليا، ولكن في إحجام المستثمرين عن العمل بمصر نتيجة هذا التخبط والفساد وسوء الإدارة، فضلا عن تخفيض التصنيف الائتماني للدولة نتيجة هذا النزاعات الاقتصادية".

وأوضح الأكاديمي المصري أنه "أمامنا نحو 3 أعوام و نصف تقريبا ليتم الحكم بمعظم هذه المنازعات المقامة ضد مصر، وإذا ظلّ الوضع كما هو وقياسا على ما سبق ستخسر مصر معظم هذه القضايا، ونجد الديون الخارجية تضاعفت مرتين على الأقل"، مؤكدا أنه "مؤشر مرعب قد يصل بالدولة لمرحلة الإفلاس والانهيار الاقتصادي التام".

ثلاثة حلول

 

من جانبه، اقترح الخبير الاقتصادي المصري المقيم بأمريكا، محمود وهبة، عدة حلول لوقف خسارة مصر لقضايا التحكيم الدولية، وقال: "على مصر  أن تنوع مصر تمثيلها القضائي، وتلجأ لعده مكاتب محاماة بدلا مكتب واحد"، مشيرا إلى تمسك القاهرة بمكتب محاماة اشتهر بإقامة قضايا ضدها، وخسر إحدى القضايا المقامة من إسرائيل ضد مصر، وما زال بحوزته 3 قضايا أخرى.

أستاذ التنظيم وعميد معهد الدراسات التطبيقية بمركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك سابقا، أكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن النصيحة الثانية لمصر: نفذتها الهند بنجاح؛ وهي الحفاظ علي الاتفاقات الثنائية مع الشركات والدول، ولكن بعد تعديل بعضها، وفي الوقت نفسه رفض التحكيم السري تحت إشراف الغرف التجارية الدولية، وتبقي علي التحكيم مع (ICSID)، مشيرا إلى حجم السرية التي حظيت به قضايا إسرائيل ضد مصر.

وبين أن النصيحة الثالثة: هي "احترام العقود وحقوق المستثمرين، والتوقف عن القرارات العشوائية والمتضاربة التي تضر مصر أكثر مما تفيد"، مضيفا أن هذه النصائح قد تحمي مصر من أحكام دولية غير مقبولة وتمنع تحميل ميزانيتها الأعباء، وتحمي أيضا حقوق المستثمر الأجنبي وتشجعه.

التعليقات (0)