قضايا وآراء

فليعذرني الدكتور فيصل القاسم

بلال خليل ياسين
1300x600
1300x600
لا يُنكر أحد في الوطن العربي والإسلامي دور قناة الجزيرة في رفع الوعي السياسي والحقوقي لدى الشعوب العربية ومجتمعاتها المتنوعة، ولا يستطيع أحد أن يتخلف عن شكرها العظيم، واحترامها الكبير لما بذلته من جهود مهنية عالجت من خلالها العديد من القضايا العربية والإسلامية، وسلطت الضوء على القضية الفلسطينية، ونقلت تفاصيل ربيع الثورات العربية، واهتمت في القضايا الإنسانية، وعززت من روح الأمل رغم قساوة المشهد وما يكتنفه من صور ضبابية.

غير أنني لا أجد حرجا في أن أُقدم ما يمكن أن يُجوّد من أدائها، ويزيد من التفاعل الإيجابي مع أفكارها التي تخدم حرية الإنسان وبناء الأوطان. ومن أبرز الأمور التي أرى أنَّ أهدافها الإيجابية قليلة جدا على شاشة الجزيرة "برنامج الاتجاه المعاكس"، الذي يُحضر خصمين سياسيين أو غير ذلك من بلد عربي معين، ويبدأ بصب الاستفزازات التي تزيد النار في نفوسهم، فيثور الغضب في أروقة دمائهم المشحونة، فتنزلق الألسنة نحو القذف المهين، والسباب المشين، والشتائم المؤذية، بل قد يصل الأمر عند بعض الضيوف إلى الضرب المباشر على الهواء بطريقة تُهين من كرامتهم، وتعبث في مشاعر المشاهدين، وتُسيء لقناة الجزيرة التي تسمح بأن تخرج هذه المشاهد على شاشتها التي يرقبها ملايين البشر.

إنَّني أعتقد جازما أنَّ المشاركين في هذا البرنامج يُنفقون الوقت الكثير في معرفة الخصم المواجه، وطرق تفكيره، ونقاط ضعفه، وسجله الشخصي الذي يُمكن أن يُواجه فيه دون التركيز على القضية المطروحة وأهميتها. إنهم يبحثون عن انتصار شكلي أمام ملايين المشاهدين التي طالتهم يد الظلم والتشرد والقهر. إنهم يُخفون العجز العام، والتشتت الكبير، والضعف الحقيقي خلف أصواتهم العالية التي تُدافع عن الشخص الفلاني أو الحزب العلاني، وحقيقة الأمر هم يدافعون عن مصالحهم الشخصية إلا من رحم الله.

بالتأكيد كنتُ قد انقطعتُ عن مشاهدة هذا البرنامج منذ زمن، إلا أنَّ الأمر لا يخلو من مشاهدات عامة، وانتباهات خاصة، خصوصا وأنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل تفاعلا كبيرا مع المواقف التي ينتابها شيئا من الغرابة، أو السخرية، أو الأخطاء الفادحة، فرأيتُ عددا من الإخوة السوريين وغيرهم وهم يسبون بعضهم بأقبح الألفاظ وأشنعها. وشاهدتُ بعض الحلقات التي تطايرت فيها رشقات الماء عداوة، وتطاولت في حضرتها الأيادي إيذاء. وأخيرا تابعتُ الحلقة التي جمعت بين الفلسطيني الدكتور فايز أبو شمالة، والفلسطيني الدكتور جمال نزال، فما وجدتُ منها فائدة تُذكر، إذ لم يخرج النقاش من إطار إثبات الذات، وفرد العضلات، وترديد العبارات الاتهامية، وتراشق المسؤوليات السلبية لما آلات إليه الأمور من مشكلات داخلية، وبعد ذلك انتقلت حلبة المصارعة الشخصية إلى أروقة العالم الأزرق "فيسبوك"، وبدأت التحليلات الفلسفية تدب بآرائها الحزبية، واختلافاتها الفكرية، وأشكالها النفعية.

إنَّ الناظر في مخرجات البرنامج يجد أنَّه يُساهم في تعزيز الانقسام الداخلي، ويزيد من مساحة الاختلاف المشروع، ويدفع الناس نحو الانتصارات الوهمية، التي لا تمت بتغيير الواقع بشيء، وإنما تمنحهم نشوة من التخدير الذي يُسكن آلام الكارثة الحقيقية.

نحن بحاجة إلى حوار بناء، حوار ينطلق من المصلحة العامة، والموضوعية المتوازنة، والفهم الصحيح. لسنا بحاجة إلى أبواق تنفخ في كير المُلاعنة لتثبت ذاتها، أو تُفرغ شحنات الضعف والهزيمة أمام الشاشات المتلفزة. إنَّ قيمة هذا التوجه يكمن في تخفيف الصراع العربي الداخلي، والتغلب عليه من خلال برامج تلفزيونية تسعى شكلا ومضمونا من أجل تعزيز فرص قبول الآخر، والتعايش السلمي، وأدب الحوار وموضوعيته.
التعليقات (0)