مقالات مختارة

الصين تتفوق على أمريكا علميا

بيتر أورزاغ
1300x600
1300x600

في شهر ديسمبر (كانون الأول) منذ 30 عاما، بدأ تبادل الأساتذة بين الولايات المتحدة والصين. ومنذ ذلك الحين أصبح الأكاديميون الصينيون الأكثر غزارة عالميا في إنتاج المطبوعات في مجالات العلوم والهندسة والرياضيات. ومن غير المرجح أن تؤدي المحاولات الأمريكية الأخيرة تقليص حجم التعاون الأكاديمي إلى تغيير ذلك الاتجاه. 

وعلى مدار عقود، كان محرك النمو الصيني هو تحول العمال من القطاع الزراعي إلى الصناعي. ومع اقتراب الصين مما يعرف بنقطة تحول «لويس» التي لم تعد معها تلك التحولات قادرة على زيادة الإنتاجية، بذلت مختلف قطاعات الدولة الصينية جهودا متناغمة بغرض بناء قاعدة علمية لنمو جديد. وقد بدأت نتائج هذه الجهود تتجلى في جدول ترتيب الجامعات الصينية (11 جامعة بين أفضل 100 جامعة عالميا) وكذلك في المردود العلمي في المدارس.

وفي هذا الصدد، قامت نانجينغ زو، الباحثة بجامعة نانجين للعلوم والتكنولوجيا، وريتشارد فريمان، الباحث بجامعة هارفارد، بدراسة مساهمة الصين في مجال العلوم عالميا. وكشف الباحثان التقدم الكبير الذي حققته الصين في الحقل الأكاديمي والبحثي بين عامي 2000 و2016، ما زاد من مساهمة الصين في مجال العلوم والهندسة والرياضيات بواقع 4 ضعاف. وبحلول عام 2016، فاقت مساهمة الصين نظيرتها الأمريكية. وجادل الباحثان في حقيقة أن تكون تلك المعايير التي استندت إلى خطابهما قد بالغت في تأثير الصين. لكن البيانات تستند إلى الأبحاث التي أعدها باحثون صينيون مقيمون في دول أخرى، إضافة إلى أن غالبية الأبحاث المنشورة في مطبوعات صينية يجري استبعادها. وقد راعى الباحثون تلك العوامل وخلصوا إلى أن الباحثين الأكاديميين الصينيين يشكلون أكثر من ثلث مصادر ما ينشر في المطبوعات العالمية في المجال العلمي.

كذلك فإن نوعية الأبحاث الصينية في تطور، وإن كانت لا تزال أقل من مستوى الأبحاث الأمريكية. وقد أظهر تحليل حديث أن الباحثين الصينيين قد يصبحون سادة العالم في المستقبل القريب. وعلى المنوال نفسه، فقد وجد الباحثان زي وفريمان أنه في عام 2016، كان 20 في المائة من الباحثين صينيين، وهي ضعف نسبتهم عام 2000.

غير أن هذا التطور الكبير في المنح الدراسية أدى إلى إثارة مخاوف كبيرة عما إذا كانت الحكومة الصينية تمارس ضغوطا على باحثيها في الداخل أو في الولايات المتحدة. وهناك مخاوف أخرى تتمثل فيما إذا كانت الروابط العميقة بين الأكاديميين الصينيين والأمريكان تسهل بدرجة كبيرة من عملية نقل التكنولوجيا وحتى التجسس الأكاديمي.

وكرد فعل على تلك المخاوف، شرعت الحكومة الأمريكية أخيرا في التشدد في فرض قواعد الحصول على تأشيرات الدراسة أو العمل. وكان رد فعل الدارسين حذرا وجادلوا بأن التبادل العلمي يتطلب مناخا مفتحا وتعاونا، وأن حالات التجسس الأكاديمي الفردية يجب أن يجري التعامل معها جنائيا من خلال القضاء أو بالفصل من الجامعة، لا من خلال فرض مزيد من القيود.

ورغم أن كثيرا من الطلاب الصينيين يبدون غير عابئين بقيود التأشيرة حاليا، فمع مرور الوقت سيجد الطلاب الأجانب عوائق كبيرة في الدراسة في الجامعات الأمريكية.

يشكل الطلاب الصينيون نحو ثلث الطلاب الأجانب في الجامعات الأمريكية، وقد بدأت بالفعل بعض الكليات الأمريكية تعاني من التأثير المالي لتراجع أعداد الطلاب الوافدين. وأيا كانت التكلفة أو المنافع الأخرى التي ستعود من وراء هذا القيود، فأعتقد أن التكلفة ستكون أكبر من المنافع، وأنها لن توقف بزوغ نجم الصين عالميا كقوة أكاديمية. قد لا نرغب في الاعتراف بذلك، لكن صعود الصين إلى قمة هرم الإنجاز العلمي أصبح حقيقة تاريخية.

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

0
التعليقات (0)