قضايا وآراء

ثورة سيداتي وسادتي!

ممدوح المنير
1300x600
1300x600
تعريف الثورات عبر التاريخ البشري يدور مضمونها حول عدم الاعتراف بشرعية النظام القائم ولا مؤسساته، ويكون هدفها الأساسي والدائم هو اقتلاع هذا النظام من جذوره، وبناء نظام جديد على أسس جديدة.

في مصر، حدث خلل استراتيجي هائل أفضى لما وصلنا إليه، أن من يقود الثورة ويتحدث باسمها يتحرك بعقلية "المعارض السياسي" للنظام، حتّى لو استخدم مصطلحات توصف بالثورية، لكنه في الواقع يخطط ويرتب ويقرر في الحقيقية أنه "يعارض" ولا "يثور".

الأزمة أن جماهير المؤمنين بالثورة تعاملوا معها على أنّها ثورة بالفعل وليست "معارضة" فحسب، فكانت الجماهير تسبق قيادة الثورة بمراحل.

حتّى أنّي سمعت بأذني، وليس نقلا عن أحد، من قيادة ثورية محسوبة على تيار رئيسي فيها، أنهم في 25 يناير وأثناء الاحتشاد في التحرير، كانت القرارات تصدر باردة باهته، وعندما تحمل إلى الميدان يجدون الجماهير مشتعلة والقرارات متأخرة جدا عن طموحات جماهير الثورة، فقال لي: كنّا نضطر أن نخفي القرارات ولا نعلنها، حتى لا تحترق أقدامنا، ونضغط على متخذ القرار بأن يراجع حساباته ويعيد تقييم الموقف، وأن يحاول أن يساير حركة الجماهير الثائرة ولا يتأخر عنها.

ولأننا لا نتعلم الدرس ولا نستفيد من تجاربنا ولا نعترف بأخطائنا، تكرر الموقف في الانقلاب العسكري، واحتشد الملايين، وكان لديهم الاستعداد للتضحية بأرواحهم، ورفعت منصة رابعة سقف طموحهم إلى عنان السماء. لكن في الحقيقة لم يكن متخذ القرار في الواقع والحقيقية يدير ثورة هائجة، لكنه كان يحاول استخدام الضغط للوصول لحل وسط يحافظ على بعض مكاسب المرحلة. فكانت التظاهرات تذهب للأماكن السيادية التي تدير الانقلاب ويتظاهر أمامها ويعود أدراجه!!!.. لم يفكر في تحريرها من لصوص الأوطان وقلب الطاولة على رؤوس الجميع، تحت دعاوي جميلة برّاقة مثل حقن الدماء، والحقيقة أنّه كان حقنا لدماء المجرمين فقط، في حين أنّ الثوّار وحتى الشعب المسالم استبيحت دماؤهم وأعراضهم وحرماتهم بلا حدّ.

حتّى الآن يستمر الخداع والتضليل، يخرج أحدهم يتحدث عن استمرار الثورة، و"لن نقبل إلا بعودة الشرعية كاملة" و"السيسي سيعلق على أعواد المشانق"، وكلام رائع جميل يحصد آلاف الإعجابات، لكنه في الحقيقة مدع ومخادع، فلا يوجد فعل واحد يمكنه اعتباره ثورة حقيقية ولا حتّى معارضه سياسية.

طبعا كلامي هذا لمن يملكون الفعل ولا يفعلون، ويملكون الإمكانيات ولا يستخدمون، ولديهم الكوادر ولا يوظّفون، وليس آحاد الناس الذين يتخذون مواقف تعبر عن آرائهم اتفقت معها أو اختلفت فلها التقدير والاحترام.

ليس لدي مانع أن تكون معارضة أو احتجاج أو أيّ شيء آخر، فكل واحد منّا له رأيه وطريقة تفكيره، لكنّ خداع الناس وتضليلهم وجعلهم يدفعون أثمانا غالية لأهداف لا تسعى إليها حقّ السعي؛ هو الخيانة بعينها لهؤلاء.

إن المصارحة والمكاشفة لواقعنا ومستقبلنا هي فريضة الوقت لهؤلاء الذين يظنّ الناس بهم أنهم لا يقرّ لهم مضجع ولا يهنأ لهم بال حتّى تنتصر الثورة، والثورة بالنسبة لهم أصبحت جملة بروتوكولية مثل سيداتي وسادتي؛ تقال في أول الحديث ليس إلا.
التعليقات (2)
مصري جدا
الخميس، 20-09-2018 08:56 م
بكل يقين هم لا يمارسون الخداع ولا التضليل ،، بل هم مخلصون نواياهم طيبة ،، لكنه هول الصدمة ،، صدمة السقوط من القمة الى القاع ،،، هول الصدمة بانهيار المشروع ،، هول الصدمة من اليقظة من الحلم على الكابوس المرعب ،،، هول الصدمة الذي اربك منصة القيادة ،، وترتب عليه الانحراف الفكري والانشقاق التنظيمي ،،، الثورة والشرعية وما يرتبط بهما من منصطلحات وادبيات هو احد نواتج الصدمة فضلا عن ضغط الشباب الناقم على جميع الاوصاع والمستويات لكن يمنعه من الانفحار في وجه القيادة حسن تربيته وحفاظه على ما تبقى من جماعة كانت ومازالت الآمل ،،، هول الصدمه حرم منصة القيادة وضوح الرؤية وتقدير الموقف وادارة المشهد ،، وما زالوا يتحدثون بنفس الطريقة والالفاظ والمصطلحات القديمة ،، راجع تصريح المتحدث الاعلاني وهو يقول عن النؤسسة العسكرية انها مؤسسة وكتية ،، وكأن الذي قام بالانقلاب وما ارتب عليه من قتل وخراب مانت وزارة البيئة ،، المختصر ،، ما زلت ارى مع الملايين ان الاخوان يراهن عليهم رغم حملات التشويه والتشكيك والشيطنة من الخصوم والارتباك من طرف القيادة ،، نعم الرهان على الجماعة كان ومازال وسيكون ، لكن بمقومات ،، اولها ،، منصة قيادة جديدة بحجم التحديات ومستوى الطموحات ،، المنصة القديمة تجاوزها الزمن ،، ونحن في زمن ينادي بمنصة شبابية جديدة ،،، فهل من مساعد في هذا المسار ،،
محمد ريان
الخميس، 20-09-2018 02:50 م
مقال رائع يلخص ما حدث في مصر ولكن لا حياة لمن تنادي