بورتريه

الحلبوسي.. قبلة إيران الباردة على قبة برلمان العراق (بورتريه)

صعود الحلبوسي لرئاسة البرلمان صاحبه اتهامات واسعة بالفساد المالي- عربي21
صعود الحلبوسي لرئاسة البرلمان صاحبه اتهامات واسعة بالفساد المالي- عربي21

ضمن حملة التنابز بالألقاب، و"الاسم الفسوق بعد الإيمان"، وموشحات الفضائح السياسية والمالية التي تعزف وتغنى في أروقة المنطقة الخضراء ببغداد، حمل فوزه برئاسة مجلس النواب العراقي سيلا من التصريحات والاتهامات المتبادلة وسط المكون السني في العراق، وهو المكون المهمش والمشروخ لأجزاء عدة بالأصل، ولا يحتمل مزيدا من التشرذم.


الأصغر سنا في رئاسة البرلمان بتاريخ العراق الحديث، بعد أن نافس سبعة نواب آخرين للفوز بالمنصب، من بينهم رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، ووزير الدفاع السابق خالد العبيدي.


رشحه "المحور الوطني" وهو تحالف يضم أحزابا وتكتلات سنية لرئاسة مجلس النواب العراقي، وتقضي التوافقات السياسية في العراق أن يكون رئيس البرلمان من السنة، ويكون رئيس الوزراء من الشيعة، بينما الرئيس من الأكراد.


يتهمه منافسوه بـ"الفساد"، وبأنه أحد أذرع إيران في العراق عبر تحالفه مع "الحشد الشعبي"، لكن محمد الحلبوسي، المولود في محافظة الأنبار في عام 1981، يرد على منتقديه بالقيام بأول زيارة بعد رئاسته للجلسة الأُولى للبرلمان، إلى منزل هادي العامري، رئيس "تحالف البناء" و"قوات الحشد الشعبي"، حلفاء إيران، على رأس وفد ضم  نائبه الأول ومجموعة من النواب.


الحلبوسي أراد من خلال هذه الخطوة تأكيد علاقاته التحالفية، مع إيران، والعرفان بالجميل لكتلة "البناء"، والعامري شخصيا وكل الذين قدموا له الدعم الذي حسم معركة انتخابِه لرئاسة البرلمان من المعسكر القريب لإيران بشكل خاصة.


وكان لافتا إلى أن مكالمة التهنئة الأُولى التي تلقاها الحلبوسي، بعد انتخابِه، جاءت من رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، ليكشف المشهد الختامي عن انتصار كبير آخر لإيران، وهزيمة أخرى إضافية للولايات المتحدة، بانتظار من سيكون رئيس الوزراء العراقي المقبل.


الحلبوسي، الحاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من "الجامعة المستنصرية" في عام 2002، ودرجة الماجستير في الهندسة في عام 2006، ودبلوم اللغة الإنجليزية من الجامعة نفسها، انتخب نائبا في البرلمان العراقي في عام 2014.


كما انتخب محافظا للأنبار خلفا لصهيب الراوي الذي أقيل من منصبه بسبب مناكفات سياسية كونه أحد قيادات الحزب الإسلامي العراقي، المناوئ لحزب "الحل"، المنحدر منه الحلبوسي.


وقاد الحلبوسي قائمة "الأنبار هويتنا" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أيار/ مايو الماضي، وحاز على أعلى الأصوات بالمحافظة بعد فوزه بأكثر من 40 ألف صوت.


 وهو أيضا قيادي في "حزب الحل" الذي يقوده رجل الأعمال العراقي جمال الكربولي المثير للجدل في العراق بتحالفاته وسجله المالي.


وواجه "حزب الحل" اتهامات كثيرة بالتزوير وشراء أصوات الناخبين بالمحافظة، وكذلك اتهمه نواب سابقون ومنهم مشعان الجبوري بشراء ذمم نواب لانتخابه رئيسا للبرلمان.


ويحظى الحزب بدعم من السعودية  لقيادة تحالف "المحور الوطني" (السني) الذي تشكل مؤخرا، كما يحظى الحلبوسي نفسه، بدعم قوي من قيادة "الحشد الشعبي" المقربة من إيران، على الأقل في معركة رئاسة البرلمان.


المفارقة الكبيرة أن إيران والسعودية رغم خلافاتهما الكبيرة يدعمان حزبا واحدا. الخطورة تكمن في أن هذه الجهات المدعومة من إيران والسعودية، حصلت على رئاسة البرلمان وهو أعلى منصب خصص للمكون السني، إضافة إلى الحصول على الوقف السني الذي يعد أهم مؤسسة وقفية بالعراق.


ويصنف الكربولي، داخل الساحة السياسية العراقية على أنه من "سنة نوري المالكي"، كما أنه ما زال يدعم خيار الأغلبية السياسية التي ينادي بها المالكي.


ومن المفارقات أن " تحالف سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، صوت جزء من أعضائه، لصالح الحلبوسي، خلافا لرغبة الصدر في التصويت لصالح منافسه خالد العبيدي.


وسبب تصويت عدد غير قليل من "سائرون" لصالح الحلبوسي، إحراجا بالغا للصدر بعد قطعه وعودا بدعم ترشيح العبيدي القيادي في "تحالف النصر" بزعامة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.


لكن هل يكتمل المشهد العراقي بإسقاط العبادي واختيار عادل عبد المهدي أحد أبرز شخصيات التيارات الشيعية العراقية لمنصب رئيس الوزراء، برفقة الحلبوسي، كرئيس للبرلمان، وهل تطبع طهران قبلتها الباردة على المشهد الختامي، فكلاهما، عبد المهدي والحلبوسي، يحظيان بقبول التيارات السياسية العراقية، بل و"المرجعية العليا".


واشنطن حاولت، في إطار الانتخابات البرلمانية العراقية، التأثير على عملية تشكيل الحكومة العراقية عبر تعظيم نفوذ عملائهم داخل هيكل الحكومة والبرلمان، لكن باءت جهودهم بالفشل، كما خسرت لعبة رئاسة البرلمان.


الحلبوسي لا يتناغم مع رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وهو لم يتوان عن فتح معركة مع الرجل في أول يوم له في منصبه الجديد، وقال موجها كلامه للعبادي وحلفائه: "مجلس النواب لن يستلم توجيهات أو أوامر من أي شخصية أو سلطة ولن يستمع إلا لصوت الشعب مصدر السلطات".

 

وطالب بإجراء تحقيق شامل وموسع بشأن تصريحات بعض النواب والجهة الإعلامية التي "روجت لأكاذيب لا صحة لها خصوصا وأن تلك الجهة الإعلامية المضللة كانت ولا تزال تعمل بشكل غير رسمي وبعلم ودعم رئيس مجلس الوزراء وخلافا للقوانين النافذة".


وكان النائب خالد العبيدي عن "ائتلاف نصر" بزعامة العبادي، والذي رشح نفسه لرئاسة البرلمان، قد اتهم في وقت سابق ما أسماه "العائلة الفاسدة" بشراء منصب رئاسة البرلمان بـ 30 مليون دولار.


ورد العبادي على الحلبوسي بأن  طالب التحقيق في "عمليات غير قانونية" رافقت انتخاب الحلبوسي لرئـاسة البرلمان.


بانتهاء معركة رئاسة المجلس، تكون الحلقة الأولى من السلسلة العراقية المعقدة قد فكت، بانتظار الحلقة الثانية وهي الأسهل وتتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية رئيس والتي حدد لها يوم 25 من الشهر الجاري. إذا ينص الدستور العراقي على أن البرلمان ينتخب رئيسا جديدا للعراق خلال شهر من انعقاد الجلسة الأولى بأغلبية ثلثي الأصوات.


وتبقى "أم المشاكل" وهي معركة رئاسة الحكومة التي يشارك فيها من خلف الكواليس عدد من الدول، من بينها إيران والسعودية والولايات المتحدة وقطر، وتبدو إيران اللاعب رقم واحد، فهي توشك على جمع الكتل الأكبر في البرلمان وتحديدا "الفتح" و"سائرون" للاتفاق على هوية رئيس الحكومة المقبل.


فيما تتواصل تصريحات التشكيك والاتهامات بالفساد والعمالة للخارج بين جميع  أطراف اللعبة السياسية في العراق محدثا مزيدا من الإرباك في الفسيفساء العراقية المتنوعة.

التعليقات (0)