ملفات وتقارير

هكذا تدفع حكومة مصر الفلاحين إلى حرق محصول القطن

الحكومة عجزت عن الوفاء بوعودها للفلاحين بشأن أسعار القطن- عربي21
الحكومة عجزت عن الوفاء بوعودها للفلاحين بشأن أسعار القطن- عربي21

هدد فلاحون في مصر بحرق محصول القطن طويل التيلة هذا العام، وعدم زراعته مرة أخرى ردا على أزمة تسويق القطن التي تفجرت بعد تخلي الحكومة عن وعودها بشرائه، ورفض الشركات والجمعيات الزراعية التعاقد على شراء المحصول؛ نتيجة زيادة سعر الفائدة والتكلفة، ولجوء الشركات إلى استيراد الأقطان قصيرة التيلة منخفضة السعر.

وكانت وزارة الزراعة قد قررت تحديد سعر القطن بواقع 2500 جنيه للقنطار للوجه القبلي، و2700 جنيه للقنطار للوجه البحري، على الرغم من رفض الفلاحين الذين أكدوا أن السعر غير عادل ولا يتناسب مع ارتفاع أسعار مسلتزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومبيدات.

ولم يجد المزارعون من يشتري منهم القطن حتى بتلك الأسعار التي حددتها وزارة الزراعة ولم تلتزم الدولة من خلال الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج وغيرها من الشركات الحكومية والخاصة بشراء الأقطان بالأسعار المعلن عنها.

القطن في الأرض

ورصد مراسل "عربي21" عدم قيام قطاع من الفلاحين بجني محصول القطن حتى اللحظة، وتركه في الأرض لحين معرفة مصيره، وقال أحد المزراعين، ويدعى أبو أحمد البحراوي: "لن أجني المحصول حتى أعرف من سوف يشتريه، وبكم يشتريه، فالأجور مرتفعة للغاية، والدراسة بدأت في المدارس ولن أجد من يجنيه إلا بسعر مضاعف".

وأكد أن هناك من باع محصوله بأقل من 200 جنيه لبعض التجار "من أجل الخلاص من المحصول؛ لأنه لو تركه في الأرض فلن يجد من يجنيه، ولن يجد من يقرضه لسداد ديونه، والوفاء بمصروفات المنزل والأسرة، خاصة مع بدء الدراسة".

 

اقرأ أيضا: في عهد السيسي.. القطاع الزراعي مهدد بالانهيار

التخلي عن الفلاح

ويقول الخبير في العلوم الزراعية، عبد التواب بركات، إن "زراعة القطن تلقت ضربة جديدة في عهد الجنرال السيسي بفتح باب الاستيراد من الخارج، وإغراق السوق المحلي بالقطن اليوناني الرخيص، والمدعوم من الاتحاد الأوروبي بنسبة 100%، وتخلت الحكومة عن دعم المحصول، ورفضت الشراء من المزارعين، واضطر المزارعون لإشعال النار وحرق المحصول في الحقل أمام وسائل الإعلام؛ لأن الأسعار لا تغطي تكاليف جني المحصول فضلا عن إيجار الأرض وتكاليف الزراعة والخدمة والمقاومة".

وأضاف لـ"عربي21": "وانخفضت مساحة زراعة القطن إلى 125 ألف فدان لأول مرة في تاريخ الذهب المصري الأبيض، وبدأت الأزمة هذا العام بتشجيع الحكومة على زراعة المحصول مرة أخرى من أجل إنقاذ سمعة صناعة النسيج الهندي الذي اتهمته المتاجر العالمية بالنصب ببيعها منسوجات عليها علامة القطن المصري الفاخر، وهي في الحقيقة ليست مصنوعة من القطن المصري".

واستدرك بالقول: "وأبرمت الحكومة المصرية اتفاقية مع الهند لشراء القطن المصري بكميات كبيرة، وفرضت الدولة سعر ضمان مشجع للمزارعين قبل موسم الزراعة، ما خدع المزارعين الذين وثقوا في وعود الحكومة، وزادت المساحة المنزرعة إلى 50%".

وحذر من أن "تخلي الحكومة عن تسويق القطن المصري، وعدم دعم الشركات المسوقة بتخفيض أسعار الفائدة على القروض المخصصة لشراء القطن، يكبد المزارعين خسائر فادحة، وبالتالي فإن زيادة سخط المزارعين وتهديدهم بالسجن لعدم قدرتهم على سداد ديونهم، وتخليهم مرة أخرى عن زراعة المحصول الذي يوفر العملة الصعبة، ويدفع عجلة الإنتاج في المحالج ويسد فجوة زيوت الطعام وعلف الحيوان، وفتح بيوت العاملين في مصانع الغزل والنسيج والزيوت والصابون".

 

اقرأ أيضا : في عيده الـ66.. الفلاح المصري ضحية التهميش والغلاء؟

الذهب الأبيض في أيام سوداء

وقال الصحفي المعني بشؤون الزراعة والمزارعين، جلال جادو، لـ"عربي21" إن "الذهب الأبيض يقضي سنوات  سوداء  منذ رفعت الدولة يدها عنه عام 1994 بالسماح للتجار بشرائه من الفلاحين؛ وبالتالي فإنها لم تعد الدولة ملزمة بأخذ القطن حصرا من الفلاح ولم يتبق من دورها إلا تحديد سعر مذل للفلاح كل سنة ما دفع الفلاحين إلى التخلى تدريجيا عن زراعة القطن".

وأضاف: "لكن بسبب عدم قدرة الفلاح على زراعة محصول صيفي مواز للقطن وهو الأرز فقد اضطر الفلاحون لزراعة القطن، ووعدتهم حكومة السيسي بشراء القطن بسعر جيد يحقق ربحية جيدة فارتفعت المساحة المنزرعة حتى وصلت إلى 336 ألف فدان هذا العام وكانت حوالي 220 ألف فدان العام الماضي؛ وبالتالي فقد زادت الإنتاجية من 1.4 مليون قنطار إلى 2.4 مليون قنطار".

وأكد أن "الحكومة عجزت عن الوفاء بوعودها، وتراجع سعر القنطار عن السعر الذي حددته في وقت سابق بنحو 200 جنيه، بالإضافة إلى وجود مخزون يزيد على 200 ألف قنطار من الموسم السابق بسبب عجز النظام عن تسويقه وعجز التجار عن شرائه بسبب الفوائد العالية التي تصل إلى 20% بما يوازي 600 جنيه على كل قنطار".

وتابع: "أضف إلى هذا تراجع استهلاك المغازل المحلية من الأقطان لأدنى مستوياته منذ سنوات ليتراوح بين 300 و400 ألف قنطار فقط، فضلا عن إعلان النظام عن سعيه لزراعة القطن قصير التيلة من الموسم المقبل ما يعد كارثة كبرى على ما بقي من القطن طويل التيلة".

وعن تبعات تلك الأزمة، أكد جادو أن "الفلاح لا يثق في هذا النظام منذ زمن لكنه كالمستجير بالرمضاء من النار، وبالطبع لن يزرع الفلاح القطن مجددا ولن ينخدع بدعايات النظام العسكري الذي دفعه للزراعة وزيادة المساحة دون وجود خطة واضحة لتسويق هذا المحصول"، متوقعا "أن يقل سعر قنطار القطن هذا الموسم عن سقف الــ 2000 جنيه،  وهذا يمثل موتا وخراب ديار للفلاحين".

التعليقات (0)